دفع التناقض في التصريحات والمواقف الذي أظهرته إدارة الدورة الـ77 من مهرجان كان السينمائي بعض الفنانين إلى تحدي القواعد التي حددتها المدينة ورئيس المهرجان العالمي، خاصة بعد الدعم السياسي الواضح للمخرج الإيراني محمد رسولوف على السجادة الحمراء، في مقابل منع الرموز الفلسطينية وحظر التظاهر.

وقد جاءت جائزة لجنة التحكيم متوقعة تماما، بل ومنتظرة، إذ مُنحت للمخرج الإيراني عن فيلمه “بذرة التين المقدس” (The Seed of the Sacred Fig)، وذلك بعد استقبال حافل حظي به عند وصوله.

ومنح رسولوف الفرصة خلال المؤتمر الصحفي، الذي عقد مساء يوم الجمعة الماضي، ليحكي قصته وينتقد السلطات الإيرانية التي حكمت عليه بالسجن 8 أعوام، كما استعرض قصة هروبه من طهران للتقدم بفيلمه في المهرجان.

وجاء الاحتفاء بالمخرج البالغ من العمر 52 عاما لافتا للنظر، لكنه معتاد مع الفنانين الإيرانيين وبينهم المخرج جعفر بناهي الذي شارك من قبل بفيلم لم يصنعه واضطر إلى شرح ما كان يود تنفيذه في الفيلم على شاشة خصصت له.

تناقض في المواقف

وكانت إدارة المهرجان -تحت رئاسة تيري فريمو أيضا- تبنت موقفا مغايرا في نسخة العام 2022 إبان اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، حين ظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر الفيديو في حفل الافتتاح، ووعد بأن بلاده ستنتصر وسط تصفيق الجمهور.

إلا أن تزامن عقد الدورة 77 من مهرجان كان السينمائي مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، أبدى تناقضات واضحة لمواقف القائمين عليه بين تبني بعض المواقف السياسية وحظر تناول قضايا أخرى.

وكانت الحرب التي تشنها إسرائيل منذ أكثر من 200 يوم على قطاع غزة، أثارت ردود فعل غاضبة بين فئات مختلفة من المجتمع الدولي، أشهرها اعتصامات الطلاب في الجامعات الأميركية، وما أحدثه ترشيح مطربة اسرائيلية في مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن” من احتجاجات ومظاهرات.

وتجنبا لمظاهر مشابهة لما شهدته مدينة مالمو السويدية التي استضافت “يوروفيجن”، حظرت مدينة كان المظاهر السياسية على طول شاطئ كروازيت، حيث يقام المهرجان.

وجاء تصريح رئيس المهرجان تييري فريمو في ليلة الافتتاح واضحا، إذا قال: “قررنا هذا العام أن يكون المهرجان بدون جدلية، لنحرص على أن يكون الاهتمام الرئيسي لنا جميعا هو السينما، فإذا كانت هناك جدليات أخرى فهذا لا يعنينا”.

لكن في المقابل، عام 2018، سُمح بمظاهرة ضمت أكثر من 80 امرأة بينهن النجمات كيث بلانشيت وكريستين ستيوارت وسلمى حايك وغيرهن، للمطالبة بالمساواة بين الرجال والنساء في صناعة السينما.

سياسة على السجادة الحمراء

وبالعودة إلى نسخة العام 2024 من مهرجان كان، نقل موقع “هوليود ريبورتر” أن المخرج الإيراني محمد رسولوف هرب من بلاده سيرا على الأقدام قبل بضعة أسابيع، بعد أن حُكم عليه بالسجن 8 سنوات. وأثناء سيره على السجادة الحمراء في مهرجان كان لحضور العرض العالمي الأول لفيلم “بذرة التين المقدس” مساء الجمعة، رفع رسولوف صور الممثلتين الرئيسيتين في الفيلم، ميساغ زاره وسهيلة كلستاني اللتين منعتهما السلطات من مغادرة بلادهما.

وبحسب الموقع الأميركي، فإن المخرج الإيراني بدا “متحديا، لكنه كان مرتاحا وواثقا في الوقت نفسه”. وفي مؤتمره الصحفي، قال مازحا إن طاقم فيلمه وصفوا أنفسهم بأنهم “رجال العصابات السينمائية” لانتهاكهم كل قواعد الرقابة الحكومية الإيرانية في صناعة العمل.

ويخالف فيلم “بذرة التين المقدس” كل القوانين الرسمية الإيرانية بانتقاده الصريح للنظام، وتصويره نساء وفتيات لا يرتدين الحجاب، وإظهار عنف الشرطة ضد المتظاهرين.

وقال رسولوف مازحا: “لو أردنا أن نرى الكوكايين، لكان الأمر أسهل من صناعة هذا الفيلم”.

كما أشار المخرج الذي يعيش في ألمانيا حاليا، إلى “إنه سيواصل انتقاد النظام الإيراني من خارج البلاد”، وأنه انضم إلى “إيران الثقافية الموجودة خارج حدودها”.

رموز فلسطينية رغم المنع

في المقابل، دفع تناقض إدارة المهرجان بعض الفنانين لتحدي تصريحات فريمو، وبينهم الفرنسي عمر سي، ونجمة الأوسكار كيث بلانشيت وغيرهم ممن عبروا عن دعمهم للفلسطينيين كل على طريقته.

عضو لجنة التحكيم بالمسابقة الرسمية للمهرجان عمر سي، قال في منشور له على إنستغرام: “ليس هناك ما يبرر قتل الأطفال في غزة أو أي مكان آخر”.

أما نجمة الأوسكار كيث بلانشيت، فهي صاحبة الضجة الأكبر، حيث أطلت بفستان قيل إنه يمثل 3 من ألوان العلم الفلسطيني الأخضر والأبيض والأسود، بينما استكملت السجادة الحمراء باقي ألوان العلم.

وأثناء تصويرها على السجادة الحمراء، رفعت بلانشيت الجزء الخلفي من فستانها لتكشف عن البطانة الخضراء، وبالنظر إلى لون السجادة الحمراء لمهرجان كان السينمائي اعتبر البعض ألوان الفستان رسالة مبطنة للتضامن مع الفلسطينيين، وهو ما لفت الأنظار وأثار جدلا على منصات التواصل الاجتماعي حول ما إذا كان فستانها رسالة دعم خفية لفلسطين.

وارتدى الممثل الأسترالي رشاد ستريك، سفير النوايا الحسنة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الكوفية الفلسطينية في المهرجان، أما الممثلة الفرنسية الشابة باسكال كان، فتحدت القوانين الصارمة هذا العام حين ارتدت قميصا كتب عليه باللغة العربية “فلسطين”.

كما أعلنت الممثلة الإيطالية جاسمين ترينكا والممثلة الفرنسية ليلى بختي دعمهما لفلسطين من قلب المهرجان، وظهر الممثل الأسترالي غي بيرس على السجادة الحمراء بسوار مصنوع من ألوان العلم الفلسطيني.

شاركها.
Exit mobile version