الجمعية العامة للأمم المتحدة

الدوحة – قنا

مع تزايد المخاطر الجيوسياسية والتوترات الأمنية والتغيرات المناخية، من المتوقع أن تدرج على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 79، جملة من المواضيع الاقتصادية المهمة والمتنوعة، إذ عانى العالم خلال السنوات الماضية من كساد مالي واقتصادي عريض جراء ظروف وتأثيرات مختلفة.

وقد فاقمت الأزمات الاقتصادية العالمية العديد من العوامل والأسباب أبرزها تداعيات جائحة كورونا، فضلا عن الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ فبراير 2022، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وكذلك عوامل طبيعية ارتبطت بالتغيرات المناخية التي ضربت أجزاء واسعة من العالم، كل ذلك أرخى بسدوله على نشاط الحركة التجارية والاقتصادية العالمية بشكل عام.

يأتي ذلك في ظل جهود تحقيق خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، والتي تم اعتمادها في عام 2015، وتركز على 17 هدفا رئيسيا للتنمية المستدامة و169 هدفا فرعيا، تشمل مجموعة واسعة من القضايا العالمية والعمل على معالجتها مثل: الفقر، والجوع، والصحة، والتعليم، والمساواة بين الجنسين، والمياه النظيفة، والطاقة المستدامة، والنمو الاقتصادي، وتقليل عدم المساواة، والحماية البيئية، والسلام، والعدالة، والمؤسسات القوية.

ويقول الخبير الاقتصادي فواز الهاجري في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ إنه لا شك أن لدولة قطر بقيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله، ومشاركته الدائمة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة دورا إيجابيا وتنمويا لدفع عجلة التنمية والتطور والنجاح للبشرية جمعاء.

ويرى الهاجري أنه من خلال اجتماعات الجمعية العامة فإن دولة قطر باستطاعتها أن تساهم بشكل كبير في خلق فرص تنموية تمكن الشعوب من الاستقرار من خلال مساهمتها المالية والعينية، كدعمها مثلا لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وغيرها من الوكالات الأممية، وكذلك دعم العديد من البرامج التقنية الداعمة للإنتاج وتصدير الطاقة للعالم والاستثمار في الطاقة النظيفة ودعم سياسات صديقة للبيئة وتطوير صندوقها السيادي وتنويع مصادر الدخل المختلفة.

ويتوقع فواز الهاجري أن يكون من أهم القضايا المتوقع طرحها خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة القضايا المتعلقة بتطور الإنسانية من خلال دعم مشاريع التنمية ودعم الابتكار في العلوم المختلفة كالطب والتكنولوجيا لما يصب في تنمية الشعوب وتحقيق العدالة والمساواة ورفع مستوى المعيشة للبشرية كافة والقضاء على الفقر والبطالة، مشيرا إلى أن أبرز التحديات والقضايا الاقتصادية التي تجابه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، هي القضاء على الفقر والبطالة وتسخير الموارد الاقتصادية المتاحة في توفير الحياة الكريمة للشعوب جميعا والاستفادة من التطور التكنولوجي لزيادة الإنتاجية وزيادة الرفاهية.

ومن جهته، يقول الدكتور عمر غرايبة الأستاذ المشارك في إدارة المخاطر الاستثمارية بجامعة آل البيت بالأردن، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن بيانات الأمم المتحدة تشير إلى أن الذي تحقق من خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 هو إحراز لبعض التقدم من حيث الأهداف، ورغم أنه واضح ولكنه قليل، ومثال ذلك انخفاض معدلات الفقر في بعض المناطق على سبيل المثال لا الحصر مثل بنغلاديش من 40 في المئة إلى 20 في المئة وإثيوبيا من 45 في المئة إلى 23 في المئة، وزيادة الوصول إلى التعليم الأساسي مثل فيتنام بنسبة 100 في المئة وملاوي بنسبة 90 في المئة ، وتحسين الوصول إلى المياه النظيفة مثل أوغندا ونيبال من 56 في المئة إلى حوالي 79 في المئة .

وفي ذات السياق، فإن وجود التحديات أبطأ من تحقيق العديد من الأهداف وعرقل التقدم في بعض المجالات الأخرى بما في ذلك القضاء على الفقر المدقع، وتحقيق المساواة بين الجنسين، ومعالجة التغير المناخي، كما أن الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا وتزايد المخاطر الجيوسياسية أدت إلى التفاوت في التنفيذ لتحقيق الأهداف من منطقة إلى أخرى.

ويرى غرايبة أن التحديات المرتبطة بالتمويل والشراكات للحصول على الموارد الكافية، تعد من الأسباب المعرقلة لبعض المشاريع، ولذلك في ظل هذه التحديات التي تواجه التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، ما تزال هناك حاجة كبيرة إلى جهود منسقة ومتجددة.

وقال إن أهم القطاعات الاقتصادية العالمية التي كان لها الانعكاس الواسع والسريع على الاقتصاد العالمي، هو تأثر سلاسل الإمداد والتوريد وخاصة المرتبطة بأشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية مع تداعيات جائحة كورونا، وتزايد ذلك مع وجود المخاطر الجيوسياسية والتوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، من خلال العقوبات الاقتصادية وزيادة التعرفة الجمركية، التي تفرضها دول على صادرات الدول الأخرى أو وارداتها من السلع والخدمات.

وأضاف عمر غرايبة أن سلاسل الإمداد والتوريد المرتبطة بالمخاطر الجيوسياسية لم تكن محصورة على الولايات المتحدة الأمريكية والصين، إنما تأثرت سلاسل الإمداد والتوريد بالمخاطر الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، مسببة اضطرابات كبيرة على مستوى أسعار الطاقة العالمية نتيجة تقليص الإمدادات من روسيا، إضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، حيث إن روسيا وأوكرانيا تعدان من كبار مصدري الحبوب في العالم.

 

وفي سياق الحديث عن المخاطر الجيوسياسية، أكد الدكتور عمر غرايبة الأستاذ المشارك في إدارة المخاطر الاستثمارية بجامعة آل البيت بالأردن، في تصريحه لـ/قنا/، أن الحرب في السودان تعد تحديا جيوسياسيا آخر لأنه أدى إلى تعطيل النشاط الاقتصادي وأثر على الزراعة والتجارة في السودان، وتضررت البنية التحتية مما أدى إلى صعوبة التعافي الاقتصادي الداخلي، كما أدت الحرب في السودان إلى نزوح داخلي وخارجي وضغط على الدول المجاورة وأثر على الاستقرار الإقليمي، إضافة إلى تزايد حاجتهم إلى المساعدات الإنسانية، مما أثر بشكل سلبي على الميزانيات الوطنية والدولية، وزاد من اعتماد السودان على الدعم الدولي.

وتابع: جاءت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لتعمق مشاكل سلاسل الإمداد والتوريد أكثر في البحر الأحمر، وتضرب قطاع السياحة في دول الإقليم، نتيجة تزايد المخاوف من اتساع رقعة الحرب في منطقة الشرق الأوسط.

وأكد الدكتور عمر غرايبة أن جميع هذه المخاطر الجيوسياسية والتوترات التجارية أثرت بشكل كبير على سلاسل الإمداد والتوريد وجعلتها من أبرز المشاكل الاقتصادية العالمية، وزادت من حالة عدم اليقين بين المستثمرين مما أدى إلى تقليص الاستثمارات الأجنبية في المناطق المتضررة، كما زادت من مخاطر الاستثمار في مناطق أخرى، وخلقت أزمات إنسانية أدت إلى فقدان الوظائف وتدمير البنية التحتية، مما يضع ضغوطا على اقتصاديات هذه الدول ويؤدي إلى زيادة الفقر، وبالتالي هذه المخاطر الجيوسياسية والتوترات التجارية عمقت من مشكلة التضخم بسبب نقص المواد الأساسية وارتفاع الأسعار في العديد من الدول من جهة، وانعكس ذلك على الجهة الأخرى بزيادة مخاطر الركود الاقتصادي.

ولفت إلى أنه من القضايا الاقتصادية المتوقع أن تدرج على جدول أعمال الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، قضية التغير المناخي وتأثيرها على التنمية المستدامة ، إذ تعد من القضايا المهمة، موضحا أن تحقيق التنمية المستدامة يتطلب استراتيجيات تمويل وابتكار متنوعة، كدعم مشاريع الطاقة المتجددة سواء من المستثمرين أو الحكومات أو المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإنشاء صناديق استثمارية متخصصة في مشاريع البيئة المستدامة، ولكن تمويل ودعم هذه المشاريع يتراجع في ظل تزايد الديون السيادية لدى معظم الدول في العالم.

وأشار الدكتور عمر غرايبة إلى أن نسبة النمو الاقتصادي العالمي ستبقى في الغالب منخفضة نسبيا، مع تفاوت كبير بين الدول، حيث إن التضخم في أسعار الطاقة لا يزال يشكل مصدر قلق، في ظل توقعات ارتفاع معدلات الفائدة عالميا، مشيرا إلى أن بعض الأسواق الناشئة قد تشهد نموا إذا تحسنت الظروف الاقتصادية والسياسية.

وفي السياق، يتوقع خبراء اقتصاديون متخصصون أن يظل الاقتصاد العالمي يواجه مجموعة من التحديات والتي لا تزال قائمة في المجالات المختلفة، ففي ظل استمرار المخاطر الجيوسياسية والنزاعات الناجمة عنها، والتوترات التجارية وسياسة فرض العقوبات، وعرقلة سلاسل الإمداد والتوريد، فإن حركة التجارة العالمية ستواجه بجملة من التحديات خاصة في مجال الأمن الغذائي، حيث إن أسعار المواد الغذائية قد تظل مرتفعة بسبب الاضطرابات في سلاسل الإمدادات وستكون هناك حاجة إلى استراتيجيات أفضل لتحسين الإنتاج الزراعي والحد من الفاقد، وتظل مشكلة تأمين الغذاء واحدة من الهواجس التي تجابه العالم ومؤسساته الاقتصادية، على الرغم من الجهود المبذولة في تعزيز التجارة الرقمية والنقل اللوجستي.

كما توقعوا أن تبقى أسعار النفط والغاز متقلبة، مع احتمالية أن تسجل ارتفاعات جديدة إذا استمرت التوترات الجيوسياسية، أو تم فرض قيود على المعروض منها، خاصة في أوروبا، ولكن تبقى هذه التوقعات عرضة للتغير بناء على التطورات الاقتصادية والسياسية العالمية، مما يستدعي متابعة مستمرة وتكيفا مع المستجدات.

شاركها.
Exit mobile version