عند عرض مسلسل “بالطو” عام 2023، تفاجأ المتفرجون ببطله عصام عمر، واعتبره الكثيرون نجما جديدا ظهر من العدم. قبل أن يتذكر البعض ظهوره في أدوار صغيرة بمسلسلات متنوعة، بدءا من “لما تامر ساب شوقية” عام 2015. غير أن مسيرته الفنية تلك، والمستمرة 10 سنوات سابقة، شهدت الكثير من الانعطافات التي تسير بمحاذاة انعطافات أخرى موازية لحياته الشخصية.

وعمر ممثل مصري عرفه الجمهور مؤخرًا بمسلسل “بالطو” وبعده “مسار إجباري” ثم أول أفلامه السينمائية الطويلة “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو”. وقد أظهر وجها مختلفا من موهبته خلال كل عمل من هؤلاء، بل وفي أدواره الصغيرة السابقة. فأين كان عمر مختفيا عن الأنظار في السابق؟

عصام عمر وسماء إبراهيم من فيلم “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” (الجزيرة)

من الإسكندرية لنيويورك وإعادة اكتشاف شغف التمثيل

في الحقيقة، علاقة عمر بالفن والتمثيل وطيدة، وبدأت حتى من قبل دراسته الجامعية. وقد قرر مسبقا الدراسة في أحد معاهد أكاديمية الفنون بالقاهرة، غير أن درجاته الكبيرة نسبيا في الثانوية العامة عاندته، عندما أصرت والدته على دخوله جامعة بدلاً من معهد أياً كانت هذه الجامعة، أو كان هذا المعهد. لذلك، توجه إلى كلية آداب جامعة الإسكندرية، واعتزم دخول قسم الدراما ليتم رفضه في البداية، قبل أن يتوسط له لدى رئاسة القسم اثنان من الموظفين الذين أعجبوا بأدائه في الاختبارات، فتم قبوله بعد أن فقد الأمل.

وشارك عمر في مسرح الجامعة، لينهي دراسته مكتسبا بعض الخبرة وممتلئا بالطموح والأمل في المستقبل. وتنقل باستمرار بين الإسكندرية محل سكنه العائلي، والقاهرة بما تحمله من وعود، نتيجة لمركزية الفنون في مصر التي لا يمكن التغاضي عنها بالنسبة لممثل صاعد.

اقرأ أيضا

list of 2 items

list 1 of 2

راسل كرو.. لماذا انطفأ نجم صاحب الأوسكار وأصبح يعيش في الماضي؟

list 2 of 2

محمد شكري جميل.. أيقونة السينما العراقية يرحل تاركا إرثا خالدا

end of list

إعلان

غير أن هذه الرحلات المكوكية من الإسكندرية إلى القاهرة، أو حتى إقامته لفترة في العاصمة، لم تثمر عن أي نتيجة، أو تحركه خطوة للأمام، بل ظل منتظرًا على أمل أن يتحسن الوضع في المستقبل، حتى ذاب هذا الأمل في لجة الإحباط المستمر. وعن طريق الصدفة البحتة، أتيحت له الهجرة إلى الولايات المتحدة، وهي الفرصة التي يحلم بها كل أصدقائه، لكن بالنسبة له كانت بمثابة رفع الراية البيضاء، وإعلان استسلامه وتركه حلم التمثيل خلف ظهره. لذلك قاوم إغراءات السفر لفترة طويلة، قبل أن يدفعه اليأس للسفر، وفي جيبه مئتا دولار فقط، على أمل أن ترحب به نيويورك بشكل أفضل مما فعلت القاهرة.

بالطو | الحظ لما يلعب .. يخليك تروح طرشوخ الليف 🤣

ولم يحدث ذلك بالطبع، وقد اكتشف أن قسوة القاهرة في عام لا توازي ما يمكن أن تقوم به نيويورك في يوم واحد. لذلك هجر “التفاحة الكبيرة” وارتحل إلى أحد المدن الأصغر التي تتميز بأمان نسبي، وبدأ في تكوين حياة جديدة له بعمل مستقر وأصدقاء جدد.

لكن نداهة التمثيل لم تلبث أن نادته مرة أخرى، وتهمس له أنه يجب أن يعود، ويمثل في مصر. ورغم نصائح الأصدقاء الذين أخبروه أن يحاول التمثيل في الولايات المتحدة، فهوليود نفسها كانت أمامه، ويمكنه أن يطرق أبوابها التي قد تعطيه الفرص التي حرمته إياها القاهرة، غير أنه لم يستطع الفكاك من نداهة القاهرة، فحمل حقائبه وعاد مرة أخرى إلى نقطة الصفر.

الكثير من المثابرة ومكافأة القدر

بالعودة مرة أخرى إلى القاهرة، ثابر عمر على البحث عن الأدوار التلفزيونية أو السينمائية وحتى الإعلانات التلفزيونية، لتبدأ الفرص تأتيه صغيرة، بوقت محدود على الشاشة، أو أكبر لكنها لا تُعرض إلا في دوائر ضيقة.

ومنها مثلا دور البطولة في فيلمين قصيرين، أولهما “بطل رأس السنة” من إخراج عمر المهندس، و”شفت مسائي” لكريم شعبان – مخرج فيلم “6 أيام” الجاري عرضه الوقت الحالي من إنتاج 2020. والفيلمان معروضان الآن بشكل مجاني على شبكة الإنترنت، ويكاد “شفت مسائي” يحقق مليون مشاهدة، أغلبها بالطبع بعد شهرة عمر المفاجئة.

إعلان

وشارك كذلك في برنامج “ماذا إذا” على يوتيوب، وهو عبارة عن حلقات قصيرة للغاية يتناول كل منها، بشكل فكاهي، الإجابة عن سؤال افتراضي، مثل: ماذا إذا كان المصريون أول من وصلوا إلى القمر؟ وهو أيضًا من إنتاج 2020. وبنظرة سريعة على تعليقات المتفرجين على حلقات البرنامج على يوتيوب، نجد أن أكثر تعليق متكرر هو التعبير عن المفاجأة بأداء عمر الذي عمل لسنوات قبل أن يلاحظه أحد.

وبعيدًا عن أدوار البطولة في أعمال لم تخرج من الظل إلا بعد شهرته، شارك كذلك بأدوار صغيرة في عدد كبير من المسلسلات الشهيرة منها “تغيير جو” و”سوتس بالعربي” و”منورة بأهلها” و”في بيتنا روبوت”. وتنوعت هذه الأدوار، وربما لم يكن هذا التنوع بناء على إرادة وتخطيط من عمر، لكنَّه ساهم بشكل أساسي في ظهور تلك الأوجه المختلفة من موهبته التي تحدثنا عنها في المقدمة، وأثبتت بشكل قاطع أنه قادر على تقديم أدوار مختلفة عن الكوميديا، وبالتالي لم تسجنه في هذا النوع الذي جلب له الشهرة والنجاح مع مسلسل “بالطو”.

فعمر الذي قدم دور طبيب الامتياز قليل الحيلة، المرسل رغما عن إرادته للعمل في قرية “طرشوخ الليف” قدم دور الفتى المهمش المجبر على المصارعة أمام الأثرياء لكسب لقمة العيش في “منورة بأهلها” وموظف خدمة العملاء في شركة الاتصالات، المضطر لتحمل سوء المعاملة في “شفت مسائي”.

وبالتالي، عندما أتيح له الاختيار في المرحلة الجديدة من مسيرته، عُرضت عليه أعمال مختلفة تماما عن “بالطو” والتي اختار منها بذكاء مشروعيه التاليين ليؤكدا على قدراته المتنوعة، وهما “مسار إجباري” و”البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” البعيدان عن الكوميديا.

ويشبه عمر الملايين من الشباب المصريين، وربما يكون ذلك أحد أسباب وصوله بسهولة إلى قلوب الكثير من المتفرجين، فهو يتمتع، في الحقيقة وعلى الشاشة، بهشاشة الشاب الذي لا يعلم الكثير عن مستقبله القادم، غير أنه لن يتوقف عن السعي، حتى وإن لم تلوح أمامه أي بارقة أمل.

إعلان

شاركها.
Exit mobile version