دور مهم للدوحة في الوساطة والتنمية..

❖ عواطف بن علي

– تمويل قطري ــــ فرنسي مشترك لبناء مستشفى في القدس الشرقية

– قطر تتميز في الساحة الدولية بالتزامها بدعم القضايا الاجتماعية

– الوكالة تنشط في 150 دولة ونطوّر شراكات متنامية مع قطر

– ما نراه اليوم من جهود قطرية في مجال التنمية مثير للإعجاب

– فرص واعدة لمشاريع تنموية مع قطر في غزة وفلسطين

– مشروع «ديجيتال أفريقيا» لدعم الشركات الناشئة في القارة السمراء

– التعاون مع «التعليم فوق الجميع» لمعالجة قضية الأطفال خارج المدرسة

 

تشهد الساحة الدولية اليوم حراكًا متسارعًا نحو بناء شراكات تنموية أكثر شمولًا وفاعلية، تتجاوز الأطر التقليدية للتعاون، وتستند إلى تبادل الخبرات وتكامل الأدوار بين مختلف الفاعلين الدوليين. 

وفي هذا السياق، أكد السيد ريمي ريو، المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية، على المكانة المتنامية لدولة قطر كفاعل دولي مؤثر في مجالات التنمية والعمل الإنساني والدبلوماسية. 

وفي حوار خاص مع «الشرق»، أشاد ريو بالتعاون المتزايد بين الوكالة الفرنسية للتنمية وصندوق قطر للتنمية، سواء في دعم القطاع الصحي في فلسطين وغزة، أو في مشاريع التعليم والابتكار الرقمي في إفريقيا، معتبرًا هذا التعاون نموذجًا عمليًا لشراكة تقوم على القيم الإنسانية والتنموية المشتركة. كما أبرز الاهتمام المتزايد بتوسيع آفاق العمل المشترك ليشمل لبنان ودول الجنوب، لا سيما في القارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية. وتطرق المدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية خلال الحوار إلى واقع العمل التنموي عالميًا، والتحديات التي يواجهها، وعدد من القضايا المرتبطة بالتنمية والتعاون الدولي. 

وفيما يلي نص الحوار.

◄ كيف تقيّمون تعاونكم مع دولة قطر بوصفها شريكًا دوليًا للوكالة الفرنسية للتنمية؟

أصبحت دولة قطر منصة دولية فاعلة، وقد جئت إلى الدوحة بهدف تعزيز علاقاتنا الثنائية، التي تمتد إلى مجالات متعددة كالدفاع والتعليم والثقافة، خاصة بعد زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى باريس في فبراير 2024.. كما أُثمّن تنوّع المشاركين في منتدى الدوحة، الذي يجمع بين الدفاع والدبلوماسية والتنمية والاقتصاد في إطار حواري فاعل وغير تقليدي، إلى جانب الحضور الفرنسي المميز من برلمانيين ومسؤولين ومحللين ودبلوماسيين.

   – تعاون مشترك 

◄ هل هناك مشاريع مشتركة بين الوكالة الفرنسية للتنمية وقطر في مجال التنمية العالمية؟

لقد التقيت سعادة الدكتورة مريم بنت علي بن ناصر المسند، وزير الدولة للتعاون الدولي، والتي عرضت عليّ الطموح العام والتوجه الاستراتيجي. كما جئت خصيصًا لمناقشة التعاون مع صندوق قطر للتنمية. ووقّعنا مع الصندوق اتفاقية منحة بقيمة 6.95 مليون دولار أمريكي لبناء مستشفى القديس يوسف في القدس الشرقية، وهو مشروع تمويل مشترك يشمل تمويلًا فرنسيًا، وتمويلًا من صندوق قطر للتنمية، إضافة إلى تمويل محلي، ويبلغ حجم الاستثمار الإجمالي نحو 30 مليون دولار. يهدف المشروع إلى تحويل المستشفى إلى مؤسسة طبية أكاديمية، بما يعزز جودة الخدمات الصحية ويوسّع برامج التدريب السريري، وبالتالي تحسين مستوى الرعاية الصحية المقدمة لأكثر من 10,500 فرد. كما يتضمن المشروع بنى تحتية مكيّفة لمواجهة التغير المناخي، مع تركيز كبير على تدريب الكوادر الصحية. ويُعد هذا المستشفى مهمًا للغاية، إذ يستقبل نحو 100 ألف مريض سنويًا، 98% منهم من الفلسطينيين. وهذه مجرد أمثلة على ما نقوم به. فنحن نعمل أيضًا في مجال الصحة في غزة، في ظل الأزمة التي تمر بها فلسطين، وهو ما يشكّل إشارة بالغة الأهمية. كما نبحث مع صندوق قطر للتنمية عن فرص تعاون في مناطق جغرافية أخرى، لا سيما في إفريقيا.

كما نعمل معًا على مشروع «ديجيتال أفريقيا»، الموجّه بشكل أساسي لدعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في أفريقيا، وخصوصًا في أفريقيا جنوب الصحراء. وأشار بعض زملائنا أيضًا إلى وجود اهتمام قطري بتوسيع التعاون نحو أمريكا اللاتينية. ونحن، من جهتنا، نعمل في نحو 150 دولة حول العالم، ما يمنحنا قدرة قوية على استكشاف المشاريع وبلورتها واقتراحها على شركائنا وأصدقائنا. ويمكن القول إننا نشبه إلى حدٍّ ما البنك الدولي، لكن بصيغة فرنسية، مع إضافة البعد الدبلوماسي الثنائي الذي يميّز تعاوننا مع شركائنا القطريين.

وبجانب التعاون مع صندوق قطر للتنمية، نعمل أيضًا مع مؤسسة «التعليم فوق الجميع». لم نوقع بعد اتفاقيات، لكن لدينا مشاريع قائمة في أفريقيا، تتعلق ببرنامج «الأطفال خارج المدرسة»، خاصة في بنين وتوغو، بهدف خفض أعداد الأطفال غير الملتحقين بالتعليم إلى الحد الأدنى. لقد أحرزت الدول الأفريقية تقدمًا كبيرًا في إلحاق الأطفال بالمدارس، لكن بعد ذلك يظهر تحدي جودة التعليم، غير أن الأولوية تبقى دائمًا في إدخال الأطفال إلى المدارس، خصوصًا في وقت يشهد فيه التمويل العمومي للتنمية انخفاضًا كبيرًا.

   – تجربة لافتة

◄ كيف تجد دور قطر في تعزيز التنمية الدولية وفي الوساطة؟

أن تحافظ دولة مثل قطر على التزامها بالقضايا الاجتماعية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم، التي تشهد تراجعًا حادًا في التمويل. وقد شهدنا مؤخرًا قمة وايز التعليمية، وكذلك القمة الاجتماعية قبل أسابيع قليلة، وكنّا ممثلين فيها، وهو ما يؤكد الدور المستمر لدولة قطر في دعم القضايا الاجتماعية عالميًا. أقدّر كثيرًا أن تكون هناك دول تواصل التمسك بهذه القيم، فالقضايا الاجتماعية شديدة الأهمية، سواء للاقتصاد أو للمناخ. وهذا في رأيي هو التوقيع المميز لدولة قطر على الساحة الدولية. 

 لقد لاحظت ذلك في الكونغو وفي أفريقيا عمومًا، حيث يتزايد اهتمام قطر بالقارة الأفريقية. وأنا شخصيًا أعمل في مجال تمويل التنمية منذ نحو 20 عامًا، ولذلك أستطيع أن أقول إن ما نراه اليوم من جهد قطري في التنمية مثير للإعجاب. وسنقترح تعاونا فيما نقوم به في لبنان، أو في منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا، على أصدقائنا القطريين في حال رغبوا في المشاركة في التمويل.

التطور الذي نشهده اليوم تجربة لافتة. وبالطبع، جئت في البداية لمناقشة القضايا الإقليمية. كما وقّعت قبل اتفاقًا مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر يمثل ضمانة كبيرة من حيث الجدية والمصداقية. وقد شاركت مؤخرًا في مؤتمر باريس حول منطقة البحيرات الكبرى، وكان الجانب القطري حاضرًا أيضًا. وهذا يعكس الدور المتنامي والمقدّر لقطر في مجال الوساطة، وهو دور لم يعد يقتصرعلى الشرق الأوسط، بل بدأ يمتد إلى مناطق أخرى.

   – دعم فلسطين 

◄ هل تواجهون عقبات أو تحديات في غزة في ظل الحرب القائمة، وهل يؤثر ذلك على عملكم الإنساني؟

استثمرنا كثيرًا في فلسطين، بما يقارب 500 مليون يورو خلال السنوات العشر الماضية، في الضفة الغربية وغزة، خصوصًا في مجالات إدارة النفايات ومعالجة المياه، إضافة إلى مشاريع في التراث الثقافي. هذه المشاريع ما زالت مستمرة في الضفة الغربية، رغم الصعوبات. أما في غزة، فقد اضطررنا إلى تعليق مشاريعنا مؤقتًا. عملنا قليلًا مع «اليونيسف» في مجال الصحة، لكن الوتيرة ليست كما كانت سابقًا. ومن أهم ما نقوم به حاليًا هو العمل مع بنك فلسطين، حيث نحن مساهمون فيه. وهذا البنك يمثل أكثر من نصف النظام المالي الفلسطيني، ويوفر خدمة أساسية للسكان، مثل إجراء المعاملات المالية عبر الهاتف المحمول، وهو قصة نجاح اقتصادية بحد ذاته.

نحن موجودون على الأرض، ورغم أن الحرب تعرقل العمل، فإننا نتكيف ونبحث عن بدائل. ومن خلال فرعنا بروباركو المتخصص في تمويل القطاع الخاص، قمنا بزيادة التمويل وتعزيز حصتنا في بنك فلسطين، بالتعاون مع بنوك متعددة الأطراف مثل IFC وغيرها، لدعم هذه المؤسسة خلال الأزمة.

أعتقد أن هناك فرصًا لمشاريع مشتركة مع قطر في غزة وفلسطين، وربما تكون في المرحلة الحالية ذات طابع إنساني أكثر، علمًا بأن النظام الفرنسي يفصل بين العمل الإنساني العاجل، الذي تشرف عليه وزارة الخارجية، والعمل التنموي طويل الأمد الذي تقوم به الوكالة الفرنسية للتنمية.

   – التنمية الدولية

◄ كيف تقيّمون تطور السياسة الفرنسية في مجال التنمية والعمل الإنساني عالميًا؟

 أود أن أشكر الرئيس إيمانويل ماكرون، فمنذ عام 2017 ارتفع التمويل الفرنسي للمساعدة الإنمائية بأكثر من 40%، من 10 مليارات يورو إلى 15 مليارًا. كما زادت فرنسا بشكل كبير تمويلها للعمل المناخي، التزامًا باتفاق باريس. وبالنسبة للوكالة الفرنسية للتنمية، فقد تضاعف حجم تمويلنا من 7 مليارات إلى 14 مليار يورو، وهو مستوى نتوقع الحفاظ عليه هذا العام. لكننا نشهد عالميًا أزمة في التعاون الدولي، كما رأينا في الولايات المتحدة مع إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية، ما أدى إلى تراجع كبير في التمويل.

في المقابل، لا تزال أوروبا الممول الأكبر للتنمية الدولية، ونشهد أيضًا دورًا متزايدًا ومهمًا لدول الخليج، وهو أمر إيجابي للغاية. نحن نمر بمرحلة انتقال من منطق «المساعدات» إلى منطق «الاستثمار»، ومن الاعتماد على المال العام فقط إلى تحفيز الاستثمار الخاص.

وفرنسا ستترأس مجموعة السبع العام المقبل، حيث سيعمل الرئيس ماكرون على إعادة صياغة إطار جديد للتعاون الدولي، فلن يكون هذا الاجتماع على الأرجح قمة تقليدية. أعتقد أنه قد يدعو دولة قطر للمشاركة، كما سيدعو بالتأكيد شركاء من دول الجنوب، مثل الهند والبرازيل. وكان الرئيس ماكرون قد زار الصين في نهاية الأسبوع الماضي، أو هذا الأسبوع تحديدًا، وسنسعى من خلال ذلك إلى إعادة تعريف إطار التعاون الدولي ليكون أكثر وضوحًا، وأكثر جماعية، وأكثر انفتاحًا، ونأمل أن يكون أكثر طموحًا.

فالحاجات، سواء في مجال التنمية أو في مواجهة التغير المناخي، هائلة. ولذلك فإن تراجع الميزانيات ليس أمرًا إيجابيًا. علينا أن نفهم الأسباب السياسية التي أدت إلى هذا التراجع. كما يُعد إعلان دول الخليج عن تمويلاتها التنموية لدى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أمرًا بالغ الأهمية، وقطر الدولة الوحيدة التي قامت بذلك، وهو ما يشكّل رسالة واضحة إلى بقية الدول الصاعدة اقتصاديًا. سنحاول العام المقبل إعادة بناء إطار جديد للتعاون الدولي. قد تكون هذه مجرد خطوة أولى، لكننا بحاجة ماسة إلى دول الخليج لتحقيق ذلك، خاصة في ضوء الدور الكبير الذي قامت به.

   – التنمية والسياسة 

◄ هل تتأثر المساعدات الفرنسية في أفريقيا بالسياسة أو التاريخ؟

نحن نعيش في عالم جيوسياسي، ومن الطبيعي أن تتأثر سياسات التنمية بالسياق السياسي والتاريخي. لكن الهدف الأساسي هو أن يتحسن وضع جيراننا، لأن ذلك ينعكس إيجابًا علينا جميعًا، سواء في مواجهة التغير المناخي، أو الأوبئة، أو التحديات الاقتصادية.

فالخليج وأوروبا من أكثر مناطق العالم تأثرًا بالاحتباس الحراري.

وإذا نجحنا في دعم تنمية منخفضة الانبعاثات في الدول النامية، فسنستفيد جميعًا. وتجربة جائحة «كوفيد-19» واضحة في هذا السياق؛ فقد انتشر الوباء عبر أضعف حلقات السلسلة الصحية عالميًا. وهذا يؤكد حاجتنا إلى نظام صحي عالمي متماسك لا توجد فيه فجوات، لأن فيروسات أخرى قد تظهر وتهددنا جميعًا.

وعلى الصعيد الاقتصادي، إذا حققت أفريقيا التنمية، فإن العالم بأسره سيستفيد. ففي غضون عقود قليلة، سيكون شاب واحد من كل ثلاثة في العالم أفريقيًا. وهناك نحو 600 مليون شاب أفريقي سيدخلون سوق العمل بين الآن وعام 2050. وهذا يعني أن أفريقيا ستكون مصنع العالم وقوته العاملة الأساسية.

◄ يرى بعض المراقبين أن توجيه جزء كبير من الدعم الدولي إلى أوكرانيا جاء على حساب المساعدات المخصصة لمناطق أخرى في العالم، وهو ما اعتُبر مؤشرًا على وجود ازدواجية في معايير الدعم وأولوياته؟

 هذا لم يحدث في فرنسا. لم يكن هناك إقصاء أو تحويل للموارد على حساب بقية مناطق العالم. مثلاً ما يجري في فلسطين يمثل تحديًا كبيرًا لدولة قطر، كما أن ما يحدث في أوكرانيا يشكّل تحديًا كبيرًا لأوروبا، فكلها مناطق مجاورة لنا، وقد عادت الحرب إلى القارة الأوروبية.ومن الطبيعي أن يكون هناك تحرك واسع لدعم صمود أوكرانيا، لأن الأزمات تتطلب أيضًا استجابات أمنية ودفاعية، وهو ما قامت به أوروبا. لكن في الوقت ذاته، هناك احتياجات تنموية كبيرة، فأوكرانيا تطلب منا دعمًا في مجالات الطاقة والصحة والتعليم والنقل، ولذلك استثمرنا فيها أيضًا.

شاركها.
Exit mobile version