هل لديك صديق يدّعي أنه بجانبك دائما، ويقول إنه يقدم لك “تضحيات عظيمة” لم تطلبها، في حين لا يكف عن لومك لعدم تقدير جهوده، وأنك لا تقف بجانبه عندما يحتاجك؟ في الغالب، يعاني هذا الصديق مما يُعرف بـ”عقدة الشهيد”.

فيما يلي نستعرض خفايا هذه العقدة، وأسبابها، وكيفية التعامل معها بذكاء لتبني علاقة صحية ومتوازنة.

ما “عقدة الشهيد”؟

غالبا ما يستخدم مصطلح “عقدة الشهيد” (Martyr complex)، على سبيل المزاح لوصف الأشخاص الذين يبالغون في لعب دور الضحية، التي تقدم ما بوسعها لإرضاء الآخرين، ولا تحصل في المقابل على التقدير والامتنان الكافي.

في علم النفس لا يوجد تشخيص رسمي للمصابين بـ”عقدة الشهيد”، مع ذلك يستخدم هذا المصطلح بشكل شائع لوصف أنماط معينة من الشخصيات التي تضحي باحتياجاتها في سبيل تلبية احتياجات الآخرين وتوقعاتهم ويصعب عليها قول “لا” أو رفض أي طلب يطلب منها، مما يجعلها دائما عرضة للإرهاق النفسي الناتج عن سلوك “الاستشهاد”.

وفي كثير من الأحيان، يتحدث المصابون بهذه العقدة عن تضحياتهم بشكل مستمر في انتظار حصولهم على إعجاب الآخرين وثنائهم.

من أبرز  أسباب “عقد الشهيد” العجز عن تلبية الاحتياجات أو التعرض للاستغلال أو الشعور بنقص التقدير وضعف الثقة بالنفس (شترستوك)

أنواع المصابين بـ”عقدة الشهيد”

تختلف عقدة الشهيد عن “عقدة المنقذ” الذي يشعر بحاجة قوية لـ”إنقاذ” الآخرين من منطلقات نبيلة، ولا يتوقع أن يحصل في المقابل على أي مكافآت مادية. وبسبب شعوره بنبل أعماله البطولية، لا ينتظر كذلك شكرا أو ثناء من أحد.

في المقابل، غالبا ما ينتظر المصابون بعقدة الشهيد الثناء والتقدير والإعجاب من الآخرين، وهنا تبرز شخصية “الشهيد النرجسي”.

وانتظار المقابل هو دافع أساسي أيضا لتقديم التضحيات بالنسبة لـ”الشهداء” في مكان العمل، أو “الشهداء” على صعيد الصداقات الشخصية.

وفي حين أنه من الممكن أن توجد دوافع نبيلة في بعض الحالات وراء “عقدة الشهيد”، فإنها لا تزال عقدة إشكالية قد تدمر صاحبها.

فيما يلي الأنماط الأربعة الأكثر شهرة من الأشخاص المصابين بعقدة الشهيد:

  • النرجسي: على الرغم من أن التضحيات التي يقدمها المصابون بعقدة الشهيد قد تبدو مثيرة للإعجاب، فإنها في كثير من الأحيان لا تصدر عنهم نتيجة حبهم للإيثار وتفضيل الآخرين على أنفسهم.

على سبيل المثال، عادة ما يكون لدى الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية النرجسية “إن بي دي” حاجة مستمرة لإثارة إعجاب من حولهم، وبالتالي قد تلعب هذه الحاجة دورا في ميل الشخصية النرجسية لتأدية دور “الشهيد” فيقوم بإبداء سلوكيات التضحية والإيثار فقط ليحظى في المقابل على الاحترام والثناء والإعجاب.

كذلك، قد يستخدم بعض الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية النرجسية هذا السلوك كشكل من أشكال التلاعب والسيطرة.

  • ذو الدوافع النبيلة: من الممكن أن تكون هناك دوافع نبيلة بالفعل وراء سلوك التضحية الذي يبديه المصابون بعقدة الشهيد، وفي هذه الحالات، من الممكن أن تكون هذه العقدة مدمرة لصاحبها وسببا أساسيا في إرهاقه النفسي واحتراقه العاطفي، وينطبق ذلك بشكل أساسي على الآباء والأمهات الذين يقعون بسهولة ضحايا لعقدة الشهيد.

فغالبا ما يرجح الآباء سعادة أبنائهم على حساب سعادتهم الشخصية، كما يفضلون تلبية الاحتياجات المالية لأبنائهم حتى لو كان ذلك يعني أنه عليهم العمل بشكل مضاعف أو مرهق أو فوق طاقتهم على الاحتمال. أيضا، تضحي الأمهات بأوقاتهن وصحتهن الجسدية والنفسية في سبيل تلبية احتياجات أبنائهن.

  • المتفاني في العمل: كثيرا ما تلاحظ عقدة الشهيد في أماكن العمل، فالمصابون بهذه العقدة لا يثقون بالأشخاص الآخرين ويصرون على إنجاز جميع المهام بأنفسهم، لاعتقادهم بأنهم الوحيدون القادرون على إنجاز هذه المهام على “النحو الصحيح”، وفي الوقت نفسه غالبا ما يشتكي هؤلاء بأنهم مضطرون لعمل كل شيء بأنفسهم.

وفي واقع الأمر قد يكون بحثهم عن الثناء والامتنان هو الدافع الأساسي وراء تفانيهم المفرط في العمل، وهو ما يفسر شعورهم بالاستياء وخيبة الأمل إن لم يحصلوا على الإشادة التي يعتقدون أنهم يستحقونها.

بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي انعدام الأمان الوظيفي أو الرغبة في زيادة الراتب أو المكافأة أو الترقية إلى الاستشهاد في العمل.

  • الصداقات المبنية على عقدة الشهيد: تلاحظ عقدة الشهيد بكثرة بين الأصدقاء كذلك، إذ يميل البعض لتلبية احتياجات أصدقائهم وتقديم يد العون لهم حتى لو لم يطلب منهم ذلك، ثم يشتكون لاحقا من عدم وُجود هؤلاء الأصدقاء إلى جانبهم وقت الحاجة، ويتذمرون من علاقة الصداقة غير المتوازنة التي يقدمون في سبيلها العديد من التضحيات، ولا تتم معاملتهم بالمثل في المقابل.
من الممكن أن توجد دوافع نبيلة في بعض الحالات وراء “عقدة الشهيد” لكنها تبقى عقدة إشكالية قد تدمر صاحبها (شترستوك)

علامات “عقدة الشهيد”

يسهل تحديد المصابين بعقدة الشهيد من خلال ملاحظة سلوكياتهم العامة، إذ قد يميل هؤلاء لاتباع بعض السلوكيات التالية، أو جميعها:

  • يعجزون عن قول “لا”: غالبا ما يواجه المصابون بعقدة الشهيد صعوبة في رفض أي طلب يطلب منهم. وقد يشعرون غالبا بالاستياء لموافقتهم على تلبية طلبات الآخرين، إلا أنهم بذات الوقت يعجزون عن قول “لا”.
  • السلوك السلبي العدواني: من المرجح أن يتصرف المصابون بعقدة الشهيد بشكل سلبي وعدواني، خاصة إن لم يحصلوا على الثناء الذي يتوقعونه.
  • الحاجة الدائمة للتقدير: يطلب المصابون بعقدة الشهيد من الأشخاص المحيطين بهم تقديم التقدير لجهودهم وإبداء الإعجاب بالتضحيات التي يقدمونها.
  • يعتقدون أنهم ضحايا المؤامرات الخارجية: غالبا ما يشعر المصابون بعقدة الشهيد بأن العالم بأسره ضدهم، وأنهم ضحية للظروف المحيطة بهم، ولا يعتقدون أنهم مسؤولون عن أي موقف سلبي قد يتعرضون له، كما لا يشعرون بأن عليهم أن يلعبوا دوراً لتحسين ظروفهم.
  • سردية البطل: غالبا ما يخلق هؤلاء الأشخاص قصصا يصورون فيها أنفسهم على أنهم “أبطال” في العديد من المواقف، وبأنهم من يتدخل في الوقت المناسب لحل المشاكل، على اعتبارهم الوحيدين القادرين على أداء مثل هذه المهام.
  • العمل بصورة فردية: نظرا لأنهم لا يثقون في عمل الآخرين، غالبا ما يميل المصابون بعقدة الشهيد إلى العمل بمفردهم.

في المقابل، فإن الأشخاص الأصحاء الذين لا يعانون من هذه العقدة، غالباً ما يستطيعون التعبير عن رغباتهم بوضوح، ويرسمون حدوداً واضحة ما بينهم وبين الآخرين، ويعلمون أنهم ليسوا الوحيدين المؤهلين والقادرين على القيام بالمهام على وجه صحيح، والأهم من ذلك، لا ينتظرون الثناء ولا يتوقعون الحصول على مقابل بعد تقديم يد المساعدة للآخرين.

أسباب “عقدة الشهيد”

عقدة الشهيد ليست صفة يولد بها الإنسان، بل هي سلوك مكتسب ينشأ نتيجة عوامل متعددة. من أبرز هذه العوامل عجز الشخص عن تلبية احتياجاته الخاصة، أو تعرضه للاستغلال، أو شعوره بنقص التقدير وضعف الثقة بالنفس، مما يدفعه إلى البحث عن الإعجاب والتقدير من الآخرين.

وتتطور هذه العقدة غالبا في مرحلة الشباب، لكنها قد تكون أيضا انعكاسا لطفولة صعبة. فالطفل الذي يعاني من إهمال الوالدين ويجد نفسه مضطرا لتلبية احتياجاته بنفسه، بسبب عدم تلقي الدعم من أقرب الناس إليه، قد يحمل هذا الشعور معه إلى مراحل عمرية لاحقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب التقدير الكافي من الأبوين يمكن أن يجعل الطفل يسعى باستمرار للحصول على القبول والإعجاب من المحيطين به.

كيفية التغلب على “عقدة الشهيد”

تُعد عقدة الشهيد في أغلب الحالات سلوكا غير صحي، إذ إن دوافعها قد لا تكون دائما نابعة من رغبة صادقة في مساعدة الآخرين. وحتى مع النوايا الحسنة، تُرهق هذه العقدة صاحبها نفسيا، مما يجعل التخلص منها أمرا ضروريا.

ويؤكد علماء النفس أن الخطوة الأولى للعلاج هي إدراك الشخص للمشكلة وتحمله مسؤولية حلها. ويمكن البدء بتعلم وضع حدود واضحة في العلاقات، والقدرة على رفض الطلبات غير الضرورية، بالإضافة إلى تعزيز الثقة بالنفس، والشعور بالرضا الذاتي لتقليل الحاجة إلى تعاطف الآخرين وإعجابهم.

وفي حال واجه المصاب صعوبة في ذلك، يُنصح بالاستعانة بمختص نفسي لتحديد الأسباب ووضع خطة علاجية مناسبة.

نصائح عملية

للتغلب على عقدة الشهيد، يمكن اللجوء إلى أنشطة مثل الرياضة، واليوغا، والتأمل، التي تعزز التركيز على الذات. كما يُنصح بممارسة هوايات ممتعة تُشعر الشخص بالإنجاز بعيدا عن التقدير الخارجي.

وأخيرا، يمكن أخذ إجازة قصيرة لتخفيف الإرهاق النفسي وإعادة التوازن، خاصة لمن يعانون من الضغط الناتج عن العمل أو العلاقات.

شاركها.
Exit mobile version