يتطلّع مسرحيون سعوديون إلى تحقيق استعادة كاملة لوهج المسرح السعودي، وإطلاق مرحلة ذهبية من الإنتاج والانتشار والتأثير، بعد سنوات من الإهمال الذي تسبب في ضمور الحركة المسرحية، وموجة التشدد التي عصفت بعناصر نجاحه، وفرضت عليه قيوداً فاقت قدرته على البقاء والاستمرار.
ويأمل الفاعلون في الحقل المسرحي السعودي أن تؤتي مبادرات هيئة المسرح السعودية ثمارها، وتسهم في تدشين عهد مسرحي لا سيما بعد إعادة الاعتبار للمسرح المدرسي بوصفه نواة النهوض بمجال المسرح وتنمية الأجيال الناشئة فيه، وتطوير وتمكين منظومة داعمة للمواهب الوطنية في القطاع المسرحي.
ضمور المسرح في «سنوات التشدد والإهمال»
الصحافي الثقافي صادق الشعلان قال إن سنوات التشدد والإهمال تسببت في ضمور الحركة المسرحية، وإن ذلك تمثّل في حالتي ضعف اكتشاف وتجهيز المواهب من جهة، وفي شلّ الحركة المسرحية عموماً بسبب ما وصفه بعاصفة التشدد التي خصمت من رصيد المسرح وبقية الفنون في قائمة اهتمامات المجتمع ومواهبه الواعدة.
وأضاف: «في المدارس كانت المجموعات الفنية والثقافية تواجه عزوفاً من المواهب، بعد أن تعرضت هذه المجالات إلى هجوم شرس نعتت فيه بأبشع النعوت، وأدرجت في خانة الخصومة مع القيم الدينية والمجتمعية، وفقد المشهد الثقافي والفني عشرات المواهب التي لربما كان لها حاضر غنيّ بالتجارب ودور محوري في إثراء التجربة الفنية السعودية لولا معول التشدد وآفة الإهمال».
الشعلان الذي أفنى ثلاثة عقود في الكتابة للصحافة الثقافية، وتتبّع المشهد الثقافي، وشهد على مرحلة التشدد التي عصفت بالمشهد الثقافي، تابع بالقول: «تعدّ حادثة مسرح جامعة اليمامة عام 2006 أيقونة في مشهد تثبيط الحركة المسرحية السعودية، التي أنتجت في مقتبل ازدهارها مواهب نوعية فذَة، موّلت الحركة الفنية السعودية والخليجية عموماً، بأسماء لامعة كان فضلها على الدراما التلفزيونية واضحاً من خلال الأسماء والنجوم التي لا تزال لامعة في الفضاء العام، بعد أن صقلت موهبتها على خشبة مسرح التلفزيون والجامعات والمدارس»، وأشار الشعلان إلى أن التحدي الذي واجهته الحركة المسرحية والفنية بالتبعية، هي ضعف المواهب وتراجع ظهور أسماء يمكن الرهان عليها، الأمر الذي انعكس على جودة المنتج الفني بسبب ضعف انخراط المواهب عند بواكيرها في المسرح، الذي يصقل الموهبة ويطورها ويحولها إلى منتج محترف وناضج وواعٍ بتفاصيل الإبداع الفني، مشيراً إلى أن المسرح السعودي يتطلع لنفض غبار سنوات التشدد والإهمال.
المسرح المدرسي يقود تعافي القطاع
اتخذت السعودية خطوة مهمة لاستعادة دور المسرح في مدارسها، وإطلاق العنان لبناء القدرات الفنية والأدائية، في شراكة نوعية بين وزارتي التعليم والثقافة في السعودية، لتغطية ما يقرب من 20 ألف مدرسة، وبناء ألف تجربة مسرحية ثرية، وتحقيق معدلات تدريب لأكثر من 25 ألف معلم ومعلمة في مسيرة البرنامج الذي يمتد طوال العامين المقبلين. البرنامج سيتضمن التعليم والتدريب على عناصر التأثير والدراما والتصميم والإخراج، وإعادة الاعتبار للمسرح المدرسي نواةً لبناء المواهب وتجهيزها لإثراء المشهد الثقافي، وقد استغرقت المبادرة عامين كاملين من بناء التفاصيل، والنهوض بمجال المسرح المدرسي وتنمية الأجيال الناشئة فيه، والسعي إلى تطوير وتمكين منظومة داعمة للمواهب الوطنية في القطاع المسرحي، من خلال تنمية وتطوير المهارات الـمسرحية لدى المعلمين والمعلمات في السعودية؛ لتمكينهم من الإشراف على النشاط المسرحي وتدريب الطلاب والطالبات وتحقيق حراك ونشاط مسرحي مدرسي لإنشاء جيل مهتم بالمسرح.
مبادرات لاستنهاض الحركة المسرحية
ويشهد قطاع المسرح نموّاً استثنائيّاً منذ انطلاق «رؤية 2030» التي أولت المشهد الثقافي في السعودية اهتماماً بالغاً، وبدأت بتغيير ملامح الحركة المسرحية من خلال إنشاء المسرح الوطني، وإطلاقِ الفعاليات والمبادرات قدمتها هيئة المسرح والفنون الأدائية، لتشجيع القطاع والنهوض به.
وتأتي مبادرات دعم قطاع المسرح، ضمن جملة خطوات يشهدها الوسط الثقافي السعودي، وتعد حراكاً غير مسبوق استوعب جميع ألوان الفنون والأنشطة الثقافية، بعد تضمين «رؤية 2030» الثقافة جزءاً أصيلاً من تفاصيلها وطموحها لبناء مجتمع حيوي، وزيادة مساهمة الثقافة في تحقيق محاور الرؤية وإطلاق برامج واستراتيجيات بمستويات مختلفة.
مهرجان للمسرح في الرياض
ومن المقرر أن تحتضن مدينة الرياض في ديسمبر (كانون الأول)، مهرجاناً للمسرح، تشارك به فرق مسرحية ومسرحيون سعوديون، وذلك من أجل اختبار الأثر المباشر لحزمة المبادرات التي أطلقتها الهيئة خلال الفترة القريبة الماضية، وستتنافس في «مهرجان الرياض للمسرح» 10 فرقٍ من جميع مناطق السعودية، وفق معايير جودة العرض وجدّته، وتقديمها برؤية وإخراج فنيين مبتكرين، وسط تجمُّع كبير لرواد وكبار فناني المسرح في العالم العربي يعِد به المهرجان، للمشاركة في تنشيط وتفعيل الحراك المسرحي السعودي، واستذكار رموز سعودية رائدة في حكاية المسرح تقديراً لجهودها الاستثنائية في العقود الماضية، وعلى رأسهم الفنان السعودي الراحل محمد العثيم.