حظرت مدينة “كان” الفرنسية التظاهر وتنظيم المسيرات الاحتجاجية على طول شاطئ كروازيت، حيث يقام مهرجان كان السينمائي الدولي، وذلك قبل ساعات من افتتاح الدورة رقم 77، والتي تأتي في ظل اشتعال غضب الرأي العام العالمي ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني المحاصر.

وقال رئيس المهرجان تييري فريمو في مؤتمر صحفي عشية احتفالات ليلة الافتتاح “قررنا هذا العام أن يكون المهرجان بدون جدلية، لنحرص على أن يكون الاهتمام الرئيسي لنا جميعاً هو السينما، فإذا كانت هناك جدليات أخرى فهذا لا يعنينا”.

ولم يمنع تصريح فريمو الفنانين المشاركين في مهرجان كان من النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ كتب عضو لجنة تحكيم المهرجان الفنان عمر سي على صفحته في “إنستغرام” قائلا “ليس هناك ما يبرر قتل الأطفال في غزة أو أي مكان آخر”.

وجاء قرار إدارة المهرجان مغايراً للموقف الذي تم تبنيه بنسخة 2022 إبان اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، حين ظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر الفيديو في حفل الافتتاح، ووعد بأن بلاده ستنتصر وسط تصفيق الجمهور.

وعام 2018، سُمح بمظاهرة ضمت أكثر من 80 امرأة بينهن النجمات كيث بلانشيت وكريستين ستيوارت وسلمى حايك، وغيرهن ممن طالبن بالمساواة بين الرجال والنساء في صناعة السينما.

غير أن إدارة المهرجان قررت العام الماضي إلغاء فقرة كان من المفترض أن يظهر فيها زيلينسكي نفسه عبر تسجيل فيديو يسبق عرض فيلم “قتلة زهرة القمر” (Killers Of The Flower Moon) -حسب مجلة “فارايتي” المختصة بشؤون الفن- كما طُردت إحدى المؤثرات الأوكرانيات من المهرجان بعد أن غمرت نفسها بدماء مزيفة احتجاجاً على الحرب الروسية على أوكرانيا.

الرموز الفلسطينية

ولم تكتف إدارة مهرجان “كان” بمنع التظاهر، بل قررت أيضاً حظر أي رموز فلسطينية يحملها الفنانون في صورة دبابيس وأعلام تشير إلى التضامن مع المدنيين، مستعينة بفريق أمني خاص ليرافق أعضاء لجنة تحكيم المسابقة، رغم موافقتها في البداية على ارتداء الفنانين العرب دبابيس تظهر دعمهم للفلسطينيين في غزة.

وتتخذ سلطات المدينة الفرنسية احتياطات أمنية أكثر تشدداً مما شهدته السنوات الأخيرة، أملاً في تجنب ما حدث في مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن” الأسبوع الماضي حيث تجمع آلاف المتظاهرين بمدينة مالمو السويدية المضيفة للمهرجان للتنديد بالحرب الإسرائيلية على غزة.

تسعى سلطات مدينة كان لتجنب ما حدث في مالمو السويدية الأسبوع الماضي بالتزامن مع فعاليات مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن” (رويترز)

وقال الأمين العام للمهرجان فرانسوا ديسرو “هذا العام، كان لدينا 15 جداراً أمنياً مقارنة بـ4 أو 5 فقط العام الماضي، لذا يمكنني أن أقول لك إن الأمر خطير للغاية (..) لدينا كاميرات تعمل بالذكاء الاصطناعي لأول مرة، وبدأنا أيضاً استخدام بوابات أمان جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي تسمح لرواد المهرجان بالمرور عبر الأمن بشكل أسرع دون الحاجة إلى إفراغ جيوبهم وإظهار حقائبهم”.

الافتتاح والأفلام

وتأتي دورة “كان” هذا العام وسط تحديات فنية وتشغيلية لا تقل صعوبة عن السياسية، حيث أكدت المجموعة الاحتجاجية والتي يطلق عليها “تجمع العمال غير المستقرين بالمهرجانات السينمائية” خططهم للإضراب خلال فترة انعقاد المهرجان.

وتضم المجموعة ما يصل إلى مئتين من عمال المهرجانات السينمائية الفرنسية احتجاجا على تدني الأجور التي يتلقونها، ومن بينهم العاملون في مهرجان “كان” بما في ذلك الذين يعملون بالاختيار الرسمي، ومسيرة المهرجان السينمائية، والأقسام الموازية لأسبوع المخرجين وأسبوع النقاد.

واضطرت إدارة المهرجان إلى التفاوض مع المجموعة والخضوع لمطالبها بعد أن أصدر أول بيان رسمي له ردًا على خطط الإضراب المقترح، وقال فيه إنه يدرك “الصعوبات التي يواجهها بعض موظفيه الذين يتأثرون، والذين يعملون على سلسلة من العقود لمهرجانات سينمائية”.

وتابع البيان “نحن مستعدون لتهيئة ظروف الحوار الدائم لدعمها. وإدراكًا منا للأصوات التي يمثلها مهرجان كان، فإننا نتفهم توقيت هذه المطالب. ولكن من أجل القيام بتفكير بناء يهدف إلى إصلاح وضع هؤلاء العمال، يتعين على كافة المهرجانات المعنية والمؤسسات والنقابات أن تجتمع حول طاولة المفاوضات. هذا هو العمل الذي يجب الآن القيام به بشكل جماعي”.

كوميديا الافتتاح

واختار المهرجان أن يكون افتتاحه كوميديا وسط أجواء التوتر غير المسبوقة، حيث يعرض فيلم “الاختيار الثاني” (Le Deuxième Acte) للمخرج كوينتن دوبيو، ويعرض خارج المنافسة، ويدور حول فتاة تدعى فلورنسا تريد تعريف الرجل الذي تحبه بجنون إلى والدها، لكنها تصطدم بحقيقة مرة.

فيلم “الاختيار الثاني” للمخرج كوينتن دوبيو من بطولة ليا سيدو والتي تلعب دور فلورنسا، ولويس غاريل (ديفيد) وفينسنت ليندون ورافاييل كوينارد، ومن سيناريو كوينتن دوبيو.

ومنح المهرجان السعفة الذهبية الفخرية لعدد من رواد السينما حول العالم، وهم النجمة العالمية صاحبة ثلاثية الأوسكار ميريل ستريب، والأميركي جورج لوكاس مخرج سلسلة أفلام “حرب النجوم” (Star Wars). وللمرة الأولى يمنح المهرجان السعفة الذهبية الفخرية لأحد الأستوديوهات وهو “غيبلي” الذي قدم العديد من أفلام “أنمي” على مدى عقود، وأسسه الياباني هاياو ميازاكي وإيساو تاكاهاتا.

وتضم لجنة تحكيم المهرجان المخرجة اللبنانية نادين لبكي التي فاز فيلمها “كفر ناحوم” بجائزة لجنة التحكيم بمهرجان عام 2018، والممثلة العالمية ليلي غلادستون المرشحة لجائزة الأوسكار عن “قتلة زهرة القمر” (Killers of the Flower Moon)، والممثلة إيفا غرين، والفرنسي عمر سي، والمؤلف إبرو سيلان الذي شارك في كتابة “نعاس الشتاء” (Winter Sleep) للمخرج التركي نوري بيلغي جيلان الحائز على السعفة الذهبية لعام 2014.

ومن بين أعضاء لجنة التحكيم المخرج خوان أنطونيو بايونا الذي رشح عمله الأخير “مجتمع الثلج” (Society of the Snow) لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم طويل دولي، والممثل الإيطالي بييرفرانشيسكو فافينو الذي يشارك أجلينا جولي بطولة “ماريا” (Maria) للمخرج بابلو لارين، والمخرج كوري إيدا هيروكازو.

ويعود المخرج الأميركي فرنسيس فورد كوبولا في الدورة الـ77 بفيلم “ميغابوليس” (Megalopolis) وقد بدأ تطويره منذ الثمانينيات، وقام بتمويله بما يزيد على 120 مليون دولار، وقد أنتجه بعد ما يزيد على 40 عاما من التحضير، وعاد به بعد 13 عاما من الانقطاع عن السينما.

وحصل كوبولا على السعفة الذهبية مرتين، الأولى عام 1975 عن فيلم “المحادثة” (The Conversation) والثانية عام 1979 عن فيلم “القيامة الآن” (Apocalypse Now).

 كما تشمل القائمة فيلم “أنواع من اللطف” (Kinds of Kindness) للمخرج اليوناني يورغوس لاثيموس، والذي يدور حول 3 شخص يحاول الهرب من مصير محتوم، وزوج متشكك في حادثة غرق زوجته، وامرأة في رحلة خاصة لتصبح قائدة روحية. وتشارك في البطولة إيما ستون التي حصلت على جائزة الأوسكار عن “مخلوقات بائسة” (Poor Things).

وفاز لاثيموس بجائزة مسابقة قسم “نظرة ما” في “كان 2009” ثم حصد جائزة لجنة التحكيم عام 2015 عن “جراد البحر” (The Lobster) ثم جائزة أفضل سيناريو عام 2017 عن “مقتل غزال مقدس” (The Killing of Sacred Deer).

شاركها.
Exit mobile version