“إن ظاهرة العزوف عن العمل آخذة في الارتفاع في جميع أنحاء العالم، حتى أن أولئك الذين يحبون عملهم بشكل عام يجدون صعوبة أحيانا في حشد الطاقة والتركيز من أجل الحفاظ على شغفهم”.

هذا ما أشار إليه كل من بوريس غرويسبيرغ الأستاذ في كلية هارفارد للأعمال وروبن أبراهامز الباحث في الكلية نفسها في مقال لهما بعنوان “كيفية الخروج من مأزق فقدان الحافز” نُشر على موقع “هارفارد بيزنس ريفيو- آيديا كاست” مؤخرا.

لا أحد إذن يخلو في أي وقت من الوقوع في حفرة من الشعور بالتعثر وعدم التحفيز والتقاعس عن العمل تجعله في أشد الحاجة إلى اتخاذ بعض الخطوات لتغيير هذا الوضع “لكنه يكون مرهقا لدرجة العجز عن التفكير بشكل سليم أو القيام بأي شيء” كما تقول جيسيكا ستيلمان على موقع “إي إن سي”.

وهنا تكمن أهمية مقال أبراهامز وغرويسبيرغ في تقديمهما حلولا للتصدي لهذه المشكلة المحبطة والعودة إلى المسار الصحيح “من خلال مساعدة الأشخاص على استعادة أعصابهم وتطوير أفكارهم وتجديد طاقتهم للتعامل مع نقص الحماس والمشاركة الفعالة في العمل”، وذلك عن طريق خطوات عملية تعتمد على بروتوكول مدعوم بالأبحاث يشمل المراحل الأربع التالية:

1- الانفصال

يعترف أبراهامز وغرويسبيرغ بأنه قد يكون من المثير للاستغراب أن تكون الخطوة الأولى في خطتهم هي “التوصية بالانفصال عن العمل”.

لكن أبراهامز يبرر هذه الخطوة بأننا غالبا ما نميل إلى الدخول في دوامة من التفكير السلبي وغير المنتج عندما نشعر بالإحباط “فيأتي الانفصال العاطفي عن العمل ليمنحنا مساحة كافية لرؤية الوضع من زاوية مختلفة أكثر سطوعا”.

والانفصال العاطفي -بحسب “هيلث لاين”- هو “التقليل من التواصل مع الآخرين، أو وضع حدود مع أشخاص أو مجموعات معينة، والحفاظ على مسافة صحية في العلاقة معهم للحد من الضغوط والقلق أو التوتر”.

الانفصال عن العمل إذن لا يعني التخلي عنه، لكنه “انفصال بهدف الراحة والاسترخاء دون شعور بالذنب” كما تقول المؤلفة ومدربة تنمية المهارات القيادية المعتمدة ميلودي وايلدنغ.

الانفصال عن العمل لا يعني التخلي عنه لكنه “انفصال بهدف الراحة والاسترخاء دون شعور بالذنب (شترستوك)

وتوصي وايلدنغ بالتحلي بالصبر وأخذ الأمر بهدوء وبطء والتحدث بوضوح مع الزملاء عن الشعور بالإرهاق والحاجة للراحة لبعض الوقت، كأن تقول -على سبيل المثال- “من اليوم لن أكون متاحا بعد السابعة مساء، ومن يحتاجني لأمر عاجل فليتفضل بكتابة رسالة نصية أو بريد إلكتروني”.

أو إذا كان لديك مدير يرسل لك بريدا إلكترونيا في جميع الأوقات فحافظ على حدودك وقل “شكرا على رسالتك، أقضي وقتا مع عائلتي، ولكنني سأجعل هذا الأمر في مقدمة اهتماماتي أول الأسبوع”.

لهذا، يؤكد أبراهامز أن الانفصال عن العمل يأتي “لمساعدتنا على الهدوء والتأكد من مشاعرنا ومراجعة أهدافنا والحصول على المسافة التي نحتاجها لاتخاذ الخيارات الصحيحة”.

وبدلا من البقاء عالقا تردد “لا أستطيع فعل أي شيء”، خذ وقفة للتفكير في ما حدث “ففي وقت الأزمات يكون التفكير أداة قوية”.

2- التعاطف

“التعاطف مع الذات هو القدرة على ملاحظة معاناتنا والتأثر بها، مما يجعلنا نرغب في القيام بشيء فعال للتخفيف منها”، وفقا للمدربة المتخصصة في هذا المجال كريستين غاردنر.

وتصف لوري سانتوس أستاذة علم النفس في جامعة ييل التعاطف مع الذات بأنه “إستراتيجية تحفيز أكثر فعالية لتعزيز الأداء والمرونة بدلا من لوم نفسك على إخفاقاتك”.

أيضا “يمكن للتعاطف القوي مع الذات أن يمهد الطريق لتحسين الصحة والعلاقات والرفاهية العامة”، حيث كشفت الأبحاث عن عدد من فوائده “تشمل مستويات أقل من القلق والاكتئاب” بحسب موقع جامعة هارفارد للصحة.

لاريسا معصراني- من الضروري التعاطف مع الذات وتجاهل الشعور بالذنب ونقد الذات
التعاطف القوي مع الذات قد يمهد الطريق لتحسين الصحة والعلاقات والرفاهية العامة (بيكسلز)

ورغم أن مجموعة كبيرة من الدراسات أشارت إلى أن “التعاطف مع الذات هو الطريقة الأفضل لحل المشكلات الصعبة بدلا من التوبيخ الداخلي للنفس” يحذر كل من أبراهامز وغرويسبيرغ من أن “الأشخاص المنفصلين عن العمل يميلون غالبا إلى التصرف مثل الإنسان الآلي ويتعاملون مع الآخرين بطريقة ينقصها التعاطف”.

لهذا، ينصحان “بعدم السماح لمشاكلنا وصراعاتنا الخاصة بأن تنسينا أن نكون أكثر تعاطفا مع من حولنا أيضا”، ويشدد أبراهامز على أن “وجود روابط عاطفية مع الأشخاص في العمل يمكن أن يكون أمرا بالغ الأهمية للمساعدة في إعادة الشحن”.

كما يوصي موقع “إنديد” بعدم إغفال شبكة الدعم الخاصة بك، والبحث عن وجهات نظر أشخاص من خارج نطاق عملك، والاستماع إلى آراء الأصدقاء أو أفراد الأسرة “لمساعدتك في فهم ما تمر به”.

3- الحركة

يقول غرويسبيرغ “الآن وبعد أن وفرت لنفسك المساحة العقلية والعاطفية التي تمنحك مزيدا من الهدوء والتركيز فقد حان الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتغيير وضع عملك”.

وينصح بكسر الجمود وإعادة تشكيل الحياة وتحسينها من خلال الرؤية الواضحة التي تحققت في الخطوتين الأوليين “بوضع أهداف محددة كل صباح وعمل قوائم مهام يومية تفصل بين العمل والاهتمامات الشخصية”.

وقم بخطوة واحدة في كل مرة، حيث يمكن للأهداف أن تغير عقليتك “وتساعدك على تحديد الأولويات بشكل أكثر فعالية”، بحسب موقع “إنديد”.

الخبراء ينصحون بكسر الجمود وإعادة تشكيل الحياة وتحسينها (بيكسابي)

“وثابر نحو هدفك، وركز على المهام والمسؤوليات التي تتحكم فيها بشكل كامل، وابقَ بعيدا عما لا يمكنك التحكم فيه”، وحدد المهارات التي ترغب في تعلمها أو تطويرها أكثر، وأضفها إلى قائمة أهدافك للتركيز عليها.

واصقل مهاراتك “فالأزمة تغذي الابتكار”، واسأل نفسك: ما الذي لا تعرفه؟ ما احتياجاتك التي لم تتم تلبيتها؟ حيث يؤكد أبراهامز أن “ممارسة الهوايات خارج أوقات العمل قد تساعد على العودة إلى الوظيفة بمزيد من الطاقة والإبداع والمرونة”.

4- إعادة الصياغة

يوضح أبراهامز أنه “بمجرد أن تستعيد توازنك من خلال الانفصال والتعاطف والحركة تأتي إعادة الصياغة للمساعدة في تحديد الطريقة التي يمكن أن تجعل الوظيفة أكثر إرضاء وتزيد إمكانية إعادة هيكلتها بطريقة ما”.

وتُظهر الدراسات أن “إعادة الصياغة يمكن أن تجعل نفس المهام القديمة تبدو أكثر فائدة، مما يزيد دافعنا للقيام بها”، وإن كان هذا لا يمنع من الحاجة إلى خطوات أكثر جذرية في بعض الحالات كالانتقال إلى فريق آخر تماما، على سبيل المثال.

وتقول المؤلفة والمدربة المعتمدة شيريل تشاك على موقع فوربس إن تقنية “إعادة الصياغة” هي إستراتيجية قد تساعد الشخص على النظر إلى الموقف من خلال منظور أكثر إيجابية”، مضيفة أن إعادة الصياغة لديها القدرة على “مساعدتك على فهم الآخرين والتواصل معهم على مستوى أعمق”.

شاركها.
Exit mobile version