تتنوّع مساحات العرض بين قديم وحديث ومعاصر، فتمنح التجارب الفنّية المُشاركة في الدورة الـ16 من بينالي الشارقة أطراً وسياقات تُجمِّل المُشاهدة. بين المجموعة المُختارة، ثيمات آتية من الأقاصي؛ من عادات أخرى وثقافات مُتباعدة. طرقُ التعبير المُغايرة تعمِّق الفضول لفَهْمها وتأمُّل أدواتها، لغوصٍ أبعد في الإنسان وهواجسه وقراءته للعالم. بين أعمالٍ؛ نماذج أدناه، يُقدّمها فنانون يُذلّل الفنّ الشعور بتضاؤل القواسم المشتركة أو بأنهم «غرباء» عنا. تحضُر إشكاليات البقاء والفناء بشكلها الفرديّ المتعلّق بالكائن الحيّ، والأشمل المتعلّق بمصير الكوكب والبشرية، فيبلغ البينالي مقصده بتحقُّق اللمَّة الإنسانية حول ما يجمع.

ملامح مُرتبكة تتّشح بالغموض والصلابة معاً (الشرق الأوسط)

يبرُز بورتريه من ملامح مُرتبكة، تتّشح بالغموض والصلابة معاً، للفنانة والمصوِّرة النيوزيلندية فيونا باردينغتون، المُنتمية إلى أصول قبلية مختلطة وأخرى غير ماورية. فمشروعها «وطأة أشعة الشمس المُتهاوية»، يتناول وجوهاً في قوالب صنعها العالِم بفراسة الدماغ بيار ماري دوموتييه، خلال رحلة استكشافية (1837 – 1840) قادها المُستكشف الفرنسي دومون دورفيل إلى أوتياروا بنيوزيلندا. تصف باردينغتون هذه القوالب بأنها شكل من أشكال فنّ البورتريه السابق للفوتوغراف، مُستلهمةً مفهوم «آهوا» الماوري الجامع بين المظهر الخارجي والشخصية الداخلية. أعمالٌ فنّية تعكس الاعتقاد الماوري العميق بأنّ الفرد يحمل إرث أجداده أينما ذهب.

عمل «شعب المدّ المقدّس» عماده النار (الشرق الأوسط)

ويستعيد خورخي غونزاليس سانتوس معارف الأسلاف المتجذِّرة بالثقافة المادية وأنظمة القيم والبيئات الطبيعية لشعب التاينو الأصلي في أرخبيل بورتوريكو، اعتماداً على تعليمه الذاتي وتتلمذه على حرفيين. فعمل «شعب المدّ المقدّس»، يُشكّل تفاعلات ومنهجيات تعاونية عمادها النار. فهي سبيل استدامة هذا الفضاء؛ واستخدامها في إشعال موقد يحيل على شمعة تشاركية وإنتاج أوانٍ خزفية. يصنع غونزاليس سانتوس أشكالاً تتخطّى الأشكال البشرية إلى المقدّسة ربما، عبر حرق الطين المحلّي في فرن مكشوف خلال كسوف الشمس، ويستكشف تقنيات النسّاجين المهرة في تقليد بوركوا سول-لاس، مُتّخذاً دعامة مركزية مصنوعة من حُصر منسوجة وسرير من الأشواك الخزفية؛ مما يعكس أساليب الصمود والبقاء في المناطق المائية الخصبة أو الصحراء. يخلق هذا المشروع تضاريس تجمع بين دورات الطبيعة والطقوس واستعادة التقاليد الأصلية.

إعادة تشكيل الصور النمطية والثقافات الفردية (الشرق الأوسط)

ثمة نيات راسخة تنسج خيوط ذاكرة الأرض؛ فتنبع من أعماق التربة حيث نقف فسحات الشوق والتعلُّم والرعاية. ومع تعاقُب الزمن، يتردّد صدى الأصوات، مُستدعياً أسراراً عظيمة تُشكّل هويتنا، لتتحوّل قوّة هادفة وجليّة.

نجدنا نصغي إلى أصوات مهيبة، وربما مثيرة للاضطراب، لكنها تحمل في طيّاتها طمأنينة تُعيد الثقة، تماماً مثل النهر وهو يستعيد مجراه العادل. ما مصير تلك اللحظات المعلَّقة التي تبثّ الطمأنينة وتُخفّف وطأة القلق؟ نؤمن بأنها ستغذّي العلاقات المُتبادلة في التعليم الجماعي وروح الرعاية المشتركة. فالاعتراف بالروابط العاطفية يُمثّل حاضراً مُشرقاً في أوقات توحي بوجود هوّة لا يمكن تصوّرها.

وفي عمله «هدف»، المصنوع من البلاستيك والفولاذ المطليّ بالبودرة، مع شَعر صناعي ولوحة خلفية وطوق كرة سلة، يتبع الفنان هيو هايدن نهجاً كيميائياً وتخريبياً يمزج بين التاريخ الاجتماعي والعالم الطبيعي. ومن خلال أساليب تجسيدية ساخرة وعاطفية، يُعيد تشكيل الصور النمطية والثقافات الفردية، داعياً المشاهدين إلى استكشاف أعماله بكونها مواقع للفرح والمقاومة والحميمية وإحياء الذكرى.

وتستوقف الممارسة الفنّية لليو تشوانغ التي تجمع بين الأفلام والأعمال التركيبية والنحتية الجاهزة، المتغيرات السريعة التي شكّلت المجتمع العالمي، مع التركيز على الصين المعاصرة. ففيلمه «بحيرة الليثيوم وجزيرة بوليفوني 2»، يعرضُ الأرض من منظور أنثروبولوجي فضائي يأخذ هيئة الإنسان «سوفون»؛ وهو الكمبيوتر الخارق في ثلاثية الخيال العلمي «مسألة الأجسام الثلاثة» للكاتب ليو تسي شين؛ حيث يتساءل الراوي: «الصمت يسود الأرض، فلماذا يغنّي البشر؟». يؤرّخ الفيلم التاريخ المتشابك للغناء البوليفوني واستخراج المعادن، والتطوّرات التكنولوجية، متنقّلاً بين القارات والعصور.

الإبداع الفنّي ليس مجرّد إنتاج للأشياء وإنما جزء من طقس (الشرق الأوسط)

بانتمائها إلى عائلة نبيلة بارزة من مجتمع باريدريان ضمن شعب بايوان في جنوب تايوان، طوَّرت الفنانة ألوائي كاوماكان مبادرات لتنظيم أنشطة جماعية بعد تعرُّض قريتها لأضرار هائلة جرّاء إعصار. فمن خلال ورشات النسيج، أعادت ربط النساء النازحات بمجتمعها، ليعكس التماهي بالتراث ممارساتها التي تقترح أنّ الإبداع الفنّي ليس مجرّد إنتاج للأشياء، وإنما جزء من طقس، ووسيلة للتواصل مع الأجداد. عملها «كروم في الجبل» يلتقط روح التعاضد بُعيد الدمار والفقدان، مُجسَّدةً بالنسيج المجدول بأشكال تجريدية وخيوط زاهية تُشرق بالألوان.

منحوتات ترمز إلى التعافي والإصلاح (الشرق الأوسط)

منحوتات تحمل علامات الزمن العميق (الشرق الأوسط)

وتتمحور ممارسة الفنان موريس فويت حول مَشاهد وأشكال من الذاكرة الثقافية والتقاليد الحيّة في كينيا. ببحثه عن الأصوات والأشكال الناشئة من الخشب المحلّي، ترمز منحوتاته إلى التعافي والإصلاح، وتحمل علامات الزمن العميق في خطوط الطبيعة وأطوارها وألوانها وكثافتها، على نحو من التواصل مع النُّظم البيئية المتعدّدة التي تسكن سطح الخشب. تظهر لحظات الاحتفاء والروابط بين الأجيال عبر سلسلة منحوتات نفَّذ كلاً منها باستخدام جذع شجرة وحيد، في حين تُبيّن أعمالٌ أخرى له، المخلوقات بوصفها شخصيات مُركَّبة مُستمَّدة من الرموز والتجارب الجماعية للشعوب الأصلية، لتندمج دورتا التحلُّل والولادة، بصَمْتها حيناً وغنائها أحياناً أخرى.

عمل يقف شاهداً على التأثيرات المروّعة للتاريخ النووي الأسترالي (الشرق الأوسط)

وبتطبيقها حرارة مرتفعة ونفخات مكثَّفة على الصوّان أو الرمل، نفَّذت الفنانة يوني سكارس المتحدّرة من الشعوب الأسترالية الأصلية، عملها التركيبي «عملية بوفالو» الذي يقف شاهداً على التأثيرات المروّعة للتاريخ النووي الأسترالي. مُتميّزاً بجماله ومأساويته في آن، يُحيي العمل ذكرى السلسلة الأولى من التجارب النووية التي أُجريت في صحراء مارالينغا بجنوب أستراليا عام 1956، فتستخدم سكارس جاذبية العناصر المادية للزجاج لتأكيد الظلم والدمار اللذَيْن لحقا بالأرض والبشر. يتّسم التركيب بالقوة والعزم والطابع السياسي، ولا يسعى إلى استحضار هذا التاريخ الرهيب والتجربة المريرة فحسب، وإنما يحتفي أيضاً ببقاء عائلة الفنانة وصمودها، بعد تعرّضها للتهاطل الإشعاعي جرّاء التجارب، مما خلَّف أمراضاً وعجَّل حلول الموت المبكر.

“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}

شاركها.
Exit mobile version