يميل البعض إلى تأجيل تحقيق أحلامهم وتطلعاتهم إلى نقطة غير محددة في المستقبل، وهي ما يعرف بـ “متلازمة الحياة المؤجلة”.

وغالبا ما يقضي المصابون بهذه المتلازمة حياتهم في الانتظار، ويعيشون حياتهم اليومية دون أي إحساس حقيقي بالهدف أو الاتجاه، ويشعرون بعدم الرضا وكأنهم عالقون في حفرة، كما يفتقرون إلى الحافز.

فما أسباب هذه المتلازمة التي تعرف أيضاً باسم “متلازمة يوما ما” أو “إشباع الحياة المتأخر”؟ وكيف تؤثر على الحياة الشخصية والمهنية؟

متلازمة “الحياة المؤجلة” نمط فكري سلبي يقود الفرد لتأجيل الراحة والاستمتاع بالعيش في الحاضر (بيكسلز)

ما “متلازمة الحياة المؤجلة”؟

يعرّف أخصائي الطب النفسي الدكتور مازن مقابلة “متلازمة الحياة المؤجلة” بأنها عبارة عن نمط فكري سلبي يقود الفرد لتأجيل الراحة والاستمتاع بالعيش في الحاضر لحين تحقيق أهداف المستقبل، والتي غالباً ما تكون بعيدة الأجل وصعبة التحقيق.

ويضيف أن هذه المتلازمة تورث الفرد شعوراً بأنه يعيش في حلقة مُفرغة من المسؤولية والضغوطات التي لا تنتهي “فتمرّ حياته دون أن يشعر بها حتّى وإن قام بتحقيق كل أو غالبية أهدافه، وينتج عنده شعور بالحسرة والندم على الوقت الذي فاته من حياته”.

ليس اضطرابا نفسياً أو عقلياً

وبحسب الأخصائي النفسي، فإن هذا النمط لا يعتبر بحد ذاته اضطراباً نفسياً أو عقلياً لكنه قد يكون من أكثر العوامل المسببة لهذا الاضطرابات، كالاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، وغيرها.

وقد يوجد هذا النمط الفكري عند جميع الفئات العمرية “لكنه يزداد في الفترة العمرية بين 20 و50 عاما، كون هذه الفترة عادة ما تكون حافلة بالأحداث والتغييرات المصيرية في حياة الفرد، وتنطوي على كثير من المسؤوليات الدراسية والوظيفية والاجتماعية والعاطفية”.

مقابلة: تنتشر متلازمة الحياة المؤجلة الفترة العمرية بين 20-50 عاما الحافلة بالأحداث والتغييرات المصيرية (الجزيرة)

ما أسباب “متلازمة الحياة المؤجلة”؟

وينتج هذا النمط الفكري في عقل الفرد اللاواعي نتيجة للعدة أسباب -وفق مقابلة- أبرزها:

  • تأثير العقل الجمعي: ويؤثر هذا في الفرد منذ الطفولة من خلال إيهامه بأنه سيرتاح ويستمتع بالحياة حين يكبر ويصبح منتجاً، ومستقلاً بقراره، قادرا على الدراسة والعمل لتحقيق ذاته، قادرا على الارتباط العاطفي حتى لا يكون وحيداً.
  • مشاكل تقدير الذات والثقة بالنفس: حيث يشعر الفرد بعدم الاستحقاق لما حققه أو يملكه في الحاضر، ويسعى دوماً لتحقيق المزيد والمزيد كمحاولة لتعويض شعور النقص المزمن الذي يشعر به.
  • التركيز على المادية أكثر من الروحانية: حيث تصبح سعادة ومتعة الفرد مقترنة بالكم لا بالنوع، وتعتمد على ما يملك من المال والسلطة والشهرة، والتي عادة ما يكون لها أثر إدماني بعيد عن القناعة والرضى.
  • نمط الحياة المتسارع: يعيش العالم نمط حياة سريعا ذا متطلبات معقدة، مما يخلف شعورا وهميا للفرد بأنه متأخر دائماً وبحاجة لبذل جهد أكبر وأسرع لمواكبة التغيّرات المستمرّة.

نصائح لتجاوز للمتلازمة

وللتخلص من هذا النمط الفكري وتعديله، ينصح أخصائي الطب النفسي باتباع الخطوات التالية:

عدم الاستمتاع بالحاضر

من جانبه، يقول المستشار الأسري الدكتور أحمد عبد الله إن للحروف الثلاثة التي تشكل كلمة “سوف” أثرا تخديريا في حياة البعض بشكل مذهل، إذ يميل الناس -أحيانا- للتأجيل، وهذا الميل من حيث العموم عملية بشرية طبيعية، إلا أن التأجيل الذي يكون نتيجته هدم للحاضر وعدم الاستمتاع بمكونات الحياة وتفاصيلها، وهذا هو ما يقال عنه “متلازمة الحياة المؤجلة”.

ويوضح “تتعدد أسباب التأجيل، وفي غالبها تتمحور حول المسؤولية التي تترتب على قرار تنفيذ الحياة المستقبلية، فالخطة المطلوبة والمسؤوليات المطلوبة والجهد المطلوب، كله له آثار وهو الخروج من منطقة الأمان النفسي الذي يعيشه الإنسان، إلى منطقة العمل والجد والاجتهاد والمسؤولية، وهذه تتطلب قدرا من البذل لتحصيل شكل الحياة المطلوب.

كل شي أو لا شيء

“بالمقابل، هناك بعض الأشخاص لا يكفيهم ألم الحاضر بل هم يحتاجون لألم أكبر كي يتحركوا لإيجاد الحياة الصحيحة التي يريدونها، وهؤلاء نراهم في الكثير من المواطن الحياتية، كالوظيفة والزواج والعلاقات داخل منظومة الأسرة” بحسب عبد الله.

ويكمل “هناك أيضا أشخاص لا يتصورون أن الحياة من الممكن أن تكون متعثرة في بعض مراحلها، فأي تعثر آنيّ يعتقدون أن بعده الحياة ستقوم بتصحيح نفسها بنفسها دون بذل أي جهد منهم. أما البعض الآخر، فهم مثاليون جداً ويعتقدون أن كل البذل المطلوب غير كاف، مهما كان، للبدء في صناعة حياة مستقبلية جيدة”.

“فهؤلاء أيضا حياتهم تتمحور حول إما كل شي أو لا شيء” وفق المستشار عبد الله.

عبد الله: الإنسان الذي يميل للتأجيل من باب الاكتفاء بلذة الحاضر يحتاج لمهارتي التخطيط وتأجيل الإشباع الآني (الجزيرة)

مهارات مهمة

وللخروج من هذه الحالة، أو الحد منها على الأقل، ينصح المستشار عبد الله بأنه على الشخص المثالي جدا أن يوظف صفاته “الميل نحو المثالية” فيما يصب في مصلحته “فالمثالي شخص شديد الملاحظة، فإن وظف هذه الشدة في ملاحظة السلبيات فسيرى الكثير ويواصل التأجيل، لذلك عليه توظيف هذه الصفة في رؤية الإيجابيات التي يبني عليها حياة آنية جيدة”.

أما الإنسان الذي يميل للتأجيل من باب الاكتفاء بلذة الحاضر “فيحتاج لمهارة التخطيط أولا، ولمهارة تأجيل الإشباع الآني، والتي يلعب دورا مهما فيها العادات النفسية التي شكّلها الإنسان لذاته، فعليه تأجيل تلبية الرغبات غير الملحة لتتشكل لديه عادات نفسية جديدة”.

ويختم “بالعموم على الإنسان رفع مستواه في مهارة الالتزام بالأشياء، الإلتزام بالمواعيد، والالتزام بالمهام وغيرها. فهذه المهارة يمكن تعميمها لتصل إلى درجة أن يلتزم الإنسان برغبة الحصول على حياة آنية مستقرة وجيدة، لتكون هذه الحياة جزءا من حياة أكثر شمولا واتساعا وسعادة”.

تأجيل الأهداف يمكن أن يؤدي لانعدام الثقة في الذات ويؤثر سلباً على آلية اتخاذ القرار (بيكسلز)

تأثيرات شائعة لمتلازمة “الحياة المؤجلة”

نشر موقع “إي كيو فور سي” للاستشارات الحياتية بعض التأثيرات الشائعة لمتلازمة “الحياة المؤجلة” على الحياة الشخصية والمهنية، ومنها:

  • عدم الإنجاز: يمكن أن يؤدي تأجيل أهداف الفرد وتطلعاته إلى الشعور بالفراغ في الحياة الشخصية والمهنية، مما يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالملل واللامبالاة وحتى الاكتئاب.
  • الفرص الضائعة: عندما يؤجل الناس تحقيق أهدافهم وتطلعاتهم، فإنهم يفوتون الفرص التي ربما كانت متاحة لهم، مما يشمل الفرص الوظيفية وفرص النمو الشخصي وحتى العلاقات.
  • الركود: عندما يؤجل الناس أهدافهم يعلقون في وضعهم الحالي، ويشعرون وكأنهم لا يحققون تقدما في حياتهم الشخصية أو المهنية، وهذا يؤدي إلى الشعور بالركود وحتى اليأس.
  • انعدام الثقة: تأجيل الأهداف يمكن أن يؤدي إلى انعدام الثقة في قدرات الشخص ومهاراته في اتخاذ القرار، وهذا يزيد من صعوبة المخاطرة والسعي وراء فرص جديدة، مما يزيد من تفاقم دورة التأجيل.
شاركها.
Exit mobile version