الرباط- فوجئ الجمهور المغربي بمشاهدة الممثلة المغربية الشهيرة دنيا بوتازوت وهي تؤدي دورها في مسلسل “بنات العساس” بصوت غير صوتها وبلهجة غير مغربية.
ويطل أبطال هذا العمل الدرامي الذي حقق نجاحا كبيرا في رمضان 1442هـ/ 2021 على الجمهور العربي باللهجة السورية، بعد دبلجته وعرضه على إحدى القنوات العربية، إلى جانب مسلسل “قضية العمر” الذي عُرض في عام 2020.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من هذه المسلسلات مدبلجة، وانقسموا بين مستغربين من رؤية ممثلين مغاربة بأصوات مدبلجة، وبين منوّهين بهذه الخطوة ومشجعين لها.
واعتبر بعضهم دبلجة المسلسلات المغربية انفتاحا على الجمهور العربي وتعريفا بالدراما المحلية التي لا تصل إلى التلفزيونات العربية، بسبب ما يقال عن تعقيدات اللهجة المغربية وصعوبة فهمها.
في حين رأى آخرون أن الدبلجة توسّع الهوّة بين المغرب والعالم العربي وتكرّس عزلة اللهجة المغربية، مشيرين إلى أن دور الدراما هو التقريب بين الشعوب وتعريف الجماهير على لهجات وثقافات متنوعة.
مسلسلات ناجحة مدبلجة
أول المسلسلات المدبلجة هو “بنات العساس”، وهو دراما اجتماعية من إخراج إدريس الروخ، وسيناريو بشرى مالك وهشام الغفولي، وبطولة دنيا بوتازوت ومنى فتو وسعاد خويي وعزيز حطاب، وغيرهم.
يحكي المسلسل قصة فتاتين قدمتا إلى مدينة الدار البيضاء من إحدى القرى مع والدهما المقامر ووالدتهما. تموت الأم خلال وضع ابنتها الثالثة، ويتورّط الأب في جريمة قتل لم يرتكبها، وتجد الفتاتان الصغيرتان نفسيهما وحيدتين في مواجهة الحياة في مدينة كبيرة ومسؤولتين عن أختهما الرضيعة.
أما مسلسل “قضية العمر” الذي عُرض في عام 2020، فحقق بدوره متابعة مهمة من الجمهور المغربي، وهو من إخراج مراد الخودي وتأليف عدنان موحجة ومراد الخودي ويحيى الفاندي، وبطولة عدنان موحجة ونادية آيت ومريم باكوش، ومحمد خيي.
تدور أحداث المسلسل حول محامٍ شاب يُدعى آدم، كرّس حياته المهنية للدفاع عن المظلومين، يتلقى اتصالا من سجين محكوم بالمؤبد لاتهامه قبل نحو 30 عاما في جريمة قتل لم يرتكبها ويطلب منه المساعدة لإثبات براءته. وخلال بحثه في القضية، يكتشف المتورّطين فيها، ومنهم والد حبيبته الذي كان صديقا للسجين وأصبح رجل أعمال. ومع تطور الأحداث يفك لغز هجر والدته له واختفاء والده.
خطوة حميدة
يُتوقع أن يكون مسلسل “المكتوب” ضمن لائحة المسلسلات المدبلجة، وقد حقق نجاحا كبيرا وتصدّر نسب المشاهدة منذ عرض جزئه الأول في رمضان 1443هـ/ 2022.
تقول فاتن اليوسفي، كاتبة سيناريو مسلسل “المكتوب”، إن مشروع دبلجة مسلسلها لا يزال قيد النقاش بين الشركة المنتجة وإحدى القنوات العربية، ولم يصل بعد إلى مرحلة الحسم.
وتنوّه فاتن، في حديثها للجزيرة نت، بدبلجة المسلسلات المغربية إلى لهجات عربية أخرى لعرضها في القنوات التلفزيونية والمنصات العربية.
وتصف الأمر بأنه “خطوة حميدة، يمكن أن توصل الدراما المغربية إلى جمهور أوسع وتجعلها تتجاوز الحدود”.
وتأسف فاتن لأن الأعمال الدرامية المغربية تظل مشاهدتها حبيسة منطقة المغرب العربي، بسبب ما يروَّج دائما من كون لهجة هذه المنطقة تحول دون انتشار الأعمال التلفزيونية.
وترى أن الدبلجة خطوة أولى للتعريف بالدراما المغربية وانفتاحها على جمهور أوسع، على أن يتم لاحقا تسويقها باللهجة المحلية.
وتشير السيناريست إلى أن الطفرة التي حققتها الدراما المغربية خلال السنوات العشرين الماضية، على مستوى الكم والنوع ونسب المشاهدة العالية التي حققتها، جعلها محط اهتمام الموزّعين والمنتجين العرب، وشجّع قنوات عربية على عرضها على الجمهور العربي.
وتردف “نحن في بداية الطريق، وعائق اللهجة يمكن تجاوزه حاليا بالدبلجة، وأتوقع مستقبلا أن تُعرض بالعامية المغربية من دون وسيط لغوي آخر”.
وتلفت إلى عدد من المسلسلات المغربية التي عُرضت بلهجتها الأصلية في إحدى القنوات العربية وحققت إقبالا عربيا، مثل مسلسل “سلمات أبو البنات” الذي حقق نسب مشاهدة عالية في المملكة العربية السعودية على الرغم من عرضه باللهجة الأصلية.
وتعتبر فاتن اليوسفي أن العالم العربي يحتاج إلى مشاهدة الأعمال المغربية، ليس فقط الدراما الاجتماعية ولكن أيضا التراثية، ليتعرف أكثر على اللغة والثقافة المغربيتين بما تتضمنه من موسيقى ولباس وعادات ونمط عيش وغيرها.
الهوية والخصوصية
يتوقع الناقد الفني المغربي عبد الكريم واكريم أن عرض المسلسلات المغربية في قنوات تلفزيونية عربية يسهم في انتشار الدراما المغربية ويشجّع جماهير مختلفة وواسعة على متابعتها، بعدما كانت حبيسة محليتها لسنوات.
لكنه، في المقابل، يرى أن عرض هذه المسلسلات للجمهور العربي مدبلجةً بلهجة عربية أخرى سيُفقدها كثيرا من خصوصيتها وهويتها، مضيفا “سيبدو من الغريب أن نشاهد شخصيات بهويات مغربية تتحدث باللهجة السورية”.
ويرى الناقد الفني، في حديثه للجزيرة نت، أنه من المقبول دبلجة مسلسلات تركية أو لاتينية إلى لهجة عربية معينة أو اللغة العربية الفصحى، لكن من الغريب والمستهجن دبلجة عمل درامي عربي ناطق بلهجة عربية إلى لهجة عربية أخرى.
ويعتبر أن الادعاء بأن العامية المغربية صعبة الفهم على شعوب المشرق العربي يفنده انتشار الأغنية المغربية في تلك المنطقة.
وبحسب واكريم، فإنه لا توجد لهجة سهلة وأخرى صعبة، مشيرا إلى أن اللهجات المصرية والسورية والخليجية انتشرت بالتدريج مع الزمن، ومن خلال عرض الأعمال السينمائية والتلفزيونية لتلك البلدان في كل الدول العربية، مردفا “أظن أن الأمر ذاته سيحصل مع الأعمال الدرامية التلفزيونية المغربية إن تم عرضها كما هي في القنوات العربية، مع إرفاقها بترجمة مكتوبة باللغة العربية”.
ويضيف أنه في زمن السماوات المفتوحة وتنوّع الجماهير ستعرف الدراما المغربية انتشارا وستجد لها جمهورا، حتى وإن عُرضت بلهجتها ومن دون دبلجة.