شعار اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر
الدوحة – قنا
تحتفل الأسرة الدولية في الثلاثين من شهر يوليو كل عام باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، وهي مناسبة تهدف إلى التركيز وإذكاء الوعي العام بمخاطر الاتجار بالبشر، وبمعاناة الضحايا، وتعزيز وحماية حقوقهم، وزيادة الوعي بأبعاد المشكلة، وتسليط الضوء على أهمية الوقاية، والتعرف على الضحايا، ودعمهم، ومساعدتهم على التعافي وإعادة بناء حياتهم، وتعزيز الجهود لمنع الاتجار بالبشر ومعالجة أسبابه الجذرية، وتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود.
كما يهدف الاحتفال إلى لفت الانتباه بضرورة الملاحقة القضائية ومكافحة إفلات المتاجرين بالبشر من العقاب، من خلال تعزيز التعاون الدولي، وتفعيل القوانين والتشريعات الخاصة بالمكافحة، وحشد الجهود من أجل القضاء على هذه الجريمة التي تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، تولي دولة قطر أهمية قصوى، وتبذل جهودا كبيرة لمكافحة الاتجار بالبشر، حيث قامت بتطوير إطار قانوني وتشريعي، وتعزيز منظومة الحماية للضحايا، وأصدرت العديد من القوانين والتشريعات التي تجرّم أشكال الاتجار المختلفة، مع توفير الحماية للضحايا، بالإضافة إلى جهود الوقاية والتوعية، وانضمام الدولة إلى العديد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة.
ويمثل إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر دليلا واضحا وأكيدا على الجهود المقدرة التي تقوم بها دولة قطر في مكافحة الاتجار بالبشر بكافة صوره وأشكاله، ويجسد كذلك التزام قطر الثابت والأكيد بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر عبر منظومة تشريعية متكاملة.
وفي إطار هذه الجهود التي تحظى بترحيب إقليمي ودولي واسع، أطلقت وزارة العمل ممثلة باللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في مارس الماضي، الخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر 2024 – 2026، بهدف توحيد الجهود الوطنية في المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر بكافة أنواعها وأشكالها والتصدي لها، واستحداث الآليات الكفيلة للقضاء عليها حال ظهور مؤشرات تدل على وجودها، إضافة إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الاتجار بالبشر ومقاضاة مرتكبي الجريمة، وتوفير الحماية للضحايا، ووضع أسس التعاون الوطني والإقليمي والدولي بهذا الخصوص.
وجاء إطلاق الخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر ضمن جهود دولة قطر المتواصلة والمستمرة لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، انطلاقا من التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية والدستور والقوانين التي تحرم كل أشكال الامتهان لكرامة الإنسان، وتؤكد على احترامه وحفظ حقوقه.
وفي هذا الصدد أكدت السيدة سارة عبدالله السعدي، نائب رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، في حوار خاص أجرته معها وكالة الأنباء القطرية /قنا/ في وقت سابق، أن اهتمام دولة قطر بمكافحة الاتجار بالبشر ينطلق من ثوابت دينية وقيم إنسانية راسخة، تحفظ كرامة الإنسان وترفض استغلاله بأي شكل من الأشكال.
ونوهت السيدة السعدي إلى أن التزام دولة قطر بمكافحة الاتجار بالبشر يتماشى مع رؤيتها الوطنية 2030، التي تهدف إلى بناء مجتمع عادل وآمن، يحترم حقوق الإنسان، ويكافح جميع أشكال الاستغلال، مشيرة إلى أن هذه الجهود تستند إلى تعاليم الدين الإسلامي التي تحرّم الظلم والاستعباد، وإلى التزامات قطر الدولية في هذا المجال.
وقالت إن الخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر هدفها ترسيخ نهج وطني متكامل وشامل لمكافحة هذه الجريمة، من خلال تعزيز الوقاية والحماية والملاحقة القضائية، إلى جانب تطوير الشراكات المحلية والدولية، مضيفة أن الخطة تقوم على خمس ركائز رئيسية هي: الوقاية من جريمة الاتجار بالبشر، وحماية ودعم الضحايا، وإنفاذ القانون وملاحقة الجناة، وبناء القدرات والتدريب، والتعاون الوطني والدولي، وتمتد حتى العام 2026، بما يضمن استدامة الجهود الوطنية واستجابتها للمتغيرات الإقليمية والدولية.
ومن بين المبادئ الأساسية للخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، تجريم جميع صور الاتجار بالبشر حسب ما ورد في المادة (2) من القانون رقم (15) لسنة 2011، المعدل بالقانون رقم (5) لسنة 2020، والتفرقة في الاصطلاح والمفهوم بين الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، واعتبار الشخص المتاجر به ضحية يتمتع بالحقوق الإنسانية الواردة بالقانون، وأن العقوبة تتناسب مع الفعل الإجرامي، وتشديدها في الحالات التي تستوجب التشديد.
وتولي الخطة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر أهمية كبيرة لبناء وتطوير القدرات الوطنية، من خلال برامج تدريبية متخصصة تستهدف موظفي إنفاذ القانون، والقضاة، والعاملين في القطاعات الصحية والاجتماعية ذات الصلة. كما أنها تشمل إنشاء قاعدة بيانات وطنية وتطوير نظام الإحالة الوطني، بالإضافة إلى دعم البحث العلمي في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، بما يعزز كفاءة الأداء المؤسسي ويضمن استدامة الجهود الوطنية.
وقد دأبت اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر على الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر لإبراز دعم دولة قطر لجهود المجتمع الدولي وتضامنها مع الأسرة الدولية في التصدي لهذه الظاهرة، لتعزيز وحماية حقوق النساء والأطفال والعمال وجميع فئات المجتمع، وتأكيد تضامن الدولة مع الأسرة الدولية في مجال المكافحة.
وفي هذا الإطار ثمن العديد من المهتمين والمتابعين على المستويين المحلي والإقليمي والدولي الجهود التي تبذلها دولة قطر لمكافحة الاتجار بالبشر، ونوهوا بالإجراءات والتدابير العديدة والمتميزة التي اتخذتها دولة قطر بهذا الخصوص، في سبيل توفير بيئة عمل آمنة للعمال الذين يتمتعون بمجموعة واسعة ومتكاملة من الحقوق والامتيازات التي تكفل لهم العمل اللائق والعيش بأمان في البلاد.
كما أشادوا بتطور الإطار التشريعي، والبرامج الوقائية، ومبادرات التدريب وبناء القدرات التي تم اتخاذها بهذا الخصوص، بالإضافة إلى التزام الدولة بتعزيز التعاون الدولي في هذا الملف الحيوي.
وثمنوا أيضا الجهود المقدرة واللافتة التي تقوم بها وزارة العمل، ممثلة باللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر وتعاونها المثمر وشراكاتها البناءة في مكافحة هذه الظاهرة العالمية، من خلال الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة مع الكثير من الدول والجهات والمنظمات المعنية بالمكافحة، ما يعكس حرص الدولة على القضاء على الاتجار بالأشخاص، ويوضح بجلاء الخطوات السليمة لمواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر.
وعلى صعيد نفسه، يأتي إنشاء “دار الرعاية الإنسانية” التي دشنتها اللجنة من قبل، في إطار حرص دولة قطر على مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، وسن القوانين ووضع آليات التنفيذ بمنتهى الحسم والسرعة، بتقديم المساعدة والحماية المطلوبة لضحايا الاتجار بالبشر، والعمل على إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع.
كما تهدف الدار إلى توفير الحماية والرعاية الاجتماعية لفئة العمال ممن هم بحاجة إليها وفقا للشروط واللوائح، والتوعية بأهمية رعاية حقوق النزيل في الدار، وكلها أمور من ركائز التنمية الاجتماعية ضمن رؤية قطر الوطنية 2030، التي تؤكد أهمية نشر قيم العدل والمساواة بين فئات المجتمع المختلفة، بينما يضمن تحقيق السلم والاندماج الاجتماعي وتقبل الآخر والاحترام المتبادل لجميع أطياف وفئات المجتمع.
جدير بالذكر أن وزارة العمل، ممثلة باللجنة الوطنية لمكافحة للاتجار بالبشر، وبالتنسيق مع الأمانة العامة الدائمة للمنتدى الحكومي لمكافحة الاتجار بالأشخاص في منطقة الشرق الأوسط، قد نظمت في مايو عام 2023 فعاليات المنتدى الحكومي لمكافحة الاتجار بالأشخاص في الشرق الأوسط.
وناقش المشاركون التحديات والتطورات وآخر المستجدات حول آليات مكافحة الاتجار بالبشر في دول الشرق الأوسط، إضافة إلى تبادل الخبرات وأفضل الممارسات ذات العلاقة، وكيفية تعزيز وتنمية قدرات العاملين في مجال مكافحة الاتجار بالبشر.
ويجمع العالم على أن ظاهرة الاتجار بالبشر تعد من الظواهر التي تشكل انتهاكا جسيما للحقوق الأساسية للإنسان في الحرية والأمن والكرامة الشخصية، وتتنافى مع مبادئ وأحكام الأديان السماوية ومع القيم الإنسانية، وهو ما أدى بالضرورة إلى تزايد الاهتمام بمكافحتها والتصدي لها على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية، لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
ولا شك أن الاهتمام العالمي بضرورة تكثيف التعاون الدولي لمكافحة هذه الظاهرة يرجع إلى ارتباطها بالعديد من الجرائم المتنوعة، وكونها تتم من خلال شبكات من المجرمين تتأثر بها أعداد ضخمة ومتزايدة من البشر الذين يجري استغلالهم داخل وعبر الحدود الوطنية للدول بوسائل وطرق شتى، سواء باستخدام العنف والإكراه أو بالخداع والتحايل والتضليل.
ولذلك فإن التكاتف من أجل مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر لن يتحقق إلا من خلال شراكات دولية فاعلة، وقوانين وتشريعات حاسمة وصارمة، تعالج الأسباب الحقيقية المؤدية إلى هذه الظاهرة، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو السياسية أو الأيدلوجية وغيرها.
وفي هذا الإطار فإن الإنجازات التي حققتها دولة قطر وتبنيها العديد من التدابير والإجراءات ذات الصلة ساهمت وتساهم في توفير بيئة عمل آمنة تستطيع أن تفخر بها أمام العالم كله، ما جعلها شريكا فاعلا ومتميزا في مكافحة الاتجار بالبشر وهي ظاهرة معقدة، لا تعرف حدودا ولا جنسية بعينها.
يشار إلى أن احتفال اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2013 يجسد إيمان دولة قطر، وهي واحدة من الدول التي تستقبل سنويا أعدادا كبيرة من القوى العاملة الوافدة، بحقوق الإنسان وسعيها الحثيث لتوفير المناخ الآمن والحياة الكريمة لكل من يعيشون على أرضها، كما أن إدراج قطر في التقارير الدولية ضمن فئات الدول التي تبذل جهودا ملموسة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، والتي تعد من الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان، يعكس الاعتراف الدولي بما حققته الدولة من إنجازات في هذا السياق.