وثقت مقاطع فيديو لحظة اشتعال النيران في العديد من المنازل والمباني في بلدة غريندافيك الآيسلندية بعد أن حاصرتها الحمم البركانية أمس الأحد 14 يناير/كانون الثاني 2024، وفق ما أعلنت هيئة البث الآيسلندية العامة.

وأظهرت المشاهد التي تم التقاطها عبر طائرة بدون طيار، مدى الضرر الناجم عن الحمم البركانية المنبعثة من الأرض، بعد فتح شقين في مكان قريب من ميناء بلدة غريندافيك المشهورة بصيد الأسماك جنوب غرب آيسلندا.

حمم بركانية تزحف إلى مناطق سكنية بعد ثوران بركان في أيسلندا

وقال الرئيس الآيسلندي غودني يوهانسون في منشور على منصة إكس “بدأ ثوران بركاني جديد في الصباح الباكر شمال غريندافيك. وقد تم بالفعل إخلاء البلدة بنجاح خلال الليل، ولم يعد هناك أي حياة في خطر، على الرغم من أن البنية التحتية قد تكون مهددة. لا انقطاع في الرحلات الجوية”.

وقال يوهانسون في منشور آخر، “تظهر لقطات جوية من خفر السواحل الآيسلندي قرب تدفق الحمم البركانية إلى بلدة غريندافيك. ويجري اتخاذ تدابير للدفاع عن البنية التحتية”.

وقال الرئيس -أيضا- في خطاب متلفز مساء الأحد “البلاد تكافح قوى الطبيعة الهائلة. فترة شاقة من الاضطرابات بدأت في شبه جزيرة ريكيانيس، لقد أثبت سكان غريندافيك قدرتهم على الصمود”.

من جانبه، قال عالم الجيوفيزياء ماغنوس تومي غودموندسون إن “ثوران البركان تضاءل بشكل كبير بين عشية وضحاها، لكن من المستحيل تحديد متى سينتهي”.

ويعد البركان الثائر في شبه الجزيرة هو الثاني في أقل من شهر، حيث كانت السلطات قد أمرت السكان بمغادرة بلدة غريندافيك الواقعة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بعد ثوران سابق.

وفي 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، سمحت السلطات للسكان بالعودة مؤقتا بعد اتخاذ احتياطات لمنع وصول الحمم البركانية إلى المنازل، لكن تم الآن اختراق بعضها جزئيا.

وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سجلت شبه جزيرة ريكيانيس -جنوب غرب آيسلندا– نشاطا زلزاليا أكبر من المعتاد، حيث رُصد أكثر من ألف زلزال أكبرها بقوة 4.5 درجات على مقياس ريختر خلال ساعات قليلة، وسُجلت مئات الزلازل الصغيرة التي تسببت ببعض الانهيارات الأرضية.

ويعد هذا النوع من الأنشطة الزلزالية مؤشرا خطيرا على أن الصهارة البركانية تتراكم تحت سطح الأرض، وقد تنفجر في أي وقت، إذ أشارت نشرة صادرة عن المنظمة البحرية الدولية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى أن الأرض في تلك المنطقة ترتفع بسرعة مع تراكم الصهارة تحتها.

حينها أعلنت السلطات المختصة إخلاء مدينة غريندافيك الصغيرة التي تقع على بعد حوالي 50 كيلومترا جنوب غرب العاصمة ريكيافيك، ويبلغ عدد سكانها نحو 3800، وأغلقت مجموعة من المنتجعات السياحية القريبة.

وفي يوليو/تموز الماضي، توصلت دراسة حديثة نشرتها دورية “ساينس أدفانسز” إلى التركيب الكيميائي للصهارة التي تسبب البراكين.

وقالت الدراسة إن التركيب الكيميائي للصهارة عبارة عن مزيج من المواد المنصهرة الموجودة في أعماق سطح الأرض تمتاز بحرارتها المرتفعة، تخرج عبر ثقوب أو تشققات القشرة، محدثة ثورات بركانية، فتتدفق إلى سطح الأرض في شكل حمم بركانية.

وتتكون الصهارة من سائل يُعرف باسم “الذوبان” وغاز وبلورات تكبر مع انخفاض درجة حرارة الصهارة أثناء انتقالها إلى سطح الأرض. فعند انفجار الصهارة لتتحول إلى حمم بركانية، تطلق غازا يحتوي على بخار الماء وثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت ومركبات أخرى، ويبرد في شكل صخرة بركانية.

آيسلندا.. منطقة براكين

وتقع آيسلندا فوق منطقة بركانية ساخنة في شمال المحيط الأطلسي، وتشهد في المتوسط ثورانا واحدا كل 4 إلى 5 سنوات.

وكان ثوران بركان إيجافجالاجوكول في عام 2010 هو الأكثر تدميرا في الآونة الأخيرة، والذي قذف سحبا من الرماد في الغلاف الجوي وعطل السفر الجوي عبر المحيط الأطلسي لعدة أشهر.

وعلميا تتكون الأرض من عدة طبقات، أعلاها القشرة الأرضية، يليها طبقة تسمى الوشاح، وتحتوي تلك الطبقة في بعض الأحيان على صخور ذائبة؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة والضغط، وتلك هي الصهارة التي تكون عادة أقل كثافة من الصخور المحيطة بها، ولذلك ترتفع نحو سطح الأرض، وتتجمع في غرف تشبه الخزانات تحت القشرة الأرضية.

وتستمر الصهارة الموجودة في تلك الغرف في التراكم، وترتفع درجات حرارتها مع الوقت، مما يؤدي إلى تراكم الضغط على القشرة الأرضية من الأسفل. وبمرور الوقت، يصبح الضغط قويا بما يكفي للتغلب على مقاومة الصخور الموجودة فوقها، وبشكل خاص إذا كانت مناطق ضعيفة سهلة الاختراق، وهكذا يبدأ البركان.

وتعد آيسلندا إحدى تلك الحالات، فهي جزيرة بركانية تقع على حدود صفيحتين تكتونيتين هما الصفيحة الأوراسية وصفيحة أميركا الشمالية. ولفهم فكرة الصفائح التكتونية تخيل أن القشرة الأرضية (التي تغلف الكوكب) تشبه أحجية ورقية بها قطع متداخلة مع بعضها ببعض، وكذلك الصفائح التكتونية تتكون من قطع متداخلة، تتحرك بالنسبة لبعضها بعضا بقدر يسير كل عام.

ومع تباعد هذه الصفائح وتقاربها، فإن الصهارة تجد نقاطا ضعيفة لترتفع للأعلى، وتتسرب من الوشاح إلى السطح، لذلك يوجد في آيسلندا نحو 30 نظاما بركانيا نشطا، يقع بعضها تحت الأنهار الجليدية.

ويوجَد أحد هذه الأنظمة البركانية في شبه جزيرة ريكيانيس، وهي المنطقة التي شهدت سلسلة من الزلازل وتشوهات القشرة الأرضية منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، ويشير ذلك النشاط إلى أن الصهارة تضغط على القشرة الأرضية من الأسفل على طول شق يبلغ طوله 20 كيلومترا، ويمتد من منطقة “فاغرادالسفيال” البركانية على الساحل الجنوبي الغربي قرب مدينة غريندافيك التي تم إخلاؤها.

ويقلل العلماء من احتمالية أن تشهد المنطقة انفجارا بركانيا شديدا في القريب، مشيرين إلى أن مخاطر الانفجار البركاني “منخفضة” الآن، لكن لو وقع ربما يكون انفجارا شديدا، لأن هذا النوع من البراكين يختزن كمّا كبيرا من الغاز تحت القشرة الأرضية، ومع أول “تنفيس” له ينفجر بقوة قنابل نووية تبلغ عنان الغلاف الجوي.

ويعتقد فريق من العلماء أن هذه المنطقة من آيسلندا تدخل مرحلة جديدة من النشاط البركاني الذي قد يستمر عقودا أو قرونا، بشكل لم يحدث إلا بين عامي 800 و1240 ميلادية حينما تدفقت الحمم البركانية على مساحات واسعة وصولا إلى مكان العاصمة ريكيافيك الآن، بسبب النشاط البركاني في تلك المنطقة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + مواقع التواصل الاجتماعي

شاركها.
Exit mobile version