في السنوات الأخيرة، حظي “العصب الحائر” باهتمام واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم تسجيل أكثر من 125 مليون مشاهدة لمقاطع فيديو لبعض المؤثرين على موقع “تيك توك” (TikTok) وهم يغمرون وجوههم في الماء المثلج، أو يمارسون التنفس العميق، أو يقومون بتدليك الرقبة والأذنين؛ في محاولة لتحفيز أو إعادة ضبط هذا العصب المهم، في استعادة لما اكتشفه العلماء في أواخر القرن الـ19 عندما لاحظوا لأول مرة أن تحفيز هذا العصب يمكن أن يُحسّن الحالة المزاجية؛ وفقا لما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” (nytimes) الأميركية.
وأصبح “العصب الحائر” محط تركيز العلماء لتزايد الأدلة على أن تحفيزه يساعد الجسم على الاسترخاء، كما يُعد مفتاحا لتقليل ضغوط الحياة العصرية، وفي مقدمتها القلق والتوتر. وأشارت أبحاث أولية مؤخرا إلى أن أعراض كوفيد الطويلة يمكن أن تكون بسبب تأثير الفيروس على العصب الحائر.
الكابل السريع لنقل المعلومات
العصب الحائر، أو “فيغس نيرف” (Vagus Nerve)، هو أطول عصب يربط بين المخ والجسم، حيث يبدأ من جذع الدماغ، ثم ينقسم إلى حزمتين على جانبي الرقبة، تنتشران في أعضائنا الداخلية حتى أسفل البطن.
وسُمي بالحائر ربما لتنقله بين التعامل مع حالات الضيق النفسي وما يصاحبها من إحساس بالخوف؛ وحالات الارتياح النفسي وما تحتاجه من إحساس بالأمان؛ بالإضافة إلى دوره في نقل المعلومات بين المخ والجسم بالتبادل ذهابا وعودة، حتى وصفه رئيس معاهد فينشتاين للأبحاث الطبية في نيويورك الدكتور كيفن جيه تريسي بأنه “الكابل السريع لنقل المعلومات”.
وفي طريقه نحو أسفل البطن، يمر العصب الحائر بالأذنين والحنجرة والأحبال الصوتية والحجاب الحاجز لتزويد الدماغ بالمعلومات الحيوية، من أجل الحفاظ على السلامة، والتحذير من الخطر، والإرشاد إلى أسرع الطرق للتعامل مع التهديدات؛ لمساعدتنا على ممارسة الحياة اليومية بمزيد من الهدوء، وتعزيز قدرتنا على المشاركة الاجتماعية.
فهو السبب وراء تسارع دقات القلب واضطراب المعدة عند الشعور بالخطر؛ كما أنه السبب في تحسين المزاج بقيامه بإبطاء التنفس وإرخاء الجسم عند الاستمتاع بالصحبة الجيدة والأوقات السعيدة؛ بحسب موقع “سايكولوجي توداي” (Psychologytoday).
الفرق بين القلق والتوتر
مع أن كليهما يُطلق هرمونات الأدرينالين والكورتيزول، إلا أن الفرق الرئيسي بين القلق والتوتر، بحسب ما نقلت مجلة “فوربس” (Forbes) عن طبيب القلب المعتمد في كاليفورنيا الدكتور جون كينيدي، هو أن القلق يمكن أن يحدث حتى في حالة عدم وجود محفز أو عامل ضغط، ويُسبب شعورا دائما بالعصبية أو عدم الارتياح بشأن حدث وشيك، أو شيء غير مضمون العواقب؛ وهذا القلق المطول هو الذي ينتج عنه التوتر.
حلول عملية لتقليل القلق والتوتر
-
أنماط الحياة الصحية الأساسية
أوضحت أخصائية الطب التكاملي يوفانغ لين، لموقع “كليفلاند كلينك” (Clevelandclinic)، أن تحفيز العصب الحائر يمكن أن يؤدي إلى تقليل التوتر، والتصدي للإشارات التي تسبب القلق من خلال أنماط الحياة الصحية الأساسية التي نسمع عنها طوال الوقت، “مثل المواظبة على ممارسة قدر مناسب من التمارين، واتباع نظام غذائي صحي، والحصول على قسط كاف من النوم”.
وقال الدكتور تريسي “من أجل عافيتك، حاول الحفاظ على نشاط العصب الحائر مرتفعا من خلال اليقظة والتمارين الرياضية والتنفس العميق، فهذه الأشياء جيدة جدا بالنسبة لك”، وأوصي الدكتور كينيدي بالخروج إلى الطبيعة كلما كان ذلك ممكنا.
وبالإضافة إلى التمرين الذي يُعد أحد أفضل الأعمال التي يمكننا القيام بها لتخفيف التوتر والقلق، تقترح أخصائية الإجهاد والأرق جوليا كوغان “الانخراط مع الأصدقاء في الأنشطة الترفيهية، إلى جانب تحسين النوم كطريقة رئيسية لإبعاد القلق”.
-
التنفس البطني العميق
فقد وجدت إحدى الدراسات أن التنفس البطني العميق “يطلق قدرات العصب الحائر المضادة للقلق والتوتر”. وأشار الدكتور كينيدي إلى أن التنفس العميق “يرتبط ارتباطا وثيقا بتحفيز العصب الحائر”، وخاصة عند ممارسته بانتظام؛ على عكس التنفس السطحي “الذي يمكن أن يجعلنا نشعر بمزيد من التوتر”.
لذلك ترى كوغان أن تمرين التنفس البطني هو التقنية الأفضل والأسهل لتخفيف حدة القلق والتوتر، والتي يمكن ممارستها في أي وقت من اليوم وعلى أية وضعية، مُستلقيا أو جالسا أو واقفا بقامة منتصبة، كالتالي:
- وضع إحدى يديك على بطنك والأخرى على صدرك، وتخيل معدتك “بالونا” يمتلئ بالشهيق، ويفرغ بالزفير.
- البدء في التنفس من الأنف مع العد البطيء لمدة ثانيتين حتى تشعر بارتفاع بطنك أثناء الشهيق.
- تسريب الزفير ببطء، كأنه نفخ طويل يخرج من شفتين مضمومتين لإطفاء شمعة؛ مع العد البطيء لثلاث ثوان حتى تشعر بالبالون المتخيل في معدتك وكأنه ينكمش؛ مع الإبقاء على يدك ثابتة فوق صدرك. فإخراج الزفير في فترة أطول من الشهيق “يحفز العصب الحائر لإطلاق مادة أستيل كولين الكيميائية، التي تُبطئ ضربات القلب وتُخفض ضغط الدم”؛ وفقا لصحيفة “هافينغتون بوست” (Huffingtonpost).
- تكرار التمرين كلما شعرت بالراحة، مع زيادة مدة الشهيق والزفير بالتدريج.
-
التعرض للبرودة
يقول الدكتور تريسي إن “حبس الأنفاس وغمر الوجه في الماء البارد يمكن أن يؤديا إلى رد يبطئ ضربات القلب ويضيق الأوعية الدموية”. كما وجد باحثون في جامعة أوتاوا أن التعرض للبرودة بانتظام، أو إنهاء الاستحمام بما لا يقل عن 30 ثانية من الماء البارد، أو غمر الوجه في الماء المثلج، “يمكن أن ينشط العصب الحائر”.
-
الغرغرة والضحك والغناء
أيضا، لأن العصب الحائر يمر عبر الأحبال الصوتية، يرى الباحثون الكنديون أن الطريقة البسيطة والممتعة لتنشيطه هي “الضحك بوصفه مخففا طبيعيا للتوتر في حد ذاته؛ وكذلك الغناء أو الدندنة، أو الغرغرة؛ فكلها أمور تُنشط عضلات هذا الجزء الهام من الجسم، وتحفز العصب الحائر لتهدئة القلب”.
-
التدليك الذاتي
التدليك الذاتي بلطف للرقبة والكتفين وخلف الأذنين، وبشكل أخص للقدمين، “هو أمر رائع للراحة والاسترخاء، ويُوفر مزيدا من التحفيز المباشر للعصب الحائر”.