في أعماق الصراع الدائر بشرق أوكرانيا، تبرز قصة غير مألوفة لمقاتل أميركي اختار أن يترك بلاده وينضم إلى الجبهة في دونباس منذ ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى جانب الانفصاليين المؤيدين لروسيا.
ويحكي راسل بنتلي، المعروف أيضا باسمه الحركي “تكساس” في برنامج “يوميات مقاتل” رحلته من حياة الرفاهية في الولايات المتحدة إلى ميادين القتال، حيث وجد في المعركة قضيته الخاصة.
ويتتبع الفيلم حياة “تكساس” الصاخبة، منذ ولادته ونشأته وأثر التطورات التي مرت بها البلاد كحرب فيتنام واغتيال جون كينيدي، ثم قتاله مع الجيش الأميركي، وبعد ذلك سجنه 5 سنوات إثر عمله مروج مخدرات، وأخيرا وصوله إلى روسيا.
ويستعيد بنتلي ذكرياته عن نشأته في تكساس وسط عائلة ميسورة، حيث كان مولعا بالأدب والشعر، لكنه كان مختلفا عن بيئته حيث انجذب في شبابه إلى النضال ضد الظلم، متأثرا بأحداث مثل حرب فيتنام وحركات الحقوق المدنية، لكنه لم يجد طريقه السياسي حتى اندلاع النزاع في أوكرانيا عام 2014.
وبعد مشاهدة صور مروعة عن قصف المدنيين في لوغانسك وأوديسا، قرر بنتلي أن عليه التحرك، فجمع مدخراته وغادر الولايات المتحدة إلى روسيا، حيث حصل على تأشيرة دخول لمرة واحدة، واضعا نصب عينيه هدفا واحدا، وهو الانضمام إلى القوات التي تدافع عن دونباس.
دون سابق خبرة
وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، عبر بنتلي الحدود نحو دونيتسك شرقي أوكرانيا، ليجد نفسه على مشارف حرب شرسة، يتذكر لحظة وصوله عندما كان يسمع دوي المدفعية، مدركا أنه أصبح جزءا من معركة لم يكن له سابق خبرة مباشرة بها.
ومع ذلك، سرعان ما تأقلم مع الحياة العسكرية، وانضم بنتلي إلى وحدات المقاتلين الذين كانوا يدافعون عن المدينة، ويصف معارك دامية خاضها، أبرزها “معركة مطار دونيتسك الثانية”، التي شهد فيها فقدان العديد من رفاقه، لكنه يؤكد أن تلك الخسائر زادته إصرارا على مواصلة القتال.
ويقول بنتلي “حين ترى الظلم، لا يمكنك الوقوف مكتوف الأيدي” مشيرا إلى أن الدافع وراء نضاله هو الدفاع عن المدنيين الذين يتعرضون للقصف المستمر.
وعلى مدى سنوات الحرب، تحول بنتلي من مجرد مقاتل إلى شخصية بارزة في دونباس، حيث لم يقتصر دوره على حمل السلاح، بل أصبح أيضا صوتا إعلاميا ينقل رواية سكان المنطقة إلى العالم.
ويرى بنتلي أن الولايات المتحدة اليوم “محكومة بمجموعة من الفاشيين الأصليين والشركات الأوليغاركية، أعداء روسيا والإنسانية ككل”، ولذا كرس حياته للقتال ضدهم خصوصا بعد الغزو الأميركي في أفغانستان والعراق “بناء على كذبات، وارتكابهم جرائم ضد الإنسانية هناك”، بحسب تعبيره.
لقاء زوجته لودميلا
وضمن ما ورد في حلقة “يوميات مقاتل” تحكي لودميلا بنتلي زوجة راسل التي تنحدر من دونيتسك، كيف قابلته لأول مرة عبر الإنترنت عندما كانت تعمل في الترجمة.
وعلى الرغم من الاختلافات الثقافية بينهما، وجدت فيه شخصا ملتزما بقضية آمن بها حتى النهاية، وتعترف بأن العيش مع شخصية مشهورة في منطقة نزاع لم يكن سهلا، لكن إيمانها بمسيرته جعلها تدعمه بلا تردد.
ويروي بنتلي تفاصيل المعارك الطاحنة التي خاضها، وكيف واجه الموت أكثر من مرة، مؤكدا أنه لا يخشى المصير المحتوم، وفي هذا السياق يقول “أعرف أني سأموت.. لكنني أفضل أن أموت وأنا أدافع عن قضية أؤمن بها، بدلا من أن أعيش حياة فارغة بلا معنى”.
ويربط بنتلي بين نضال سكان دونباس والقضية الفلسطينية، معتبرا أن المعركة التي يخوضها ليست محلية فحسب، بل هي جزء من صراع عالمي على الحرية والعدالة.
ويرى أن القوى التي تحارب شعبه هي نفسها التي تستهدف شعوبا أخرى حول العالم، مؤكدا أن من يدافع عن دونباس، يدافع عن مستقبل البشرية.
الانتقال للعمل الصحفي
وكان راسل الذي يعد نفسه شيوعيا قد انضم لجانب القوات الروسية لقتال أوكرانيا عام 2014، إلا أنه بعد ذلك قرر الانتقال للعمل الصحفي، وعمل مع وكالة “سبوتنيك” الرسمية وحصل على الجنسية الروسية.
وكانت رئيسة تلفزيون “روسيا اليوم” التابع للكرملين مارغريتا سيمونيان قالت في أبريل/نيسان الماضي عقب اختفائه إن “راسل بنتلي، قد قتل في دونيتسك وهو يقاتل مع رجالنا”، دون أن تقدم أي معلومات إضافية حول تفاصيل مقتله.
كما أكدت كتيبة “فوستوك” التي كان راسل يقاتل في صفوفها مقتل راسل، داعية “للانتقام من أولئك الذين قتلوه”، في إشارة إلى أنهم لم يكونوا من القوات الأوكرانية الذين كان “تكساس” يقاتلهم.
وبينما يستمر الصراع في أوكرانيا، تبقى قصة راسل بنتلي شاهدا على تقاطع المصائر، حيث يختار بعض الأفراد ترك حياتهم خلفهم والانضمام إلى قضايا يرونها حسب تصوراتهم أكبر من ذواتهم، في رحلة تتحدى كل التوقعات.