وبعد إغلاق المغش بإحكام، يبدأ الطهي البطيء في التنور أو الفرن لمدة ساعتين تقريبًا، لتنتشر الروائح العطرية التي تأسر الحواس، مستحضرة جلسات الأجداد حول المائدة، حيث كان الطعام أكثر من مجرد طعم، بل حضور للذكرى وروح العائلة.

ولا يقتصر سحر المغش على المكونات أو طريقة الطهي فحسب، بل يتجلّى أيضًا في مهارة وتفنّن ربات البيوت الجيزانيات، اللواتي يحوّلن كل وجبة إلى لوحة فنية، إذ يعتنين بهذا الطبق من خلال أجود أنواع اللحوم والخضار الطازجة، ويضبطن حرارة التنور بدقة، ويحرصن على ترتيب المكونات بشكل متناسق، ليخرج في أبهى صورة.

فكل ربة منزل تضيف لمستها الخاصة من الخبرة والذوق الفريد، فتتنوع الوصفات قليلًا من بيت لآخر، لكن الروح تبقى واحدة.

وعند تقديمه ساخنًا مع الخبز البلدي أو الأرز، يتحوّل المغش إلى تجربة متكاملة تجمع بين الطعم والدفء الاجتماعي، بينما يحكي الوعاء الفخاري أو الحجري حكاية براعة الحرفيين، وجسرًا يربط الماضي بالحاضر.

فالمغش ليس مجرد طعام، بل رمز للكرم والضيافة، وتجسيدًا للتزام الأجيال بحفظ التراث الغذائي، ليظل حيًا عبر الزمن، وليظل مصدر إلهام للزوار والأجيال القادمة، حاملاً عبق التاريخ، وطعم الأرض، وروح الضيافة الجيزانية الأصيلة.

بهذا التفنن، يصبح المغش أكثر من مجرد طعام، إنه فن متوارث، وحكاية تُروى عن صبر وإبداع النساء الجيزانيات اللواتي يحيين التراث ويجعلونه حاضرًا في كل مائدة.

شاركها.
Exit mobile version