وصل لويس دي لا فوينتي إلى القيادة الفنية لمنتخب إسبانيا وسط الكثير من الشكوك في قدراته وخبراته، لكنه أسكت منتقديه بالتتويج بدوري الأمم الأوروبية ومنح بلاده أول لقب دولي خلال أكثر من عقد عقب الفوز الشاق بركلات الترجيح 5-4 على كرواتيا في النهائي.

وهو اللقب الأول لإسبانيا منذ تتويجها بطلة لأوروبا عام 2012 بفوزها على إيطاليا في حقبة ذهبية شهدت تتويجها أيضاً بالبطولة القارية عام 2008 وكأس العالم 2010. وعوضت إسبانيا بالتالي خروجها من دور المجموعات في مونديال قطر، ما أدى إلى إقالة مدربها لويس إنريكي، وقد استُبدل به دي لا فوينتي، الذي لا يتمتع بشهرة كبيرة مثل أقرانه مدربي الأندية الإسبانية، وخبرته تنحصر في نجاحاته مع منتخبات الشباب والناشئين.

دي لا فوينتي بات يحلم ببداية عصر ذهبي جديد لمنتخب إسبانيا (أ.ب)

ومنح هذا التتويج دفعة معنوية لدي لا فوينتي نفسه الذي كان تحت ضغط عقب خسارة مباراته الثانية أمام أسكوتلندا 2-صفر في تصفيات بطولة أوروبا 2024 في مارس (آذار) الماضي، وبات بإمكانه التحدث عن خططه المستقبلية لبناء جيل جديد لمنتخب إسبانيا، قائلاً: «أعرف هذا الجيل من اللاعبين جيداً، أشرفت على معظم منتخبات الشباب، وأدرك أنهم يمتلكون القوة والمهارة والرغبة في القتال دون استسلام، فازوا بالكثير ويمكنهم المواصلة، أعتقد أن القدرة التنافسية تعود، ويمكننا التطلع للفوز بالمزيد».

ويشعر دي لا فوينتي بأن هذا التتويج سيكون بمثابة بدء مرحلة جديدة تعيد لإسبانيا البريق بعد أن ودعت مونديال قطر من دور الثمانية بالخسارة أمام المغرب.

وبقيادة أفضل لاعبيها رودري، تريد إسبانيا أن ترى فوزها بلقب النسخة الثالثة لمسابقة دوري الأمم مقدمة لعصر ذهبي جديد خصوصاً مع الفتى المتألق جافي، وحارس المرمى أوناي سيمون، وقطبي الدفاع «من أصل فرنسي» إيمريك لابورت وروبان لو نورمان.

وقال القائد الجديد رودري، الذي فاز بكل شيء هذا الموسم مع مانشستر سيتي الإنجليزي وبدوري الأمم مع منتخب بلاده: «هذا الجيل يعد بالكثير».

ويعد رودري البالغ من العمر 28 عاماً وصاحب هدف الفوز الوحيد في المباراة النهائية لمسابقة دوري أبطال أوروبا ضد إنتر ميلان الإيطالي (1-0)، نجم هذا المنتخب الإسباني. سرق رودري أنظار المتابعين في نهاية هذا الموسم الشاق حيث خاض 66 مباراة، محققاً ثلاثية تاريخية مع مانشستر سيتي (الدوري وكأس إنجلترا ودوري أبطال أوروبا)، وقاد إسبانيا إلى الفوز على كرواتيا لوكا مودريتش 5-4 بركلات الترجيح (الوقتان الأصلي والإضافي 0 – 0) أحد منافسيه على لقب أفضل لاعب خط وسط في العالم.

ونجح القائد الجديد في غرس عقلية الفوز في المجموعة، وقال بعد المباراة النهائية في روتردام: «كنا أقوياء من الناحية الذهنية، نتمنى أن نواصل زرع ثقافة الفوز في التشكيلة الشابة» مثلما حدث بين عامي 2008 و2012 عندما فازت إسبانيا بلقبين في كأس أوروبا ولقبها التاريخي بكأس العالم 2010.

وعندما جرى التحدث معه عن الكرة الذهبية، أجاب قائلاً: «بالطبع ستكون هدية ضخمة، لكني لا أفكر كثيراً في الجوائز الفردية، أفكر بشكل جماعي، الفوز كفريق، وقد أثبتنا ذلك مع إسبانيا».

وتبرز المعجزة الحقيقية لمنتخب إسبانيا في لاعب وسط برشلونة جافي، البالغ من العمر 18 عاماً، بموهبته الكروية ولعبه القتالي. وعنه يقول المدرب دي لا فوينتي: «أفضّله صانع ألعاب. إنه قناص دؤوب للكرات، من الصعب العثور على جافي يلعب بشكل سيئ أينما كان. إنه يمثل الحاضر والمستقبل».

لم يتوقف جافي عن لفت الانتباه والإعجاب منذ أن استدعاه المدرب السابق لويس إنريكي أول مرة لخوض النسخة الثانية من دوري الأمم، في سن 17 عاماً فقط، في وقت كان سجله مع النادي الكتالوني ست مباريات فقط.

ووضع إنريكي (المرشح لقيادة باريس سان جيرمان الفرنسي الموسم المقبل خلفاً لكريستوف غالتييه) ثقته في جفي، وكان عنصراً أساسياً في تشكيلته، حيث لعب 21 مباراة دولية سجل خلالها ثلاثة أهداف.

وفي منتخب شاب أكد أيضاً أوناي سيمون أحقيته بحراسة عرين «الماتادور الإسباني» ولا شيء أفضل من التألق في سلسلة ركلات الترجيح بالنسبة لحارس مرمى عرف كيف يفرض أحقيته بمركزه.

وبعد سلسلة الدوحة الكارثية ضد المغرب في ثمن النهائي (0-3 بركلات الترجيح، الوقتان الأصلي والإضافي 0-0)، وبعد الفشل في نصف نهائي كأس أوروبا 2020 (أقيمت عام 2021 بسبب فيروس «كوفيد – 19») أمام إيطاليا (2-4، الوقتان الأصلي والإضافي 1-1)، خرج أوناي سيمون أخيراً منتصراً من خلال سلسلة الركلات الترجيحية أمام كرواتيا، حيث تصدى لمحاولتي لوفرو ماير وبرونو بيتكوفيتش.

وأقنع حارس مرمى أتلتيك بلباو الجميع بأحقيته بالدفاع عن عرين المنتخب الإسباني بعدما أجبرته الإصابة على التخلي عنه في مارس الماضي لصالح حارس مرمى تشيلسي الإنجليزي كيبا أريسابالاغا.

هنا أيضاً يتعلّق الأمر باختيار المدرب السابق إنريكي، الذي كان يرغب بالتأكيد في اللاعب الـ11 في أرضية الملعب، حارس مرمى قادراً على اللعب بقدميه. وأشاد به دي لا فوينتي، قائلاً: «والآن هو أيضاً ينقذ ركلات الترجيح، إنه حارس مرمى رائع».

ومن حق إسبانيا أن تشعر بالأمان في وجود قطبي الدفاع، من أصل فرنسي، (لابورت ولو نورمان). إذا كان الأول جزءاً من الركائز الأساسية (22 مباراة دولية، هدف واحد)، في بطولته الثالثة كأساسي مع المنتخب، فإن الوافد الجديد لو نورمان توج بلقب في ثاني مباراة دولية فقط مع إسبانيا.

صحيح أن لابورت أهدر ركلته الترجيحية عندما سدّدها في العارضة، لكنه قاد دفاعه بثقة وقوة، فيما أظهر لو نورمان الكثير من الجرأة بالنسبة للاعب مبتدئ دولياً. وقال لو نورمان: «لقد كانت عشرة أيام رائعة»؛ في إشارة إلى الأيام التي أمضاها مع إسبانيا في معسكرها الهولندي لخوض مباراتي نصف النهائي والنهائي.

وأضاف: «في الأيام القليلة المقبلة سأفكر فيما جرى إنجازه، والمباريات التي عشتها، وما فعلته مع هذا المنتخب… إنه جميل، الآن سأستمتع به».

وفي المقابل، فشل الجيل الذهبي في المنتخب الكرواتي في التتويج بأي لقب بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من ذلك في البطولات الكبرى في السنوات الأخيرة، حيث خسر نهائي مونديال روسيا عام 2018 أمام فرنسا 2–4، واكتفى بالمركز الثالث في مونديال قطر أواخر العام الماضي، وأخيراً دوري الأمم.

لكن المدرب زلاتكو داليتش يرى أن منتخب بلاده يمكن أن يفخر بحصوله على ميدالية جديدة رغم الخسارة المؤلمة بركلات الترجيح في مناسبة قد تكون الأخيرة لكثير من لاعبيه المخضرمين، وقال: «لدينا ميداليات، واحدة بعد أخرى، وهذا إنجاز هائل حقاً، من الرائع تحقيق كرواتيا ثلاث ميداليات، وهذا يظهر امتلاكنا قدرات كبيرة، نحن محبطون بسبب الخسارة، لكن يجب أن نفخر بما فعلناه».

وأشار داليتش إلى أن مستقبل القائد لوكا مودريتش لا يزال غامضاً بعد أداء باهر جديد للاعب وسط ريال مدريد البالغ 37 عاماً.

وتابع: «لوكا قال إنه سيتخذ قراره بعد البطولة وهذا عادل. لعب بشكل رائع، نحب أن يستمر، إنه لاعب عظيم وأتمنى أن يبقى معنا وقتاً طويلاً».

ورفض مودريتش الإفصاح عن قراره وقال: «اتخذت قراري بشأن مستقبلي، ولكن في الوقت الحالي لن أقول أي شيء بشأن هذا».

شاركها.
Exit mobile version