تخيل أنك تجري بلا توقف، وقلبك ينبض بقوة وكأنك في سباق حياة أو موت، تلتفت خلفك لتجد شيئا أو شخصا يلاحقك بلا هوادة، العرق يتصبب من جبينك، والخوف يسيطر على كل خلية في جسدك حتى تستيقظ فجأة.

تكتشف حينها أنك كنت في قلب حلم مزعج، مجرد مطاردة في عالم الأحلام، لكنها تركتك منهكا وكأنك خضت المطاردة بالفعل.

لماذا نحلم بهذه الأحلام؟ وما الذي يجعلها تطاردنا حتى بعد الاستيقاظ؟ الأهم من ذلك، هل يمكننا التخلص منها أو منع حدوثها؟

ماذا يعني حلم المطاردة؟

حلم “المطاردة” من الأحلام الشائعة والمزعجة التي قد يمر بها الكثيرون، وربما تكون قد اختبرتها مرة أو مرات عدة.

ووفقا لدراسة نشرت عام 2013، يعد حلم “المطاردة” من أكثر الأحلام انتشارا عالميا، وإن كانت ردة فعل الشخص تجاهه تختلف باختلاف الثقافات.

وقارنت الدراسة بين الحالمين من الثقافتين التبتية والصينية (الهان)، وشارك فيها 569 شخصا، بينهم 278 طالبا جامعيا من التبت و291 طالبا من الهان.

وأظهرت النتائج أن 90% من المشاركين مروا بتجربة حلم “المطاردة”، كما أن أكثر من 95% منهم عانوا من مشاعر سلبية أثناء الحلم، أبرزها الخوف.

التفسير النفسي لحلم المطاردة

أوضحت دراسة نشرت عام 2003 أن الأحلام هي انعكاس لما يحدث خلال اليوم.

وأجريت الدراسة على 29 شخصا كانوا يسجلون مذكرات عن يومهم وأحلامهم، وخلصت إلى أن 65% مما يحدث في أحلامهم كان مرتبطا بأحداث يومية أو خبرات يقظة.

وأشارت إلى أن الأخبار والأحداث الواقعية والدراما وما نشاهده من أفلام أو مسلسلات قد تؤثر على مضمون أحلامنا.

وترتبط هذه الظاهرة بنشاط أنظمة الذاكرة أثناء النوم، إذ يدعم النوم الذاكرة والتعلم، وفي الوقت ذاته يساهم في توليد الهلوسات التي تظهر بالأحلام.

كما أن إعادة تشغيل الذكريات العرضية خلال النوم قد تسهم في ظهور مشاهد حلمية مختلفة، مثل مشاهد المطاردة.

تأثير العوامل اليومية

تُدعم هذه الفكرة بمراجعة أجريت عام 2019 أشارت إلى أن ما نتعرض له يوميا من أحداث إخبارية ومعتقدات دينية أو حتى أفلام وروايات يمكن أن ينعكس في أحلامنا، فحتى لو كانت حياتك اليومية مستقرة وخالية من المشكلات والصدمات قد تجد نفسك تحلم بأنك مطارد بسبب مشاهدة فيلم رعب أو التعرض لموقف بسيط يثير التوتر.

لكن حلم المطاردة ليس بالضرورة مؤشرا على مشكلات عميقة، بل قد يكون مجرد انعكاس لتجارب أو مشاهدات يومية تثير استجابات عاطفية في العقل الباطن.

ووفقا لموقع سيكولوجي توداي، فإن الإحساس بالمطاردة في الحلم يعيدنا إلى غرائزنا البدائية المرتبطة بالخوف والرغبة في الهروب.

ومن منظور نفسي لا يعبر هذا الحلم فقط عن تجنب مواجهة الصراعات أو المشاعر غير المحلولة، بل قد يكون أيضا رمزا لمواجهة داخلية.

ويرى كارل يونغ عالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي أن حلم المطاردة يمثل لقاء مع “الظل” في شخصياتنا، وهو الجانب المظلم أو المكبوت الذي يطالب بالاعتراف به.

وتوضح لوري لوينبيرج محللة الأحلام المعتمدة أن الحلم بالمطاردة لا يشير بالضرورة إلى وجود خطر جسدي أو تهديد حقيقي.

وبدلا من ذلك، ترى لوينبيرج أن هذا النوع من الأحلام يعكس رمزية واضحة، فتقول “الحلم بالمطاردة قد يعني أنك تهرب من أمر يحتاج إلى انتباهك بدلا من مواجهته”.

وتشير إلى أن هذا الأمر قد يكون مشكلة لم تحل أو مشاعر مكبوتة تخشى مواجهتها، مضيفة “عندما تتجنب قضايا معينة في حياتك اليومية فقد تظهر على هيئة مطاردة في أحلامك وكأن عقلك الباطن يحاول لفت انتباهك إليها”.

المطاردة كرمز للضغوط اليومية

وتشير لوينبيرج أيضا إلى أن أحلام المطاردة قد تعكس مصادر التوتر والضغوط في حياتنا، مثل الفواتير المتراكمة والمواعيد النهائية والتوقعات العالية، أو التحديات الشخصية التي تبدو ساحقة لدرجة تدفعك إلى تجنبها.

وتؤكد أن الأشخاص الذين يميلون إلى سلوك التجنب قد يعانون من هذه الأحلام بشكل متكرر، وتقول “كلما لجأت إلى الهروب بدلا من المواجهة قد تجد أن هذا الحلم يتكرر كتحذير ضمني من عقلك الباطن”.

وفي المجمل، يعكس حلم المطاردة صراعات داخلية وضغوطا يومية، ويشير إلى الحاجة لمواجهة ما نتجنب التعامل معه في الواقع، سواء كان ذلك مشكلات حياتية أو مشاعر دفينة.

كيف يمكنك تجنب أحلام المطاردة؟

لتقليل احتمالية رؤية حلم المطاردة يمكنك البدء بفهم معناه، حاول التفكير في الأسئلة التي قد تساعدك على تفسير الحلم، مثل: هل تشعر بأنك مطارد في حياتك الواقعية؟ هل هناك شيء تخشاه أو تحاول تجنبه؟ هل تواجه موقفا أو شخصا يسبب لك التوتر؟ أو ربما هناك ذكريات مؤلمة من الماضي تؤثر على حالتك النفسية؟ التعامل مع هذه المشكلات الأساسية أو المخاوف التي قد تكون سببا للحلم يمكن أن يكون الخطوة الأولى لتجنبه.

ومن المهم أيضا عدم تجاهل الحلم عند حدوثه، وبدلا من ذلك حاول الانتباه إلى تفاصيله والمشاعر التي شعرت بها أثناء الحلم.

هذه التفاصيل قد تكشف عن مخاوف أو قلق مخفي لم تكن على دراية به، وإدراك هذه المشاعر وتحديدها هو الخطوة الأولى نحو معالجتها بفاعلية.

التوتر قبل النوم يعد عاملا شائعا يؤدي إلى أحلام مثل المطاردة، ولتقليل هذا التوتر تجنب الأنشطة المرهقة قبل النوم بساعة على الأقل، مثل تناول الطعام الثقيل أو ممارسة الرياضة.

وبدلا من ذلك حاول الاسترخاء بممارسة أنشطة مهدئة، مثل التنفس العميق أو قراءة كتاب أو التأمل، كما يُنصح بترك العمل والأجهزة الإلكترونية خارج غرفة النوم لتوفير بيئة هادئة ومريحة للنوم.

مشاركة تجربتك مع الآخرين يمكن أن تكون مفيدة أيضا، إذا كنت ترى حلم المطاردة بشكل متكرر أو تشعر بالقلق بسببه فتحدّث مع شخص مقرب مثل شريك حياتك أو صديق أو فرد من العائلة، قد يساعدك الحديث على فهم ما يزعجك ومعالجته بفاعلية.

وأخيرا، إذا أصبحت أحلامك مصدرا للقلق الشديد أو أثرت على جودة نومك وحياتك اليومية فقد يكون من الضروري اللجوء إلى مختص نفسي.

ويمكن للمعالج مساعدتك في فهم الأسباب الكامنة وراء هذه الأحلام وتقديم الأدوات المناسبة للتعامل معها، وإن معالجة مشكلاتك اليومية بشكل مباشر هي المفتاح لتحقيق نوم هادئ وخالٍ من الأحلام المزعجة.

شاركها.
Exit mobile version