مع إعلان وزارة السياحة والآثار المصرية مؤخرا عن رفض مشروع ترميم هرم (منكاورع) والذي عرف محليا بمشروع (تبليط الهرم)، عاد النقاش حول ترميم الآثار إلى الواجهة، أكان من المفترض أن تُعاد إلى حالتها الأصلية، أم أن تُترك على حالها مع الحفاظ عليها من التدهور؟
كانت الوزارة قد شكلت لجنة علمية لفحص المشروع الذي أعلن عنه -في وقت سابق- أمين عام المجلس الأعلى للآثار الدكتور مصطفى وزيري، والذي استهدف تغليف الهرم الثالث “منكاورع” بكتل الغرانيت.
لاقى المشروع عند الإعلان عنه موجة من الغضب سواء على مستوى الشارع أو بين المتخصصين من علماء الآثار والمصريات، خاصة أن كتل الغرانيت الموجودة إلى جوار الهرم ليست مشذبة طبقا للمتخصصين، مما يعني أنها لم تسقط عن الهرم، مما يجعل محاولة تثبيتها عليه تدخلا في عمل المصري القديم، ويؤثر على موثوقية الأثر وأصالته. فقد تُركت واجهة هرم منكاورع غير مكتملة، وهو ما يقول الكثير عن الحياة السياسية والاقتصادية في وقت بنائه، مما يجعل هذا المشروع بمثابة إزالة لهذه الشواهد التاريخية.
وطبقا لميثاق البندقية لترميم وحفظ وصيانة المعالم والمواقع الأثرية، يُمنَع إجراء أي نوع من أنواع الاستكمال أو الإضافة أو التعديل في الأثر حتى وإن استخدمت القطع الأصلية المتساقطة منه، ما لم يكن هذا الإجراء لإنقاذه من الانهيار.
بين ترميم الفن والحفاظ عليه
على الرغم من شيوع استخدام مصطلح ترميم الآثار للإشارة إلى الحفاظ عليها، فهناك نوع من الخلط بين المصطلحين. الترميم أو (Restoration) هو عملية إعادة الأثر أو العمل الفني إلى حالته الأصلية المفترضة، متجاهلا تأثير مرور الزمن، ومحو كل الآثار الموجودة بفعل الزمن أو بفعل الأحداث في عملية شبه عكسية، عبر استخدام أساليب ومواد لا تؤثر سلبا على المواد الأصلية المستخدمة في إنشائه، ولا بد أن تكون التدخلات مرئية ومميزة عن الأثر الأصلي، وتتوقف في النقطة التي يبدأ فيها الافتراض أو الاستنتاج.
بينما في المقابل “حفظ الآثار” أو بالإنجليزية (Conservation) هو الحفاظ على الآثار والأعمال الفنية، عبر منهج متعدد التخصصات، يمزج بين الفن والبحث التاريخي والتحليل العلمي، ويستعين بما تقدمه العلوم الأخرى مثل الفيزياء والكيمياء والعمارة، ويركز على استخدام تدابير وقائية للحفاظ على الأثر ومنع تدهور حالته، وهو ما يتيح رؤية آثار الزمن، والتي يمكن أن تكون جزءا من تاريخ القطعة الأثرية، وطبقا لميثاق حفظ وترميم المباني والمواقع الأثرية والتراثية (ميثاق البندقية 1964) فالهدف من صيانة وترميم المنشآت الأثرية هو حمايتها باعتبارها شواهد وأدلة تاريخية قبل أن تكون أعمالا فنية.
ولم يكن مشروع ترميم هرم منكاورع هو الوحيد الذي أثار الجدل، فقد شهد مجال الآثار والفنون في العالم العديد من عمليات الترميم التي عانت من الفشل، نستعرض أشهرها فيما يلي:
قلعة ماتريرا-إسبانيا:
تقع (قلعة ماتريرا) في قادس جنوب إسبانيا، وقد بناها عمر بن حفصون في القرن التاسع الميلادي للدفاع عن المدينة، وفي القرن الثالث عشر الميلادي غزاها فرديناند الثالث، لكنها عادت مرة أخرى إلى أيدي المسلمين في القرن الـ14، حتى احتلها ألفونسو الحادي عشر نهائيا في عام 1341 ميلاديا.
صمدت قلعة ماتريرا أمام كل هذه التقلبات السياسية والتاريخية والمناخية لأكثر من ألف عام، لكنها لم تصمد أمام إجراءات ترميمها.
كانت القلعة قد تعرضت في عام 2013 للتلف الجزئي بسبب الأمطار، وقررت المدينة ترميمها، واختير تصميم المهندس المعماري كارلوس كيفيدو روخاس، المتوافق مع القانون التاريخي لعام 2007، والذي يحظر إعادة البناء المحاكية للأصل، ويتطلب استخدام مواد مختلفة في الترميم كي تتميز عن النسخ الأصلية.
لكن بعد إتمام الترميم ظهرت القلعة بمظهر غريب أدى لاستنكار كل من مواطني المدينة والمتخصصين في الآثار والتاريخ.
ووفقا لهيئة الحفاظ على التراث على الوطني الإسبانية (هيسبانيا نوسترا) كانت عملية ترميم مؤسفة ومدمرة وصفت بأنها مذبحة للتراث.
والطريف أن موجات السخرية والانتقادات أدت لزيادة عدد الزيارات السياحية لتصبح المنطقة من أهم مناطق الجذب السياحي. لكن على الرغم من كل هذه الانتقادات، ففي عام 2016 فازت عملية الترميم بجائزة العمارة الدولية المرموقة “أركتايزر”.
سور الصين العظيم-الصين
سور الصين العظيم واحد من أبرز عجائب الدنيا السبع، بدأ بناؤه منذ القرن الرابع قبل الميلاد، وهو أطول جدار في العالم بني كهيكل دفاعي في العصور القديمة.
على مدار تاريخه هدمت الكثير من أجزاء السور ولا يوجد في الوقت الحالي سوى الجهة الشرقية منه، والتي تمتد عبر عدة كيلو مترات، وتجذب آلاف السائحين. ومع مرور الزمن وتعرضه للخطر بدأت أعمال ترميم سور الصين منذ عام 1957، وتوالت على مدار العقود التالية حتى عام 1987 عندما أعلنته اليونسكو موقعا من مواقع التراث العالمي.
وفي عام 2002 أدرج الصندوق العالمي للآثار سور الصين العظيم ضمن أكثر 100 موقع مهدد بالانقراض في العالم، لتصدر الصين قانون حماية سور الصين العظيم عام 2006. لكن في عام 2014 بدأت عملية الترميم التي أثارت كثيرا من الانتقادات والجدل، حيث تم إصلاح جزء من السور يبلغ عمره حوالي 700 عام، ويقع في مقاطعة سويزونغ باستخدام الخرسانة البيضاء أو الأسمنت، مما جعلها واحدة من أسوأ عمليات الترميم، وقد وصف دونغ ياوهوي نائب مدير جمعية سور الصين العظيم عملية الترميم بأنها “دمّرت المظهر الأصلي للسور، وسلبت التاريخ من البشرية”.
لوحة ليوناردو دافينشي العذراء والطفل والقديسة
وفي فرنسا أدت عملية ترميم لوحة الفنان الشهير ليوناردو دافنشي “العذراء والطفل مع القديسة آن” والتي يزيد عمرها على 5 قرون إلى حالة من الجدل، وصلت إلى استقالة اثنين من كبار خبراء الفن في فرنسا من اللجنة الاستشارية التي تشرف على ترميم اللوحة، هما سيغولين بيرجون لانجل، المدير السابق للحفظ في متحف اللوفر والمتاحف الوطنية الفرنسية، ولا جان بيير كوزين، المدير السابق للوحات في متحف اللوفر.
وكان ملك فرنسا فرانسيس الأول قد حصل على اللوحة عام 1517، وتعتبر اللوحة في المرتبة الثانية في الأهمية بعد لوحة الموناليزا من بين لوحات ليوناردو دافينشي.
بدأت هذه العملية في عام 2010، وكانت الاقتراحات الأولية هي اتباع منهج بسيط لإزالة البقع عن اللوحة، لكنها أصبحت خطة أكثر طموحا، وامتدت لتتحول إلى ترميم شامل. حيث تغيرت ألوان اللوحة من الدرجات الداكنة إلى ألوان ساطعة وبراقة، وكأنها تمثل يوما مشمسا، مما يخالف طبقا للخبراء الشعور الذي أراد دافنشي إيصاله.
قلعة شيلة أوجاكلي آدا
تقع مدينة شيلة في الجانب الآسيوي، على شواطئ البحر الأسود، وعلى بعد حوالي 80 كيلومترا من وسط إسطنبول. وتعد قلعة شيلا Şile Kalesi المعروفة بقلعة أوجاكلي آدا واحدة من أبرز معالمها، حيث بنيت القلعة على مساحة 100 متر مربع، ويبلغ ارتفاعها حوالي 12 مترا.
وبنيت القلعة للحماية من الهجمات الآتية من البحر، وطبقا لبعض المصادر التاريخية، فقد بناها الإمبراطور البيزنطي أندرونيكوس، واستخدمها العثمانيون فيما بعد. وعلى مدار تاريخ القلعة أصلحت مرتين الأولى في عهد البيزنطيين، والثانية في عهد العثمانيين.
ولكن في عام 2015 نفذت بلدية شيلة وكلية الهندسة المعمارية والتصميم بجامعة كوجالي عملية ترميم نالتها العديد من الانتقادات والتساؤلات، إذ أدى الترميم لأن تصبه القلعة أشبه بوجه شخصية سبونج بوب الكارتونية، كما شبهها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
قناع توت عنخ آمون-مصر
في مصر تعرض قناع توت عنخ آمون الذهبي في عام 2014 عن طريق الخطأ لتلف بالغ، لكنه لم يكن نتيجة لعملية ترميم، وإنما نتيجة لخطأ من أحد الموظفين بالمتحف المصري بالقاهرة. حيث سقط القناع الذي يبلغ وزنه نحو 10 كيلوغرامات عن طريق الخطأ، مما تسبب في كسر لحية القناع الذي يعد من بين أشهر القطع الأثرية في العالم أجمع.
ولإخفاء هذه المشكلة تفتق ذهن الموظفين عن لصق اللحية بلاصق من مادة الإيبوكسي، مما أدى لظهور آثار المادة اللاصقة واضحة للعيان. ولسوء الحظ حاول الموظف كشط بقايا اللاصق مما ألحق المزيد من الضرر بالتمثال. عند انكشاف الواقعة عمل فريق من المتخصصين في الترميم على إعادة صقل السطح المخدوش، وإعادة تثبيت اللحية في مكانها. ولحسن الحظ تمكنوا من إنقاذ التمثال.
في نهاية الأمر يعد ترميم الأعمال الفنية فنا في حد ذاته، يحتاج إلى حساسية بالغة كي يتم وفقا لمعايير محددة، وإلا فقد يؤدي إلى تدمير الأعمال الفنية بدلا من الحفاظ عليها.