أدت عاصفة ترابية شديدة هبّت مساء أمس الثلاثاء، إلى تحويل السماء إلى اللون الأحمر والبرتقالي في مدينتي بنغازي ودرنة شمال ليبيا، قبل أن تعبر البحر المتوسط وتصل إلى جنوب اليونان أيضا.

وأظهرت مقاطع الفيديو مشاهد للسماء البرتقالية والحمراء المروعة التي غطت المباني والأشجار في كلا البلدين.

وعانى الأهالي من صعوبة في التنفس وتهيج الحلق إثر تعرضهم للعاصفة الترابية التي كانت مصحوبة برياح تصل سرعتها إلى 70 كيلومترا/ساعة (45 ميلاً في الساعة) وفق ما ذكرت صحف محلية.

وذكرت وسائل إعلام ليبية أن عاصفة رملية قوية هبت عبر شرق ليبيا يوم الاثنين، مما أدى إلى تعطيل الحركة الجوية وإغلاق المطارات والإدارات العامة والمدارس في المنطقة.

كما أعلنت السلطات في شرق البلاد يومي الاثنين والثلاثاء “عطلة رسمية” بسبب “سوء الأحوال الجوية”، وقالت وسائل إعلام محلية إن حركة المرور في مطاري بنغازي وطبرق توقفت حتى إشعار آخر بسبب ضعف الرؤية وسوء الأحوال الجوية، وأظهرت صور مدارج المطار مدفونة بالرمال.

ومن بين المناطق التي تم إعلان حالة التأهب فيها درنة، حيث دعت السلطات جهات إنفاذ القانون إلى الحد من حركة المرور والحركة على الطرق في المناطق التي تسببت فيها العاصفة الرملية بضعف الرؤية.

Dust storm turns sky apocalyptic orange, red over Greece, Libya

وفي طبرق، اضطر سكان البيضاء وأجدابيا إلى البقاء في منازلهم حيث تحولت السماء إلى اللون الأصفر.

العاصفة تصل اليونان

وعلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، قال مسؤولون إن سحب الغبار المنبعثة من الصحراء الكبرى غطت أثينا ومدنا يونانية أخرى، الثلاثاء، في واحدة من أسوأ الأحداث التي ضربت البلاد منذ عام 2018.

ومن خلال الأقمار الصناعية، يمكن رؤية الغبار على جزء واسع من الساحل الشمالي لليبيا، ويمتد جنوبا إلى الصحراء وشمالا إلى اليونان، ما حدّ من الرؤية ودفع السلطات إلى إصدار تحذيرات من مخاطر التنفس.

وحذرت السلطات من أن تركيزات الغبار يمكن أن تقلل من ضوء الشمس والرؤية مع زيادة تركيزات جزيئات التلوث الدقيقة، مما يشكل مخاطر على الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية كامنة.

وقال مدير أبحاث الطقس في مرصد أثينا كوستاس لاغوفاردوس، “إنها واحدة من أخطر حلقات تركزات الغبار والرمال من الصحراء الكبرى منذ 21-22 مارس/آذار 2018، عندما غزت السحب جزيرة كريت على وجه الخصوص”.

كما أدت الرياح الجنوبية القوية خلال الأيام القليلة الماضية إلى إشعال حرائق الغابات المبكرة غير الموسمية في جنوب البلاد، وقالت خدمة الإطفاء، مساء الثلاثاء، إن إجمالي 25 حريق غابات اندلعت في جميع أنحاء البلاد خلال الـ24 ساعة الماضية.

وكانت اليونان قد تعرضت بالفعل لسحب ترابية في الصحراء الكبرى في أواخر مارس/آذار وأوائل أبريل/نيسان، مما أدى أيضًا إلى اختناق أجزاء من سويسرا وجنوب فرنسا.

200 مليون طن من الغبار سنويا

وكانت السنوات الأخيرة شهدت زيادة كبيرة في تواتر العواصف الرملية وشدتها بسبب النشاط البشري والتغيرات المناخية، وباتت هذه الظاهرة الطبيعية المتنامية مصدر تهديد للأراضي الزراعية ومصادر الغذاء وللصحة البشرية في عدد من مناطق العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتبر منشأ نسبة مهمة من هذه العواصف ذات التأثير العالمي.

أحد شوارع مدينة بنغازي الليبية التي تعرضت لعاصفة رملية شديدة (الفرنسية)

وتطلق الصحراء ما بين 60 إلى 200 مليون طن من الغبار سنويا. وفي حين أن أكبر الجسيمات تعود بسرعة إلى الأرض، فإن أصغرها يمكن أن يسافر آلاف الكيلومترات، ومن المحتمل أن يصل إلى أوروبا بأكملها.

ووفق خبراء الأمم المتحدة، فإن ما لا يقل عن 25% من انبعاثات الغبار العالمية تنشأ من الأنشطة البشرية، فيما تعود النسبة الباقية إلى أسباب طبيعية، لكن تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري أدى إلى زيادة تواتر وشدة العواصف الرملية والترابية.

ويتوقع الخبراء أن تصبح العواصف الرملية أكثر شدة مع ارتفاع درجات الحرارة وحدوث الجفاف حيث تنخفض رطوبة التربة ما يسهم بشكل كبير في زيادة شدة وتواتر العواصف الرملية والترابية في جنوب آسيا وغربها، وفي مناطق أخرى من العالم.

الصحراء الكبرى.. أكبر مصدر للغبار في العالم

وتنشأ العواصف الرملية والترابية في مناطق الأراضي الجافة التي تغطي 41% من سطح الأرض وتشكل بعضا من أكثر النظم الإيكولوجية هشاشة، والأكثر عرضة لتغير المناخ العالمي.

لقطة من أحد التلال المطلة على العاصمة اليونانية أثينا تبيّن تحوّل سماء المدينة إلى اللون البرتقالي (الفرنسية)

ورغم أن جسيمات العواصف الرملية الأكبر حجما تنتقل لمسافة لا تزيد عادة عن بضعة كيلومترات، فإن جسيمات العواصف الترابية التي يبلغ قطرها أقل من 0.05 مليمتر، يمكن أن تنتقل لآلاف الكيلومترات.

ويمتد تأثير العواصف الرملية والترابية على جميع مناطق العالم، لكن النقاط الساخنة الرئيسية للعاصفة الترابية تقع خاصة في الصحراء الكبرى ومنطقة الشرق الأوسط وفي شمال غرب الصين وجنوب غرب آسيا ووسط أستراليا.

وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدة من أكثر المناطق غبارا بسبب قربهما من الصحراء الكبرى أكبر مصدر للغبار في العالم.

وتبلغ انبعاثات الصحراء الكبرى من الغبار نحو 4 أضعاف ما تطلقه الصحاري العربية، وينتقل هذا الغبار إلى أماكن بعيدة مثل غابات الأمازون وأميركا الشمالية وأوروبا والصين.

مواطنان ليبيان يسيران في أحد شوارع بنغازي أثناء العاصفة الترابية التي ضربت ضفتي البحر المتوسط (الفرنسية)

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى خسارة نحو 13 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سنويا بسبب العواصف الترابية.

الأضرار الصحية للعواصف الرملية

أما فيما يتعلق بالجوانب الصحية للعواصف الرملية، فإن خبراء في الصحة أكدوا أن استنشاق الجزيئات الدقيقة التي تحملها هذه العواصف يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في الجهاز التنفسي والحساسية ومشاكل صحية أخرى.

وفي مارس/آذار 2023، نشرت دراسة علمية عالمية أدلة كثيرة على الآثار الصحية للغبار الصحراوي والعواصف الرملية، خاصة على أمراض الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية وأسباب الوفيات.

وأثبت تقرير حديث لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر أن العواصف الرملية والترابية قد تتسبب في زيادة التصحر وتدهور الأراضي وتلف المحاصيل، مما يؤثر سلبا على كمية الغذاء وجودته، كما تؤثر هذه العواصف سلبا في جودة الهواء ولها آثار ضارة على الصحة في جميع أنحاء العالم.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + مواقع التواصل الاجتماعي

شاركها.
Exit mobile version