بيروت- يواجه لبنان أزمات اجتماعية واقتصادية ومعيشية وأمنية متعددة منذ عام 2019، أدت إلى انهيار الخدمات العامة الأساسية في البلاد. وفي ظل غياب الحلول الجذرية والدعم الكافي من الدولة، تتفاقم المعاناة اليومية للمواطنين.

ويشهد لبنان معدلات انتحار يصفها مختصون بـ”المقلقة”، حيث سجلت 170 حالة عام 2023، مقابل 138 حالة عام 2022 بحسب الشركة الدولية للمعلومات استنادا إلى بيانات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.

أرقام مرتفعة

ويؤكد محمد شمس الدين الباحث في الشركة الدولية للمعلومات -وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية لبنانية- للجزيرة نت، أن عام 2023 شهد معدلا لحالات الانتحار في لبنان مماثلا للعام 2019، وبزيادة قدرها 32 حالة مقارنة بعام 2022، وشدد على أن هذا الارتفاع يعد أمرا يستدعي الوقوف عنده.

ويقارن شمس الدين مع السنوات السابقة موضحاً، “بلغ عدد حالات الانتحار 108 عام 2012، وارتفع إلى 138 حالة في 2015، ثم تراجع إلى 128 حالة في 2016، ليصبح العدد 143 عام 2017. وفي عام 2018، ارتفع إلى 155 حالة، ثم بلغ 170 في 2019، وهو رقم مطابق للعام المنصرم 2023. وتراجع العدد إلى 150 حالة في 2020، و145 حالة في 2021، وصولا إلى 138 حالة في 2022″.

دوافع متعددة

من جانبه، يوضح المختص والمعالج النفسي جورج أبو مرعي للجزيرة نت، أن علم النفس يتعامل مع حالات الانتحار بشكل فردي، حيث يتم تشخيص كل حالة بصورة مستقلة. ويعتقد أن حالات الانتحار في لبنان تعود لعدة دوافع، “منها الضغوط المالية والاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها الشباب، والتي تولد شعورا بالعجز واليأس وعدم الرضا عن الذات، وتحقيق الأهداف”.

ويضيف: “إلى جانب ذلك، توجد عوامل أخرى تشمل الضغوط النفسية والعاطفية، والأمراض العقلية أو الاضطرابات مثل الاكتئاب الحاد والذهان واضطراب ثنائي القطب. بالإضافة إلى ذلك تأثير الإدمان وتعاطي المخدرات والكحول، وهو ما يفاقم من حدة هذه الظواهر ويدفع البعض إلى اتخاذ قرارات مأساوية”.

التدخل والدعم

ويشرح الدكتور أبو مرعي، أن قرار الانتحار لا يأتي فجأة، بل يتم تدبيره بخطة مدروسة. وفي هذا السياق، يبرز أهمية التقييم الفوري والتدخل لمنع حدوثه.

ويشير إلى أن الأفكار الانتحارية تتنوع بين نوعين:

  • النوع الأول: هو الأفكار الانتحارية دون تجربة سابقة، أي مجرد أفكار.
  • النوع الثاني: يشمل وجود محاولة سابقة للانتحار، والإقدام على الفعل.

ويشدد على أهمية اللجوء إلى الطبيب النفسي لتقييم الحالة بدقة، “وإذا كان العلاج النفسي أو استخدام الدواء من شأنهما تدارك الإقدام على الانتحار، فيجب اللجوء إليهما”.

كما يؤكد المختص النفسي على أهمية الدعم الاجتماعي في الوقاية من الانتحار، إلى جانب الحملات التوعوية والتثقيفية.

معظم المتصلين على “خط الحياة” في لبنان كانوا من العزاب وجاءت النسبة الأكبر منهم من العاطلين عن العمل (شترستوك)

“خط الحياة”

وتقول ميرا دالي بلطة المعالجة النفسية والمشرفة على “خط الحياة” الهاتفي ورقمه (1564) في جمعية “إمبرايس” للجزيرة نت، إن “متوسط الأشخاص الذين ينهون حياتهم في لبنان وصل إلى شخص واحد كل يومين بسبب الانتحار. وفي المتوسط، يحاول شخص الانتحار كل 6 ساعات في لبنان”، وفقا لتقرير “إمبرايس”، وهي جمعية تعنى بالعلاج النفسي والإنقاذ من الانتحار.

وأطلقت جمعية “إمبرايس” عام 2017 بالتعاون مع وزارة الصحة الخط الساخن 1564، الذي يتلقى عددا كبيرا من الاتصالات اليومية من أشخاص يفكرون بالانتحار ولكنهم مترددون في اتخاذ الخطوة. من خلال مساعدة المتطوعين، يتراجع العديد من المتصلين عن فكرة الانتحار.

وتضيف دالي بلطة: “خط الحياة 1564 للدعم النفسي والوقاية من الانتحار يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ويوفر الدعم النفسي للأشخاص الذين يعانون من ضائقة نفسية أو أفكار انتحارية. ويتلقى المتصلون استجابة من متطوعين مدربين على الإصغاء الفعال والوقاية، ويتم إحالتهم عند الحاجة إلى خدمات الصحة النفسية المتخصصة”.

ووفق إحصاءات “إمبرايس”، فقد تلقت الجمعية حوالي 900 اتصال شهريا عام 2023، وكانت الفئة العمرية الأكثر اتصالا تتراوح بين 18 و34 سنة. كما أظهرت الإحصاءات أن معظم المتصلين كانوا عزابا وأن النسبة الأكبر منهم كانوا من العاطلين عن العمل.

شاركها.
Exit mobile version