مع بدايات مايو/أيار الجاري غادر أكثر من 11 ألف كاتب سيناريو تلفزيوني وسينمائي مكاتبهم ووظائفهم معلنين إضرابهم عن العمل، بسبب انخفاض أجورهم في عصر المنصات الإلكترونية.

تبدو مطالبهم بالتأكيد منصفة في ظل تردي حال كتاب السيناريو في هوليود مقارنة مع باقي أضلاع صناعة الترفيه الأميركية، ولكن على الجانب الآخر ظهر مؤخرا ما قد يهدد وجودهم، وهو الذكاء الاصطناعي القادر على الكتابة، وعدّه الكثير من الكتاب والمترجمين في كل المجالات تهديدا حقيقيا لمهنتهم.

تأثير على البرامج الحوارية

أطلق كتاب هوليود أول إضراب لهم منذ عام 2007، وتوقفوا عن العمل في مشروعات الأفلام والمسلسلات والبرامج الجارية للضغط على الإستوديوهات الكبيرة لزيادة أجورهم.

يشمل الإضراب أكثر من 11 ألف كاتب، معظمهم في لوس أنجلوس ومدينة نيويورك، حيث خططت النقابات للاعتصام، ومن المتوقع ألا ينتج الكتاب عملا جديدا لإستوديوهات هوليود، وأثر توقف العمل فعلا على البرامج الحوارية التي توقف أغلبها، ولكن سيكون هناك تأخير قبل أن يرى المشاهدون آثار الإضراب المطول على البرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية وتغيير مواعيد عرضها.

وصرح الكتاب أن السبب وراء الإضراب هو صعوبة الحصول على راتب ثابت وكاف مع ازدهار منصات البث الإلكترونية، التي تستخدم عادة طواقم كتابة أصغر وتعرض عددا أقل من الحلقات في الموسم مقارنة بعروض الشبكات التقليدية، التي كان تمتد حلقات الموسم الواحد منها إلى أكثر من 20 حلقة.

ويقول الكتاب أيضا إن نظام المدفوعات عند إعادة استخدام العمل -كما هو الحال في إعادة تقديم الفيلم في التلفزيون أو بيع أقراص الفيديو الرقمية- تم تقويضه بسبب التحول إلى منصات البث مثل نتفليكس.

وفي علامة على مدى إحباط الكتاب، أجرت النقابات مؤخرا تصويتا على تفويض الإضراب أعطى فيه ما يقرب من 98% من قادة النقابات الضوء الأخضر للدعوة إلى إضراب، وشارك ما يقرب من 80% من الأعضاء المؤهلين في هذا التصويت، وقالت النقابات إن كلا الرقمين يعبران عن مستويات قياسية بالنسبة لأي إضراب سابق.

تقنية “شات جي بي تي” وكتابة السيناريوهات

أطلق ظهور نموذج أولي مجاني لروبوت الدردشة “”شات جي بي تي” (ChatGPT)، الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أجراس الإنذار حول الاضطراب الذي يمكن أن يحدثه روبوت الدردشة هذا في عمل كتاب السيناريو.

وقد أبهر الكثيرين بقدرته على الكتابة المتطورة والسلسة لقصائد ومقالات وسيناريوهات أفلام، ومع ذلك فإن كبار كتاب السينما والتلفزيون شككوا وقت صدوره في أن هذه التكنولوجيا في حالتها الحالية تعرض سبل عيشهم للخطر بأي شكل من الأشكال.

حتى الآن، هذه التكنولوجيا تبدو واعدة كأداة إبداعية معاونة يمكن أن تساعد في الخطوات التي تستغرق وقتا طويلا للكُتَاب، مثل متابعة أسماء شخصيات أو التفاصيل الروتينية في السيناريو التي تتعلق بمكان تصوير المشهد ويمكن أن تقدم أيضا أفكارا تدعم الحبكة أو الشخصيات.

وصرح كاتب السيناريو والأكاديمي “هوارد آي رودمان” (Howard A. Rodman) لموقع “ذا هوليوود ريبورتر” (The Hollywood Reporter) أن تقنية “شات جي بي تي” تدعو للقلق، خاصة فيما يتعلق بالتحسينات المستقبلية لهذا النوع من التكنولوجيا.

ويصف القدرة الواضحة لهذا البرنامج على تحسين استجاباته كلما زادت المطالبات التي يتلقاها “تقشعر لها الأبدان قليلا”، لكنه يضيف “لا ينبغي للكتاب أن يعموا أنفسهم عن الطرق التي يمكن أن تكون بها تقنية الذكاء الاصطناعي مفيدة، يجب أن يكونوا أيضا على دراية بالفرص التي توفرها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لأصحاب العمل ومديري الإستوديوهات والمنصات من توفير النفقات”.

هل نشاهد مسلسلات مكتوبة بالذكاء الاصطناعي؟

مع استمرار إضراب الكتاب بدأ فعلا النقاش حول تأثير الذكاء الاصطناعي على عملهم، وطالبت النقابات العمالية للكتاب بمنع الإستوديوهات من استخدام هذه البرامج لكتابة أو إعادة كتابة المواد الأدبية، وحظر استخدام أعمال كتاب الرابطة لتدريب الذكاء الاصطناعي.

 

في حين أن المعركة الحالية ليست حول حماية الكتاب من التكنولوجيا المستقبلية، بل قضية الأجور غير العادلة، ولكن كتاب السيناريو يعلمون أن الإستوديوهات قد تميل إلى استخدام الذكاء الاصطناعي عاجلا وليس آجلا إذا استمر إضرابهم، وقد عُرضت الشهر الماضي حلقة من مسلسل الرسوم المتحركة “ساوث بارك” (South Park) كُتبت “جزئيا” باستخدام “شات جي بي تي”.

بالتأكيد الذكاء الاصطناعي غير قادر في المرحلة الحالية على الحلول محل الكتاب بشكل كاملة، ولكن في بعض الأحوال قد يكون من الممكن استخدامه في المسلسلات التي تعتمد على البناء نفسه لكل حلقة كمسلسل “القانون والنظام” (Law & Order)، فهو صيغة متكررة تتألف من حادثة ما والتحقيق فيها وتعتمد على جرائم حقيقية، لذا يوجد مصدر البيانات التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي لكتابة الحلقات.

وقد لا تقدم هذه البرامج الحلقة بالكامل، ولكنها تستطيع كتابة 80% بينما يعمل الكتاب الذين لم يشاركوا في الإضراب، على تحسين هذه النصوص الأولية للوصول إلى سيناريو متكامل.

صناعة الترفيه الأميركية كأي صناعة أخرى تستهدف الربح الأكبر بأي وسيلة ممكنة، وضغط الكتاب للحصول على أجور عادلة قد يكون الدافع لهذه الإستوديوهات للاستثمار أكثر في تحسين الذكاء الاصطناعي وتقليل الفجوة الحادثة الآن بين العمل الفني البشري وذلك المبني على التكنولوجيا.

وقد حصل الكتاب مؤخرا على دعم من البيت الأبيض، ففي مؤتمر صحفي قال الرئيس الأميركي جو بايدن “آمل مخلصا أن يتم حل إضراب الكتاب في هوليود، ويتم الاتفاق معهم اتفاقا عادلا يستحقونه في أسرع وقت ممكن”، ولكن قد لا يكون هذا كافيا لحماية صناعة السيناريو من المد التكنولوجي القادم.

شاركها.
Exit mobile version