المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية في إشبيلية

الدوحة – قنا

 تنطلق في مدينة إشبيلية الإسبانية غدا الإثنين أعمال المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية وتستمر إلى الخميس المقبل، في حشد عالمي مكثف يوصف بأنه “فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل عقد” لإعادة تشكيل النظام المالي الدولي، ويترأس رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، فعاليات هذا المؤتمر الذي يجمع أكثر من 70 رئيس دولة وحكومة، إلى جانب قادة المؤسسات المالية الدولية وممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص، بهدف معالجة التحديات الملحة التي تواجه تمويل التنمية العالمية.

ويناقش المشاركون في المؤتمر، مناهج جديدة لتمويل التنمية، لكن الأهم من ذلك، هو أن المؤتمر سيمنح الدول النامية مقعدا على طاولة النقاش، بحيث تلبى احتياجاتها في عملية صنع القرار المالي الدولي.

وتعتبر مؤتمرات تمويل التنمية من أهم المحافل الدولية التي تهدف إلى معالجة التحديات المالية التي تواجه التنمية العالمية، وقد بدأت هذه السلسلة من المؤتمرات كاستجابة للحاجة الملحة لإيجاد آليات تمويل مبتكرة وفعالة لدعم جهود التنمية في البلدان النامية، خاصة في ظل تزايد الفجوات التنموية والاقتصادية بين الشمال والجنوب العالمي.

وقد انعقد المؤتمر الأول لتمويل التنمية في مونتيري بالمكسيك عام 2002، والذي وضع الأسس الأولى لما يعرف بـ “إجماع مونتيري”، والذي أرسى مبادئ أساسية لتمويل التنمية، وتلا ذلك المؤتمر الثاني في الدوحة عام 2008، والذي جاء في خضم الأزمة المالية العالمية، مما أضفى عليه أهمية خاصة في معالجة تداعيات تلك الأزمة على البلدان النامية. وقد ركز مؤتمر الدوحة على ضرورة إصلاح النظام المالي الدولي وتعزيز دور المؤسسات المالية الدولية في دعم التنمية.

ونصت الوثيقة الختامية “وثيقة الدوحة” الصادرة عن المؤتمر على الحاجة إلى عملية بين الحكومات تكون معززة وأكثر فعالية لتنفيذ متابعة التمويل من أجل التنمية وتستعرض التقدم في تنفيذ الالتزامات وتشخص العقبات والتحديات والقضايا الناشئة وتقترح توصيات وإجراءات قوية مع الأخذ بعين الاعتبار المقترحات المختلفة التي طرحت، وأعاد المشاركون في الوثيقة الختامية لمؤتمر الدوحة، التأكيد على أهداف والتزامات توافق آراء مونتيري بتمامه ونهجه وشموله ومنها اتخاذ اجراءات فعلية لتنفيذ التوافق والتصدي لتحديات تمويل التنمية بروح من الشراكة والتضامن العالميين مع التعهد من جديد بالقضاء على الفقر وتحقيق النمو الاقتصادي المطرد وتعزيز التنمية المستدامة والمضي قدما على طريق إقامة نظام اقتصادي عالمي يتسم بالعدل والشمول الكاملين.

وأقر المشاركون أن السياق الاقتصادي شهد تغيرات عميقة منذ مؤتمر مونتيري وتم إحراز تقدم في بعض المجالات، ولكن نطاق عدم المساواة اتسع.. وأكدوا مواصلة مسيرة تشجيع النمو الشامل والقضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة وأن الملكية والريادة الوطنيتين للاستراتيجيات الإنمائية والحوكمة الرشيدة مهمتان لفعالية تعبئة الموارد المحلية وحفز النمو الاقتصادي، كما أقروا بدور القطاع الخاص في هذا الصدد، ورحبوا في الوقت ذاته بالزيادة الكبيرة منذ مؤتمر مونتيري عام 2002 بالتدفقات العامة والخاصة مما أسهم برفع معدلات النمو الاقتصادي في معظم البلدان النامية وانخفاض معدلات الفقر في العالم.. لكنهم أعربوا عن قلقهم العميق من أن المجتمع الدولي يواجه تحديا يتمثل في الأثر البالغ على التنمية الناجم عن الأزمات والتحديات العالمية المتعددة والمترابطة، كما دعا البيان الختامي الدول المانحة إلى توفير المساعدات وتوفير الاستثمار الأجنبي وضخه إلى قطاعات معنية بالتنمية والحد من الفقر وخلق فرص العمل.

أما المؤتمر الدولي الثالث لتمويل التنمية فقد انعقد في أديس أبابا بإثيوبيا عام 2015، والذي أنتج “برنامج عمل أديس أبابا” الذي يعتبر خارطة طريق شاملة لتمويل التنمية المستدامة، وقد وضع هذا البرنامج إطارا متكاملا يربط بين مختلف مصادر التمويل ويهدف إلى دعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدت في نفس العام.

ويحتل موضوع التنمية الريفية والزراعية أيضا، مكانة مركزية في أجندة مؤتمر إشبيلية، باعتباره استثمارا استراتيجيا للقضاء على الفقر والجوع، وتحقيق السلام العالمي، وضمان كوكب صالح للعيش للأجيال القادمة، ويوضح الصندوق الدولي للتنمية الزراعية أنه يمكن لكل دولار مستثمر في الزراعة المستدامة أن يحقق عائدات تصل إلى 16 دولارا، في حين أن تحويل النظم الغذائية يمكن أن يفتح المجال أمام فرص تجارية تصل قيمتها إلى 4.5 تريليون دولار أمريكي سنويا ويوفر ملايين فرص العمل في المناطق الريفية. 

وسيسلط الصندوق خلال مؤتمر إشبيلية الأضواء على حلقة مفقودة أساسية، وهي: تعزيز التعاون بين المؤسسات المالية الدولية، والمصارف الوطنية للتنمية من أجل دفع الاستثمار في الزراعة والتحول الريفي، مع التركيز على الدور الذي يمكن أن تضطلع به هذه الشراكات في توفير تمويل طويل الأجل ومنخفض التكلفة لتحقيق الأولويات على الصعيد الوطني.

ومن أبرز التحديات التي يسعى مؤتمر إشبيلية لمعالجتها، أزمة الديون الخانقة التي تعاني منها البلدان النامية، حيث يعيش 3.3 مليار شخص في دول تنفق على سداد ديونها أكثر مما تنفق على الصحة أو التعليم، كما تواجه هذه البلدان تكاليف اقتراض مرتفعة قد تصل إلى ضعفي أو أربعة أضعاف نظيراتها في الدول المتقدمة، مما يخلق حلقة مفرغة تعيق التنمية المستدامة.

ووفق تقارير دولية، فإن عدم وجود تمويل كاف ومستمر هو أحد الأسباب الرئيسية للتخلف عن الركب على طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول العام 2023، وتقول إن العالم يحتاج إلى 4 تريليونات دولار إضافية سنويا لمواجهة بعض أكبر التحديات العالمية، وهي القضاء على الفقر والجوع، ومكافحة تغير المناخ، والحد من عدم المساواة.

وتضيف أن حوالي 600 مليون شخص قد يظلون في فقر مدقع بحلول العام 2030 إذا لم يتغير مسار تمويل التنمية الحالي، وسيستغرق الأمر عقودا طويلة أخرى لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، علاوة على ذلك، سيظل مليارات الأشخاص يعيشون في دول تعطي الأولوية لسداد الديون على التنمية، وهذا يعني أموالا أقل للمدارس والمستشفيات والمياه النظيفة والوظائف، وهي الأساسيات التي يحتاجها الناس للازدهار.

وقبيل انطلاق مؤتمر إشبيلية أكد أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة أن العودة إلى مسار القضاء على الفقر والجوع وعدم المساواة تتطلب “أفكارا عظيمة” و”إصلاحات طموحة”، وقال إن مؤتمر إشبيلية فرصة فريدة لإصلاح نظام مالي دولي عفا عليه الزمن، وغير فعال، وغير عادل”. وستتوج أعمال القمة بإطلاق وثيقة سياسية يطلق عليها “التزام إشبيلية”، التي جرى اعتمادها في نيويورك بتاريخ 17 يونيو الحالي، وتشكل خارطة الطريق الدولية لتمويل التنمية العالمية. 

ومن أبرز عناصر هذا الالتزام التركيز على معالجة أزمة الديون في البلدان النامية من خلال زيادة الشفافية وإنشاء سجل عالمي للديون، سيساعد في تحسين إدارة الديون ومنع تراكمها إلى مستويات غير مستدامة، كما سيعزز قدرة البلدان المدينة على التفاوض مع الدائنين من موقع أقوى، كما يهدف الالتزام أيضا إلى تضخيم أصوات الدول التي ترزح تحت وطأة الديون في عمليات صنع القرار المالي الدولي.

ويعتقد المحللون أن النجاح في تحقيق أهداف مؤتمر إشبيلية قد يحدد مصير مئات الملايين من البشر الذين يعيشون في فقر مدقع، ويؤثر على قدرة العالم على مواجهة التحديات الكبرى مثل تغير المناخ وعدم المساواة.

ويضيف المحللون أن هذا النجاح يتطلب التزاما مستمرا من جميع أصحاب المصلحة والاستعداد للتكيف مع التحديات والفرص الناشئة، ويؤكدون أن المؤتمر يمثل بداية رحلة طويلة نحو تحويل النظام المالي الدولي وجعله أداة فعالة لتحقيق التنمية المستدامة، كما أن هذا التحويل يتطلب صبرا ومثابرة والاستعداد للتعلم من التجارب والأخطاء، لكن الجوائز المحتملة لهذا التحول، ستتمثل في عالم خال من الفقر المدقع والجوع، ومستقبل مستدام للأجيال القادمة.

شاركها.
Exit mobile version