|

يعترف أحمد مالك في أحد البرامج الحوارية بأنه لم يتخيل لنفسه مستقبلا سوى التمثيل منذ طفولته، فهو تبعا لكلماته لم يكن طفلا عاديا، بل طفلا ممثلا. ليس طفلا نجما على شاكلة فيروز أو ماكولي كولكين، إنما محدود الشهرة لا يظهر سوى في الإعلانات التلفزيونية. لكن وجوده أمام الكاميرات منذ صغره جعله يقع في حب فن التمثيل، الحب الذي شكل حياته بعد ذلك وجعله أحد ألمع نجوم جيله وهو لم يتجاوز الـ30 بعد.

أحمد مالك ممثل مصري، بدأ التمثيل طفلا، وحتى اليوم شارك في العديد من الأفلام والمسلسلات، منها تجارب عالمية عُرضت في مهرجانات مختلفة حول العالم.

الفكاك من فخ الطفل النجم

تضع تجربة التمثيل في سن مبكرة مجموعة من التحديات أمام الممثل الناشئ، فمن جهة، تمنحه خبرة عملية في مواقع التصوير، وتعزز فهمه لديناميكيات العمل والعلاقات المهنية في المجال. ومن جهة أخرى، قد تؤدي هذه التجربة أحيانا إلى احتراق مبكر للمواهب، خاصة عندما يتعرض الأطفال الممثلون للظهور المكثف في أعمال لا تناسب قدراتهم، أو يتم استغلالهم تجاريًا في مرحلة لا يملكون فيها السيطرة على مسارهم الفني.

تمكن أحمد مالك من تجنب هذا المصير بفضل شهرته المحدودة في طفولته، والتي نمت تدريجيا خلال مراهقته، مما أتاح له اكتساب الخبرة دون أن يحترق فنيا. هذا التوازن ساعده على اتخاذ خيارات فنية مدروسة، تميز معظمها بجودته وملاءمته لموهبته.

بدأ مالك مشواره على الشاشة بعد عدة سنوات من التمثيل في الإعلانات، حيث ظهر لأول مرة في مسلسل “أحلامنا الحلوة” عام 2005 وهو في العاشرة من عمره، ثم تبعه ظهوره في فيلم “مفيش فايدة”، والفيلم القصير “زي بعض”. ورغم أن هذه الأدوار لم تكن لافتة، فإن فرصته الحقيقية جاءت عام 2010، حين بدأ نجمه في الصعود بشكل أكبر.

ميز المشاهدون اسم أحمد مالك أول مرة عند ظهوره في مسلسل أحدث ضجة كبيرة في 2010، وهو مسلسل “الجماعة” من إخراج محمد ياسين وتأليف وحيد حامد، ليتحول إلى أشهر ممثل مصري تقريبا يقدم أدوار المراهقين في هذه الفترة.

استمرت هذه المرحلة من 2010 حتى 2016، شارك خلالها في أكثر من عمل تلفزيوني مع الممثلة غادة عبد الرازق ومحمد سامي، بالإضافة إلى الجزء الثاني من فيلم “الجزيرة”، وفيلم “هيبتا” و”أهواك”. وبعيدا عن الأعمال التجارية، شارك كذلك في فيلم “اشتباك” من إخراج محمد دياب، وهي تجربة أكثر فنية، حيث عُرض الفيلم في مهرجان كان السينمائي في مسابقة “نظرة ما”، ويُجرب فيه مالك مذاق الأفلام ذات النجاح العالمي، وتتجاوز المحلية، ولا تستهدف فقط إيرادات شباك التذاكر، وهو الأمر الذي سيسعى إليه بنفسه في مراحل لاحقة من مسيرته الفنية.

البطولة لأول مرة

تقدم مالك خطوات عدة للأمام في 2017، وذلك عبر “لا تطفئ الشمس” و”شيخ جاكسون”. الأول مسلسل تلفزيوني عُرض بشكل واسع خلال شهر رمضان ذلك العام، وتشارك بطولة العمل عدد من الوجوه التي أصبحت من الألمع في السنوات التالية، مثل محمد ممدوح وأمينة خليل. وحصل فيه أحمد مالك على دور، ربما ليس أكبر من أدواره السابقة من حيث المساحة، إنما هو أفضل من ناحية التغيرات التي تخضع لها الشخصية على مدار أحداث المسلسل، من شاب برجوازي مدلل، إلى آخر يُسقط عائلته من حساباته، ويبدأ حياة جديدة أكثر خشونة.

في حين يحصل في “شيخ جاكسون” على دور بطولة لأول مرة، وبعيدا عن مصطلح البطولة أو الأدوار الأولى، فهو فيلم تختلف فيه مسيرة مالك قبل هذا العمل عما بعدها. هنا يقدم فيلما مدفوعا بتطور الشخصية، حيث يمر البطل الشاب بتحولات فكرية مر بها الكثير من المراهقين واليافعين أبناء هذا الجيل.

لم يحصل مالك على فرصة موازية من حيث الأهمية إلا بعد عامين آخرين، في فيلم “الضيف”، الذي على الرغم من عيوبه الفنية الواضحة، مثل الخطاب شديد المباشرة الذي لا يتناسب مع الوسيط الفني، فإنه امتلك القدرة على تقديم الشخصية المتلونة التي تبدو لأول وهلة شابا عاديا يرغب في خطبة فتاة جميلة، ثم يتحول إلى آخر موتور مدفوع بمبادئ وأفكار تفقده القدرة على التفكير المنطقي.

الخروج من حيز المحلية

خلال السنوات الخمس الأخيرة، قام أحمد مالك بخطوات غير متوقعة لشاب وصل إلى أدوار البطولة وهو لم يتجاوز الـ23 من عمره، على رأسها سفره إلى المملكة المتحدة لدراسة الدراما في الأكاديمية الملكية لفنون الدراما. الأمر الذي فسره بأنه يرغب في فهم نفسه أكثر، وفهم أدواته كممثل، قبل أن يعود لمصر ويعمل بهذه الأدوات بصورة مختلفة.

بينما تتمثل الخطوات الأخرى في سعيه للاشتراك في أفلام عالمية أو إنتاجات مشتركة، الأمر الذي يتطلب آليات مختلفة، مثل تجارب الأداء المتعددة، والمنافسة مع ممثلين آخرين من جنسيات مختلفة، دون الاستناد إلى شهرته وجماهيريته لدى المتفرج المصري أو العربي. وقد شارك عام 2020 في فيلم “حارس الذهب” (The Furnace)، وهو إنتاج أسترالي عُرض خلال فعاليات مهرجان فينيسيا السينمائي، بالإضافة إلى فيلم “السباحتان” (The Swimmers) في 2022، وهو دراما رياضية من إخراج سالي الحسيني، الذي عُرض في مهرجان تورنتو السينمائي.

ولاد الشمس ومرحلة جديدة من النضج

عُرض لأحمد مالك خلال شهر رمضان 2025 مسلسل “ولاد الشمس” والذي يتشارك بطولته مع طه دسوقي ومحمود حميدة، ولكن ما يميز هذا المسلسل بالنسبة لمسيرته ليس كونه بطولة مشاركة، أو مساحة دوره، بل أداؤه الممتاز الذي جعله ينافس على صدارة المشاهدات خلال الشهر الكريم، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.

أحمد مالك وطه الدسوقي بطلا مسلسل “ولاد الشمس” (مواقع التواصل الاجتماعي)

قدم مالك “ولاد الشمس” دور ولعة، الشاب اليتيم الذي تربى في ملجأ للأيتام، ومع الزمن تحول زملاؤه إلى أخوة له، وعلى رأسهم مفتاح (طه دسوقي)، ورغم سعي ولعة الحثيث للبحث عن والدته البيولوجية، فإن ذلك لم يفصله عن واقعه، الذي يحاول أن يغيره بضمان مستقبل أفضل لزملاء الملجأ خصوصا الصغار منهم، وقدم مالك في الحلقة الأخيرة من المسلسل أحد أفضل أداءاته على الإطلاق، في مشهد سيتذكره الكثيرون في السنوات القادمة.

سيبلغ أحمد مالك هذا العام 2025 الـ30، ورغم عمره القصير، فإنه يمتلك مسيرة فنية ذات خطوات ثابتة للأمام، ومعارف وأدوات تتيح له اختيار أدوار أفضل وأهم في السنوات القادمة.

شاركها.
Exit mobile version