قالت المخرجة التونسية آمال القلاتي إن فيلمها «وين ياخذنا الريح» ولد من رغبتها في رواية قصة عن الصداقة بين رجل وامرأة، كلاهما منجذب للحياة، ولكن العلاقة بينهما لا تتحول إلى حب، مضيفة أن هذا النوع من الصداقة كان دائماً جزءاً من حياتها، ومنحها الكثير لكنها نادراً ما تراه ممثلاً في السينما.

وأضافت القلاتي لـ«الشرق الأوسط» أنها أرادت أيضاً أن تصنع فيلماً مشرقاً ومفعماً بالضوء يتناول مواقف ومشاعر معقدة، مشيرة إلى أن الدافع الأساسي كان الرغبة في التقاط لحظة عابرة من الشباب، تلك المرحلة الهشة قبل النضج الكامل، من دون أن تغيب عن بالها الصعوبات والضغوط الاجتماعية التي ترافق هذه السن في تونس، مع رغبتها في الحديث عن الشباب ومشكلاتهم الاجتماعية مع الحفاظ على روح وخفة تلك المرحلة.

وأكدت القلاتي أن اختيارها لصيغة «فيلم الطريق» جاء لأنها تتيح بناء قصة متطورة تساعد الشخصيات على النمو من خلال تجاربها، مشيرة إلى أن عبور تونس بالسيارة يشكل عبوراً رمزياً أيضاً، ليس فقط عبر المناظر الطبيعية، بل عبر العوالم الداخلية للشخصيات وعلاقتهما ببعضهما بعضاً، فكل محطة وكل عقبة ولقاء على الطريق يمثل خطوة نحو النضج والاكتشاف وفهم الذات ومواجهة المخاوف والهشاشة.

المخرجة التونسية آمال القلاتي (الشرق الأوسط)

تدور أحداث الفيلم الذي يعرض للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط ضمن فعاليات مهرجان «الجونة السينمائي» بنسخته الثامنة حول «عليسة» – المتمردة – التي تقوم بدورها إيا بلاغة، ذات التسعة عشر عاماً، و«مهدي» الذي يقوم بدوره سليم بفار – الشاب الخجول-، ذو الثلاثة والعشرين عاماً، حيث يستعين الثنائي بخيالهما للهروب من واقعهما، وعندما يكتشفان مسابقة تتيح لهما فرصة للهروب، ينطلقان في رحلة طريق إلى جنوب تونس، متجاوزين العقبات التي تعترض طريقهما.

وأوضحت المخرجة التونسية أن الرحلة في الفيلم هي بالأساس استعارة للهروب، فهي تتيح للشخصيتين الهرب من واقعهما، جسدياً وعبر الخيال أيضاً، موضحة أن مشكلة الشباب في تونس تكمن في الرغبة العامة في الهجرة، فالإحباط منتشر بين الشباب من مختلف الطبقات، والهجرة إلى أوروبا ينظر إليها كحل وحيد، كما هو الحال بالنسبة لبطلتها «عليسة»، لكنها أكدت في المقابل أنها كمخرجة لا تتبنى هذه النظرة، بل تؤمن بأن الشباب أنفسهم يحملون الأمل في مستقبل أفضل لتونس.

يعرض الفيلم للمرة الأولى عربياً ضمن فعاليات مهرجان الجونة – الشركة المنتجة

وتحدثت عن التحديات التي واجهتها خلال التصوير، مؤكدة أن الطقس كان من أكبر العقبات، إذ واجهوا أياماً ماطرة كثيرة في بلد يُعرف عادة بشمسه الساطعة، مما جعلهم في سباق دائم مع الضوء.

وقالت القلاتي إنها عملت كثيراً على بناء العلاقة بين الشخصيتين الرئيسيتين، سواء أثناء الكتابة أو خلال العمل مع الممثلين، اللذين كان عليهما أن ينسجا رابطة حقيقية قبل التصوير وفي أثنائه، مشيرة إلى أنها لا ترى تلك العلاقة هشة، بل على العكس تراها في هذه السن قوية إلى حدٍّ يجعلها تبدو غير قابلة للكسر.

وأضافت أن صداقات الشباب بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين تحتل مساحة كبيرة من الحياة والمشاعر، وهي علاقات مكثفة وعاطفية، وهذا ما يجعلها جميلة، لافتة إلى أن «العلاقة بين (عليسة) و(مهدي) قوية للغاية، لكنها لا تخلو من الصدامات، وهو أمر طبيعي في مرحلة يكون فيها كل شيء غير مؤكد، حيث يسعى الإنسان لتحديد ذاته والعالم من حوله».

وقالت إن «أجمل ما في الفيلم أن كل مشاهد يمكنه أن يفسر تلك العلاقة بطريقته الخاصة، البعض يراها حباً، وآخرون يرونها صداقة، معتبرة أن هذا التنوع في التفسير يعني أن الفيلم يترك مساحة لمشاعر الجمهور الخاصة».

وبيّنت أن هذه العلاقة مستوحاة من صداقاتها الشخصية، مشيدة بأداء الممثلين إيّا بلّاغة وسليم بكّار، اللذين قدّما الشخصيتين بأكثر صورة إنسانية وقريبة من الواقع، لافتة إلى أن عملية اختيار الممثلين كانت تقوم على إيجاد الطاقة المناسبة لكل دور على حدة، وكذلك الديناميكية بين الشخصيتين، فكانت حريصة خلال رحلة البحث عن أبطال الفيلم على الحضور القوي والطاقة المتدفقة، والأهم أن يكون هناك اتصال حقيقي بين الممثلين ليبنيا صداقة واقعية على الشاشة.

اختارت المخرجة تناول فكرة لا تراها موجودة في السينما بشكل يتناسب مع وجودها بالواقع – الشركة المنتجة

ولفتت إلى أنها قبل تنفيذ الفيلم أخرجت فيلماً وثائقياً قصيراً عن «دور الشباب» في تونس، وهي أماكن تديرها الدولة ليجتمع فيها الشباب ويمارسوا أنشطة مختلفة، موضحة أنها التقت بشباب من أنحاء البلاد كافة، وأدهشها فقدانهم للثقة في مستقبلهم.

وأشارت إلى أنها «قابلت من هم في السابعة عشرة أو الثامنة عشرة، وكان أقصى حلمهم شراء سيارة أو إيجاد وظيفة مستقرة،»، موضحة أن «ما صدمها هو غياب الشغف والأحلام الكبيرة، وكأن الحلم نفسه بدا وكأنه صار أمراً ممنوعاً، وأن الصعود الاجتماعي مسدود أمام الشباب».

وقالت إن هدفها من الفيلم أن يجد الشباب في تونس والعالم العربي أنفسهم فيه، وأن ترى الأجيال الشابة طاقتها وإبداعها منعكسين على الشاشة، مؤكدة أن تلك الطاقات كثيراً ما تظل غير معترف بها في بلدانهم، مما يؤدي إلى هجرة العقول.

وأضافت القلاتي أن كونها مصورة فوتوغرافية جعل الصورة البصرية جزءاً أساسياً من عملية الإبداع بالنسبة لها، موضحة أنها عملت عن قرب مع مديرة التصوير فريدة مرزوق، ومهندس الديكور خليل خوجة، ومصممة الأزياء شهرزاد مثنّي، لبناء عالم بصري متماسك ومعبر، عبر استخدام العديد من المراجع والرسومات ولوحات المزاج البصري لتوصيل رؤيتها بوضوح.

“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}

شاركها.
Exit mobile version