لطالما ارتبطت أجيال بعالم المسلسل الإذاعي “ألف ليلة وليلة” الذي بدأت تبثه الإذاعة المصرية في ستينيات القرن الـ20 واستمر 26 سنة، قبل أن تتوالى مسلسلات الدراما التلفزيونية بدءا من 1984، وتصبح طَبقا رمضانيا شهيا ينتظره الملايين كل رمضان في التسعينيات.
يعود الفنان ياسر جلال إلى دراما رمضان 2024 مقدمًا شخصية “شهريار” في مسلسل “ألف ليلة وليلة”، من تأليف أنور عبد المغيث، وإخراج إسلام خيري، وبمشاركة ياسمين رئيس التي تقدم شخصية “شهرزاد”، ونور وشيري عادل ووليد فواز وسامي مغاوري.
يبدأ تصوير المسلسل في شهر يونيو/حزيران الجاري بالمشاهد التي تتضمن أعمال الـ”غرافيكس”، ويعتبره صانعوه أضخم إنتاجات الدراما الرمضانية العام المقبل، حاملاً توقيع شركتي “ميديا هب” و”أروما”.
وكان المسلسل تأجّل من رمضان الماضي بسبب ضخامة إنتاجه وحاجته إلى وقت طويل من التحضير للديكور والملابس والإكسسوارات الخاصة بالفترة الزمنية التي تدور فيها أحداثه.
البطل الشعبي
يقول المؤلف أنور عبد المغيث إن المسلسل يقدم مقاربة مختلفة لحكايات “ألف ليلة وليلة” عما قُدّم سابقا على الشاشة الصغيرة، موضحا أن المسلسل المنتظر يحمل ثيمة “البطل الشعبي”، وليس مجرد حكاية من تلك الحكايات الشهيرة في تراثنا العربي.
ويضيف عبد المغيث، في حديثه للجزيرة نت، أنه يضع في الاعتبار الجمهور المستهدف عام 2024، الذي لم يعاصر بعضه ما قٌدم سابقاً من قصص “ألف ليلة وليلة” تلفزيونيا، من خلال معالجة عصرية بين الثنائي “شهريار” و”شهرزاد”.
“بلغني أيها الملك السعيد”
كان الفنان عبد الرحيم الزرقاني أول من قدم شخصية “شهريار” في الستينيات في المسلسل الإذاعي الشهير الذي كتبه الشاعر طاهر أبو فاشا وأخرجه محمد محمود شعبان. وهو العمل الأهم والأكثر اكتمالاً وإخلاصا لروح الكتاب التراثي المعروف، إذ زادت حلقاته الإذاعية على 800 حلقة طوال نحو ربع قرن.
أصبحت الموسيقى الكلاسيكية التي قدمها المسلسل مرتبطة في الأذهان بعالم “ألف ليلة وليلة”، كما ارتبط المستمع بصوت الفنانة زوزو نبيل وهي تحكي حكايات “شهرزاد” بداية بجملتها المعتادة “بلغني أيها الملك السعيد..”. وقد وضعت الإذاعة هذا الأرشيف الغني من الحلقات على قناتها على يوتيوب، كما لا تزال تذيع حلقاته بين حين وآخر.
تميز السيناريو الذي كتبه أبو فاشا بالجمع بين السجع بالفصحى والعامية، إذ يدور الحوار بين “شهريار” و”شهرزاد” بالفصحى، في حين تجري الحكايات بالعامية المصرية، وقد أثر هذا المسلسل الإذاعي في الأعمال التي استوحت لاحقا عالم “ألف ليلة وليلة”.
“احكي يا شهرزاد”
كان حسين فهمي هو أول من قدم “شهريار” على الشاشة الصغيرة عام 1984، من إنتاج التلفزيون المصري وسلطنة عمان، بمشاركة نجلاء فتحي في دور “شهرزاد”، وكتب سيناريوه الكاتب المعروف أحمد بهجت.
غنت سميرة سعيد “تتر” (شارة) المسلسل بأغنيتها الشهيرة “احكي يا شهرزاد”. وعبّرت الأغنية عن التحدي الذي تواجهه البطلة بأن تشغل بال “شهريار” دائما بالحكايات حتى طلوع النهار. وللمرة الأولى، رأى الجمهور شخصيات “ألف ليلة وليلة” مجسَّدة على الشاشة، بعد سنوات طويلة من الاستماع إلى الحكايات المثيرة عبر موجات الأثير.
فوازير ألف ليلة
شجّع النجاح الكبير للمسلسل الأول المخرج فهمي عبد الحميد على الاستعانة بمؤلفه (أبو فاشا) ومزج القصص بالفوازير مع الفنانة شريهان، ليقدّما معا 3 مواسم رمضانية من الفوازير، هي “عروسة البحور” عام 1985، ثم “الأمثال” عام 1986، و”فاطمة وكريمة وحليمة” عام 1988. وكانت الحلقات تبدأ برسوم كرتونية لشخصيتي “شهريار” و”شهرزاد” بصوت الزرقاني وزوز نبيل، في محاكاة للنص الإذاعي.
ثم قدّم عبد الحميد وأبو فاشا مسلسل “ألف ليلة وليلة” من بطولة حسن يوسف وليلى علوي، وتناولا قصة “الأشكيف المخيف” الذي يخطف الأميرة ويحجزها في قفص من حديد.
وصار مسلسل “ألف ليلة وليلة” عملا ينتظره الجمهور كل عام على شاشة التلفزيون المصري. وفيه قدم يوسف شعبان شخصية “شهريار” عام 1991، ثم سمير غانم عام 1992، وفاروق الفيشاوي عام 1994.
حكاية علي بابا
كان المسلسل الأكثر نجاحا ما جسّده يحيى الفخراني في “ألف ليلة وليلة: علي بابا والأربعون حرامي” (1995)، مقدما الحكاية الشهيرة عن شخصية “علي بابا”، الذي يسمع كلمة السر التي يستخدمها اللصوص لفتح مغارة تحتوي على الكنوز الهائلة. وقد أبدع الفخراني في تقديم 3 شخصيات، هي “شهريار” و”علي بابا” و”قاسم” شقيقه.
كتب السيناريو يسري الجندي، وأخرجه جمال عبد الحميد، وشارك فيه دلال عبد العزيز وأحمد مظهر وزوزو نبيل. وتميّز كذلك بأغنية “تتر” الشهيرة “علي يا علي.. يا عترة يا فللي”، التي كتبها سيد حجاب ولحّنها عمار الشريعي وغناها حسن فؤاد، وختاما بأغنية “اقفل بقى يا سمسم”.
قدم المسلسل معالجة جديدة، إذ تقرر “شهرزاد” الاستسلام لنفاذها من مخرون الحكايات، وتقترح على “شهريار” أن يستدعي “مسرور السياف” لقتلها، فيتهمها بالكذب ويرفض قتلها.. فتجد حكاية أخيرة، تحكيها من دون خوف، في تحدٍ واضح للملك الذي يفاجئ “شهرزاد” بأنه يعرف هذه الحكاية عن “علي بابا”، لكن “شهرزاد” تحكيها من وجهة نظر أخرى، يتصارع فيها البشر مع الجن.
في العام التالي، قدّم نجم دراما التسعينيات أحمد عبد العزيز شخصية “شهريار” في “ألف ليلة وليلة.. فضل الله ووردانة”. وفي 1998، قدّم ماجد المصري الشخصية ذاتها في “ألف ليلة وليلة.. ذات الخال”، ثم محمد رياض في “ألف ليلة وليلة.. ذات المال” (1999)، ومحمود قابيل بمشاركة نيللي في “ألف ليلة وليلة.. ضوء المكان وبدر التمام” عام 2000.
وغاب المسلسل عن الدراما التلفزونية تقريبا خلال العقدين الماضيين، إذ لم يتم تقديمه سوى مرات قليلة، منها مسلسل “مش ألف ليلة وليلة” (2010) للفنان أشرف عبد الباقي، في إعادة صياغة لأحداث الحكايات، ثم شريف منير في 2015.
التحدي
يبقى التحدي الأهم الذي يواجهه صانعو “ألف ليلة وليلة” في رمضان المقبل هو كيف تقدم قصة مشوّقة للجمهور الجديد، الصغار والمراهقين، ممن لم يعاصروا هذا العالم على الشاشة الصغيرة، والكبار الذين عرفوا كثيرا هذه الحكايات في صباهم وشبابهم.
ولا يمكن تصوّر أن التكنولوجيا المعاصرة والتطوّر في المؤثرات البصرية كافيان لتقديم عمل مميز، إذ إن الأهم هو السيناريو الجيد والأداء المميز للأبطال. فعلى الرغم من الخدع البصرية البدائية التي قدمها مسلسل “علي بابا” ليحيى الفخراني قبل ربع قرن، فإن الجمهور لا يزال يتذكره كأبرز العوالم السحرية لـ”ألف ليلة وليلة”.
ويجد المخرج إسلام خيري -صاحب “فرق توقيت” و”عزمي وأشجان”- نفسه في مهمة صعبة أمام توقعات كبيرة من الجمهور وإنتاج ضخم للمسلسل، وبمشاركة ياسر جلال النجم الذي حجز لنفسه مكانا كبطل للدراما الرمضانية خلال السنوات الأخيرة، قدم خلالها أدوارا مختلفة.
العودة إلى التراث
يُحسب لصانعي المسلسل العودة إلى أهم كتب التراث العربي لتقديم رؤية جديدة لعوالم “ألف ليلة وليلة” شديدة الثراء، التي يولع بها الشرق والغرب معا، ولا تزال تلهم الأدباء حول العالم.
ويأمل المراقبون أن تشجع هذه الخطوة كتّاب السيناريو على إعادة استلهام التراث العربي في أعمالهم، بدلاً من الاقتباس أو “تمصير” أعمال أجنبية لا تناسب في معظمها الجمهور العربي.