“أنا سويسري لكن في قلبي فلسطينيا”. كان ذلك آخر ما قاله الفنان السويسري الراحل مارك رودين أثناء تكريمه في عمّان عام 2013 بمناسبة يوم الأرض.

|

الفنان السويسري مارك رودين -الذي ولد في 29 سبتمبر/أيلول 1945، وتوفي في الثامن من أبريل/نيسان 2023، والذي عُرف باسمه الحركي “جهاد منصور”- يعد من الحالات الفنية الفريدة في تاريخ القضية الفلسطينية؛ فالرجل -الذي لا يمت بصلة للعرب وليس له أي أصل فلسطيني- تبنى الكفاح والدفاع عن القضية الفلسطينية طوال حياته باستخدام فنه.

درس رودين/جهاد منصور التصميم الغرافيكي، ثم انخرط في الحياة السياسية عام 1968، وعمل بعد ذلك رسّام غرافيك لمنظمة التحرير الفلسطينية في الفترة من 1980 إلى 1991، وأنتج خلال تلك الفترة أكثر من 200 ملصق للدفاع عن القضية ودعمها، ودفع فاتورة باهظة لذلك.

اقتران القول بالفعل

عاش رودين طوال حياته مترجمًا قناعاته السياسية وأفكاره اليسارية إلى أفعال؛ فقد التحق برفاقه للنضال ضد العدو الصهيوني على طول خطوط الجبهات في فلسطين وسوريا ولبنان، وتعرض للاعتقال عدة مرات، وحكم عليه بالسجن غيابيا في سويسرا 4 سنوات في إحدى المرات.

بالنظر في الملصقات التي قدمها منصور للقضية الفلسطينية، نجد أنه كان يعي وبعمق السياسات الإمبريالية التي أدت إلى نشأة الكيان الصهيوني، ويقدم عبر أعماله الصورة المرئية لروح القضية الفلسطينية وجوهرها، من حيث هي دولة محتلة قضت عليها السياسات الإمبريالية الاستعمارية، ولا يُمكن تحريرها إلا عبر النضال المسلح.

ولم تكن الرسائل على حساب الشكل في أعماله؛ فالألوان والرموز وحتى الكلمات المستخدمة في ملصقاته تنطوي على مشهد فني وجمالي بجانب الرسائل السياسية.

على سبيل المثال، في غلاف “التجربة والشاهد والشهيد” الذي صممه عام 1980 لمجلة الهدف -الصحيفة السياسية الأسبوعية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أسسها وكان يحررها غسان كنفاني- نرى خريطة فلسطين تظهر على وجه كنفاني الملون بلون البحر والزيتون والأرض.

غلاف مجلة “الهدف” غسان كنفاني التجربة الشاهد والشهيد (الجزيرة)

الحدث السياسي دافع فني

كانت الانتفاضات الفلسطينية من حيث هي ثورات قومية ضد المستعمر مصدر إلهام كبيرا لأفكار رودين اليسارية، وعبر عن ذلك في العديد من الملصقات؛ مثل ملصق يوم الأرض “انتفاضة الجليل تعانق انتفاضة الخليل”، حيث يشق برعم زهرة فلسطينية نجمة العلم الإسرائيلي. في هذا الملصق -وفي العديد من الملصقات- يلتقي الفني والسياسي في نقطة تقاطع واحدة، إنهما ينجزان ضربا من الرفض الثوري الذي عجزت عن إنجازه الكثير من المؤتمرات العالمية والحوارات الأممية.

نرى أيضا في ملصق “دماء أيلول تعانق فجر الاستقلال” قدرة رودين على توصيل رسائله السياسية بقوة، حيث المقاومة تقوى وتنتصر بقدر ما تستفحل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في العدوان على الشعب الفلسطيني. ويعزز رودين بذلك أعماله عن المقاومة فتصبح أيقونات فنية في وجه المستعمر، محولا المتمردين والثوريين إلى رموز خالدة في ذاكرة الشعب الفلسطيني.

“أنا سويسري لكن في قلبي فلسطينيا”. كان ذلك آخر ما قاله الفنان السويسري الراحل مارك رودين أثناء تكريمه في عمّان عام 2013 بمناسبة يوم الأرض، ونعته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيانٍ بالعبارات التالية “خاض الرفيق جنبا إلى جنب مع رفاقه في لبنان معارك الثورة الفلسطينية، وبعدها عاش حياته متنقلًا في دولٍ عربيّةٍ وأوروبيّة، مناهضا للسياسات الإمبرياليّة الغربيّة الإجراميّة، وعلى إثرها تعرّض للاعتقال أكثر من مرّة من قبل السلطات السويسريّة”.

شاركها.
Exit mobile version