دعا الناقد الفني المغربي مصطفى الطالب السينمائيين العرب إلى الانخراط فيما أسماه “سينما المقاومة”، ومقاطعة مشاهير الفن الذين تجاهلوا المأساة الإنسانية في قطاع غزة.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة، خلفت عشرات آلاف القتلى والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.

وتواصل إسرائيل هذه الحرب رغم قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.

السينما بحاجة للجرأة

ومصطفى الطالب هو ناقد سينمائي مغربي، وكاتب سيناريو، وله العديد من المؤلفات في المجال السينمائي، وأستاذ السينما بعدد من المعاهد في المغرب.

الطالب أوضح أن “مسار القضية الفلسطينية على المستوى السينمائي في العالم العربي تغيّر في ظل بروز التطبيع، الذي كان له وقع على السينما”، مؤكدا أن “الوسط السينمائي اليوم بحاجة إلى كُتاب سيناريو أكثر عمقا وعدلا وجرأة من الناحية السياسية في التعاطي مع القضية الفلسطينية، خاصة أن مسألة التطبيع تخيّم على السينما العربية”.

واعتبر أن “القضية الفلسطينية حاضرة بالمهرجانات العربية من خلال بعض الأفلام، وتكريم بعض الوجوه السينمائية الفلسطينية”.

أما بشأن حراك الجامعات المتضامن مع غزة، فقال الناقد المغربي “بعد الحراك الدولي، خاصة حراك طلاب الجامعات بالولايات المتحدة الأميركية واليابان وأوروبا، ستتم إعادة النظر في معالجة القضية الفلسطينية من طرف السينما الغربية”.

وفي 18 أبريل/نيسان الماضي، بدأ طلاب رافضون للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة اعتصاما بحرم جامعة كولومبيا في نيويورك، مطالبين إدارتها بوقف تعاونها الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية، وسحب استثماراتها في شركات تدعم احتلال الأراضي الفلسطينية.

ولاحقا، اتسع الحراك الطلابي غير المسبوق في دعم فلسطين بالولايات المتحدة، إلى جامعات بدول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا والهند شهدت جميعها مظاهرات داعمة لنظيراتها بالجامعات الأميركية، ومطالبات بوقف الحرب على غزة، ومقاطعة الشركات التي تزود إسرائيل بالأسلحة.

وبحسب الطالب، فإن “أول فيلم روائي صامت تطرق للقضية، هو “الواجب ينادي”، لأيوب نادي، وكان حول المقاومة الفلسطينية للاحتلال البريطاني، أي قبل الاحتلال الإسرائيلي في 1948، ثم انطلقت القضية الفلسطينية في السينما العربية، وكانت السينما السورية هي السبّاقة بحكم تواجد السينمائيين الفلسطينيين في سوريا”.

وأشار الطالب إلى أن “القضية بدأت تبرز في ستينيات القرن الماضي، لأن منظمة التحرير الفلسطينية فطنت إلى دور السينما، ولازمت المقاومة المسلحة، إلى جانب المقاومة الفنية والسينمائية”.

فلسطين حاضرة بالسينما

وتابع “ظهرت مجموعة من الأفلام، من بينها “المخدوعون”، و”رجال تحت الشمس”، و”كافر قاسم” – المجزرة الشهيرة عام 1956، و”كلنا فدائيون”، فضلا عن عدد من الأفلام العراقية والسورية والمصرية”.

وبخصوص السينما المصرية، قال الطالب إن أول فيلم يعود لسنة 1949 “فتاة من فلسطين” لحاتم ذو الفقار، مضيفا أن القضية الفلسطينية حاضرة بشكل كبير بالسينما الفلسطينية، مع ميشيل خليفة ورشيد مشهراوي، وحاليا مع إليا سليمان ومي المصري.

وأوضح أن “الجيل الأخير تعامل مع السينما الفلسطينية بشكل آخر، لأن في سنوات الأربعينيات والخمسينيات كانت المقاومة تطغى على المعالجة السلمية”.

لكن بعد العام 1989، وفق الناقد المغربي، “ظهرت أفلام عربية وفلسطينية تتعامل مع القضية الفلسطينية بشكل آخر، حيث نقلت المعاناة اليومية التي يعيشها المواطنون مع الاحتلال”.

كما تطرقت تلك الأفلام إلى “مسألة العمل والحواجز والإهانة التي يتعرض لها الفلسطينيون، خاصة العمال، وكان للسينما دور كبير في التعريف بالقضية”، وفق الطالب.

وأضاف “بعد اتفاقية أوسلو (1993)، تغير التعاطي مع القضية الفلسطينية في السينما، حيث تراجع الاهتمام بالمقاومة، وكانت هناك مقاربة ومعالجة أخرى”.

وبخصوص حضور القضية بالمهرجانات العربية، اعتبر طالب أن القضية الفلسطينية والأفلام التي تطرقت لهذه القضية حاضرة بالمهرجانات.

ورش داعمة للمقاومة

وضرب الطالب بعض الأمثلة لذلك، مثل مهرجان سينما المؤلف (بالرباط) الذي عرف حضور القضية، وحضور مخرجين فلسطينيين، مثل رشيد مشهراوي، وإليا سليمان ومي المصري، لأن هناك تعاطفا مغربيا واضحا مع القضية.

كما تطرق إلى مشاركة الفيلم الفلسطيني “باي باي طباريا”، للمخرجة لينا سوالم، الذي شارك في مهرجان مراكش بالمغرب في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وأكد الطالب أن “التطبيع يخيم على المشهد السينمائي العربي”، لافتا إلى أنه “لا بد من الانخراط في ورش برنامج وخطة عمل سينما المقاومة، لأن المقاومة الفلسطينية تتصدى للعدوان الإسرائيلي على غزة”.

وأوضح الطالب أن “القضية الفلسطينية وصلت اليوم إلى نقطة حساسة جدا، وهو ما يبين الحاجة إلى سينما تعكس دور المقاومة”.

وأشار إلى أن “السينما العربية بحاجة حاليا إلى استعادة قوة القضية الفلسطينية، لكن بشكل دقيق وموضوعي، وبشكل ينتصر للمقاومة ولحقوق الشعب الفلسطيني”.

الطالب أوضح أنه “منذ قيام إسرائيل في 1948، فإن التعاطي مع الشخصية الفلسطينية كان فيها تقصير كبير، بسبب تشويهها صورة الفلسطيني في السينما الإسرائيلية والأميركية”.

دور اللوبي الصهيوني

في المقابل، أكد الطالب أن تلك السينما يسيطر عليها اللوبي الصهيوني، لذلك صورت الفلسطيني على أنه إرهابي، وتجعل منه ذلك الإنسان الوحشي الذي يريد أن يقتل اليهود، لأن كل الأفلام تلعب على وتر معاداة السامية.

ويرى أنه “بعد هذا الحراك الدولي، خاصة الغربي، سيُعاد النظر في التعاطي مع القضية الفلسطينية سينمائيا”، معتبرا أن “اللوبي الصهيوني يتعقب كل سينمائي غربي يريد أن يقدم، ولو بشكل موضوعي، شيئا عن القضية الفلسطينية ورؤية أخرى لها”.

وبخصوص ما ينقص السينما العربية لمجاراة نظيرتها الغربية للتطرق بشكل قوي للقضية، نفى الناقد المغربي أن تكون المشكلة تكمن بالتمويل، على اعتبار وجود العديد من الهيئات العربية التي تمول الأفلام التي تتطرق للقضية.

كما دعا إلى “تشكيل خلايا للكتابة لفائدة السينمائيين وكُتاب السيناريو العرب الذي يحملون هم القضية الفلسطينية”.

واعتبر الناقد المغربي أن “تقديم سينما مقاومة مرتبط باللمسة الفنية والجانب الاحترافي والجانب التقني، وهي كلها جوانب توجد بالسينما العربية”، مستدركا “ولكن لا بد من الجرأة وحرية التعبير، على اعتبار أن الوطن العربي اليوم لم يكن في مستوى ما يقع في غزة، ويمكن أن يكون الجانب السينمائي مدخلا لتقديم الشيء الكثير للقضية الفلسطينية”.

ووصف الطالب الحملة العربية والدولية الرقمية التي تدعو إلى مقاطعة مشاهير الفن والسينما الذين صمتوا إزاء ما يقع بغزة، بأنها “مهمة وذات مصداقية. لا يعقل أن هؤلاء المشاهير مستمرون في السهرات، في حين يستمر الفلسطينيون في المعاناة”.

ودعا إلى مقاطعة مختلف التظاهرات الفنية والثقافية التي لا تعبّر عن تضامنها مع القضية الفلسطينية.

وبحسب الطالب، فإن “للفن وللسينما دورا كبيرا في التعريف بالقضايا المصيرية بالعالم العربي، ومنها القضية الفلسطينية”.

شاركها.
Exit mobile version