قطر وباكستان
الدوحة – قنا
الدوحة في 31 أكتوبر /قنا/ في إطار تعزيز الروابط التاريخية الوثيقة بين دولة قطر وجمهورية باكستان الإسلامية، تأتي الزيارة التي يقوم بها دولة السيد محمد شهباز شريف رئيس الوزراء الباكستاني إلى الدوحة لتأكيد سعي البلدين لتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، والتزام الدوحة وإسلام آباد بتعميق الشراكة ودعم الاستقرار في المنطقة.
وتعود العلاقات القطرية الباكستانية الرسمية إلى أكثر من نصف قرن من الزمن، حيث مرت بثلاث مراحل رئيسية، بدأت الأولى مع إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1973، وحتى عام 1999، وقد عمل البلدان خلالها على استكشاف الإمكانيات وفرص التعاون بينهما في مختلف المجالات.
وشكلت زيارة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني “حفظه الله” لباكستان عام 1999 بداية المرحلة الثانية للعلاقات الثنائية، من خلال وضع الأسس التي عززت وطورت الروابط بين البلدين، حيث وقعت خلال تلك الزيارة اتفاقيات شملت مجالات التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدوحة وإسلام آباد.
أما المرحلة الثالثة، فقد انطلقت مع زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، لباكستان في مارس عام 2015، والتي كانت ناجحة ومثمرة، حيث أدت إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتنميتها ونقلها إلى آفاق جديدة متنوعة لاسيما في مجال الاقتصاد والطاقة.
وتمر العلاقات القطرية الباكستانية حاليا بأفضل مراحلها، منذ الزيارة الأخيرة لسمو أمير البلاد المفدى إلى إسلام آباد في يونيو عام 2019، والتي تعد تتويجا لمرحلة استثنائية ومتميزة في مسيرة علاقات التعاون الثنائي بين البلدين، حيث منحت هذه الزيارة العلاقات الثنائية زخما جديدا بتوقيع اتفاقيات عديدة لدعم التعاون القائم وتعزيزه في كافة المجالات لاسيما الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وكذلك العسكرية.
وقد تدعمت العلاقات بين البلدين أيضا من خلال العديد من الزيارات المتبادلة التي قام بها كبار المسؤولين ورجال الأعمال من كلا البلدين، والتي أسهمت في تعزيز التعاون في مجالات متعددة، وتوسيع آفاق التعاون المشترك لتحقيق مصالحهما المشتركة.
وفي أغسطس عام 2022، قام دولة السيد محمد شهباز شريف رئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية بزيارة رسمية لدولة قطر، حيث استقبله حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وتم عقد جلسة مباحثات رسمية جرى خلالها بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، والسبل الكفيلة بدعمها وتطويرها في مجالات الدفاع والاقتصاد والاستثمار والتبادل التجاري والطاقة والرياضة، بالإضافة إلى مناقشة أبرز المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، لا سيما الجهود التي يبذلها البلدان في مكافحة الإرهاب.
ومنذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين دولة قطر وجمهورية باكستان الإسلامية، حرص البلدان على تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وذلك من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تهدف إلى تطوير الشراكة في مجموعة واسعة من القطاعات.
وتغطي الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين الدوحة وإسلام آباد عدة مجالات خاصة السياسية والاقتصادية والتجارية، إضافة إلى الثقافية والعلمية والفنية، والتربوية، والصحية، والأمنية والقانونية. كما تشمل أيضا قطاعات التعليم والإعلام والرياضة، بالإضافة إلى الأوقاف والشؤون الإسلامية والسياحة والأرصاد الجوية.
وتنص أيضا تلك الاتفاقيات ومذكرات التفاهم على الحماية المتبادلة للاستثمارات وتجنب الازدواج الضريبي، وتنظيم المعارض، واستخدام القوى العاملة في قطر، فضلا عن التعاون في مجال تبادل التحريات المالية المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ونتيجة للعلاقات الوطيدة بين البلدين، تعد جمهورية باكستان من أهم الشركاء التجاريين لدولة قطر، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 12.8 مليار ريال قطري في العام 2024، وتستثمر في دولة قطر 7 شركات برأس مال باكستاني بنسبة 100 في المئة.
وكان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى قد وجه عقب زيارته لباكستان عام 2019 بدعم الاقتصاد الباكستاني من خلال استثمارات جديدة على شكل ودائع واستثمارات مباشرة تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات دولار، تأكيدا على عمق العلاقات بين البلدين.
بدورها، لعبت الاتفاقية طويلة الأمد الموقعة بين البلدين عام 2021، والتي تقضي بتزويد دولة قطر، جمهورية باكستان الإسلامية بما يصل إلى ثلاثة ملايين طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال، دورا في ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الدولتين.
وكذلك هناك دور لافت للسلع والمنتجات التي يتم تصديرها من باكستان إلى دولة قطر مثل الأرز، والجلود، والغزل والنسيج والقطن والقماش المنسوج، واللحوم، والأصناف الرئيسية التي تستوردها باكستان من دولة قطر كالنفط والغاز والبلاستيك والمواد الكيميائية العضوية، والحديد، في تعزيز عملية التبادل التجاري.
ويمثل الاستثمار بين البلدين ركيزة أساسية في مسيرة التعاون المشترك، حيث يتم الاستثمار المتبادل في خمسة قطاعات وهي: الأعمال المصرفية والتأمين وقطاع الخدمات بما في ذلك السياحة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والنفط والغاز، وقطاعات العقارات، وآلات البناء، وصناعة الخدمات التقنية.
وفي مجال العمل الخيري، قدمت دولة قطر عام 2022 مساعدات إغاثية طارئة للمتضررين من الفيضانات التي ضربت باكستان، وهي مواقف تعكس دعم دولة قطر للدول الشقيقة والصديقة في أوقات الأزمات انطلاقا من قيمها الحضارية والثقافية والإسلامية في نجدة وإغاثة المتأثرين والمنكوبين جراء الكوارث في كل أنحاء العالم.
ولم يقتصر الدعم القطري لباكستان على تقديم المساعدات الغذائية والإيواء فحسب، بل تجاوز ذلك إلى المشاركة الفعالة في دعم القطاع الصحي لمواجهة تداعيات الكارثة، وتعزيز عمليات الإنقاذ بالمعدات اللازمة والفرق المتخصصة، حيث أرسلت قطر مع أولى رحلات جسر جوي فريقا من مجموعة البحث والإنقاذ القطرية الدولية التابعة لقوة الأمن الداخلي (لخويا)، مجهزا بآليات متخصصة بعمليات البحث والإنقاذ، إلى جانب فريق طبي بمعدات متكاملة لإنشاء مستشفيات ميدانية لدعم المتضررين في المناطق المنكوبة.
وتنفذ قطر حوالي 40 بالمائة من مشروع بناء قرية سكنية لمتضرري السيول في منطقة نصير آباد بإقليم بلوشستان في باكستان، ومن المقرر أن ينتهي هذا المشروع بشكل كامل في شهر مارس المقبل، حيث سيوفر مساكن آمنة لـ125 أسرة متضررة من السيول. وقد تم اختيار منطقة نصير آباد لبناء القرية السكنية نظرا لكونها الأكثر تضررا من السيول التي اجتاحت إقليم بلوشستان.
وكانت قطر قد قامت ببناء عدد من المنازل في منطقة خيربور بإقليم السند في باكستان للعائلات التي تضررت من السيول التي ضربت البلاد.
كما قام “صندوق العيش والمعيشة”، الذي أسسه صندوق قطر للتنمية إلى جانب البنك الإسلامي للتنمية ومانحين آخرين عام 2016، وترأسته قطر بين عامي 2019 و2020، بتمويل مشروع “مساندة البرنامج الوطني لاستئصال شلل الأطفال” في باكستان، الذي هدف إلى مساعدة الحكومة الباكستانية على تحسين حالة 39.2 مليون طفل دون الخمس سنوات، وبلغت ميزانية هذا المشروع 570 مليون دولار أمريكي.
وفي ظل الأهمية المتزايدة للشراكة التجارية والاقتصادية بين دولة قطر وجمهورية باكستان الإسلامية، تعتبر زيارة رئيس الوزراء الباكستاني إلى الدوحة فرصة مهمة لتجديد الالتزامات وتعزيز التعاون في مجالات متعددة. ومن المتوقع أن تسهم هذه الزيارة في دفع عجلة التنمية المشتركة وتعميق الروابط الاقتصادية، مما يعكس الرؤية المشتركة للطرفين نحو مستقبل أكثر ازدهارا واستدامة.