دون مأوى ودون عائلة، هكذا هي حياة أناس اتخذوا من شوارع العاصمة تونس “مسكنا” لهم، لكن شبابا دفعهم حب الخير والعمل الإنساني إلى مساعدتهم.

يعمل شباب جمعية “متحدون من أجل الإنسانية” في تونس، منذ 8 سنوات على تقديم عشرات الوجبات الغذائية يوميا لفاقدي المأوى، وذلك من خلال “مطعم الحب”. هكذا أراد الشباب تسميته في إشارة إلى حبهم لفعل الخير، وتشجيعا منهم للناس على مساعدة الآخرين.

وجبات مجانية

هنا في “مطعم الحب” تبدو الحركة على أشدها، فمع أولى ساعات ليل الشتاء الطويل يبدأ سامي عياد ومتطوعون بإعداد أطباق الوجبة الليلية تمهيدا لتوزيعها بين أزقة وشوارع العاصمة، حيث ينتظر المشردون الحصول على أي شيء يسد الرمق.

وينطلق الإعداد للوجبة داخل المطعم الذي يُعد الأول من نوعه الذي يقدم أطباقه للمشردين بالمجان، معتمدا على ما تتلقاه جمعية “متحدون من أجل الإنسانية” التي تدير المطعم من تبرعات وهبات.

يقول عياد بينما يعد الأطباق الجاهزة: “نقدم وجبة كاملة، ولا نكتفي بإطعام المشردين، نحن نسعى إلى إيجاد حلول دائمة لهم حتى يحصلوا على فرص أفضل في الحياة”.

العمل على إعداد وجبة من وجبات “مطعم الحب” اليومية التي يقدمها بالمجان للمشردين (الألمانية)

متحدون من أجل الإنسانية

ويعمل عياد نادلا في المقهى الملحق بالمطعم الخيري، وهو يسهر داخل الجمعية على تأمين الخدمات اللوجستية من بينها جلب المواد الغذائية التي تتبرع بها المحال التجارية إلى المطعم.

ويقدم المطعم بشكل مواز أطباقا للعامة بأجر، لكنه يخصص المداخيل لتمويل أنشطته الخيرية ومنها توفير الطعام الكافي لتقديم وجبات إلى المئات من المشردين الموجودين في الغالب قرب المساجد والمستشفيات والبنايات المهجورة أو المعزولة.

يبدأ المتطوعون بتوزيع الأطباق عبر جولة ليلية يومية على امتداد الأسبوع. يقول عياد إن المطعم بدأ في سنواته الأولى بتوفير نحو 300 وجبة يوميا إلى المحتاجين الذين يبيتون في العراء، لكن العدد بدأ يتقلص ووصل عام 2023 إلى نحو 100 وجبة.

"مطعم الحب" في تونس.. عطاء إنساني لمحتاجين بلا مأوى
زبائن يأتون خصيصا إلى “مطعم الحب” ويأكلون بأجر لأنهم يعرفون أن أرباحه سينتفع بها آخرون محتاجون (الأناضول)

قصة نجاح

ويرجع عياد أسباب تقلص عدد الوجبات اليومية إلى نجاح الجمعية في تقليص أعداد المشردين بعد أن توفرت لهم حلول غيرت مسار حياتهم إلى وضع أفضل.

ومن بين إحدى قصص النجاح التي يذكرها عياد عندما نجحت الجمعية في أن تُحول حياة بائسة لمقعد مشرد في الشوارع إلى حياة مفعمة بالأمل. ويضيف “انتقل (هذا المقعد) للعيش في مركز للرعاية بمنطقة الزهروني، وأصبح يقدم دروسا في تعلم اللغة لفاقدي التعليم من كبار السن. إنه يستمتع بحياته وصحته وحالته النفسية أصبحت أفضل بكثير”.

ولا يُخفي عياد الوجه الآخر للواقع المرير الذي يعيشه المشردون في الليل بما في ذلك المهاجرون غير النظاميين، ولا سيما في الأيام الصعبة لفصل الشتاء. ولا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد المشردين التونسيين الذين يعدون بالآلاف في أنحاء البلاد وفق منظمات مستقلة. وتقدر منظمة “أطباء العالم” أعدادهم في العاصمة وحدها بنحو 500 في عام 2023.

يقول عياد: “تجربة مطعم الحب مهمة جدا، لكن من المهم كذلك أن تظهر مطاعم أخرى في باقي الجهات. لا يمكننا أن نصل إلى جميع المحتاجين”.

مطعم الحب أول مطعم في تونس يقدم وجبات مجانية للمشردين كما يقدم وجبات بأجر للعامة (الأناضول)

علاقات إنسانية

وفي حديث للأناضول، قال نزار خذاري رئيس جمعية “متحدون من أجل الإنسانية”: “مطعم الحب هو أول مطعم اجتماعي إنساني في تونس يقدم وجبات يومية لفاقدي السكن، كما يقدم أكلات لعامة الناس ممن يرتادونه لتخصص مداخيله للعمل الإنساني”. وأضاف: “أصبح لدينا اليوم زبائن يأتون خصيصا إلى هنا ويعرفون جيدا أن أرباح المطعم سينتفع بها أشخاص في أمس الحاجة للمساعدة”.

العمل التطوعي تجاوز تقديم خدمات للمحتاجين بالنسبة إلى نزار ورفاقه، إذ أصبحت تجمعهم علاقات خاصة بفاقدي السكن، لاسيما وأنهم على تواصل يومي بهم، حتى إن غياب أحد أعضاء الجمعية لسبب خاص أو خارج عن نطاقه يدعو بعض هؤلاء إلى السؤال عنهم وافتقادهم.

يقول نزار: “نعرفهم جيدا ونعرف قصصهم وأماكن وجود كل فرد منهم، حتى إننا أصبحنا أصدقاء نفتقدهم ويفتقدوننا”.

لا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد المشردين التونسيين الذين يعدون بالآلاف وفق منظمات مستقلة (الأناضول)

العمل التطوعي

بدأت جمعية “متحدون من أجل الإنسانية” نشاطها عام 2014، ومع مرور السنوات اكتسبت زخما أكبر من داخل المطعم الموجود على مقربة من أحد أشهر شوارع العاصمة، شارع محمد الخامس.

ولا يقتصر عملها على مجرد تقديم وجبات للمحتاجين، بل أصبحت تدرس حالات هؤلاء كل على حدة بهدف إيجاد حلول لهم، لمساعدتهم على الخروج من وضعياتهم الصعبة وإيجاد عمل لهم.

يقول خذاري، إن “الجمعية تتواصل مع وزارة الشؤون الاجتماعية التي توفر فريق الإسعاف الاجتماعي، ويضم الفريق طبيبا ومرشدا اجتماعيا وطبيبا نفسيا وممرضين”.

وأفاد بأن العمل الإنساني والتطوع غيّر حياته إلى الأفضل، كما علمه الكثير عبر العطاء ومساعدة الآخرين، مشجعا الشباب على الانخراط ضمن جمعيات خيرية، “حيث سيفيدهم ذلك حتى في حياتهم العملية”، وفق تعبيره.

وبدورها، ذكرت الكاتبة العامة للجمعية هبة الشاهر، أن “العمل التطوعي من شأنه أن يغير الكثير من النظرة إلى فاقدي المأوى أو من الأحكام المسبقة بشأنهم”.

وأضافت أن “العمل الإنساني ساعدني وغير شخصيتي نحو الأفضل، وجعلنا أقرب من فاقدي المأوى بالدخول إلى عالمهم والتعرف على ظروفهم الصعبة التي يمرون بها وقصصهم الإنسانية”.

وأوضحت أن الجمعية منذ تأسيسها تعمل على ثلاثة مستويات: فاقدي المأوى، وفاقدي السند العائلي، إضافة إلى تقديم مساعدات للعائلات الفقيرة.

شاركها.
Exit mobile version