عمّان- الإنسان مخلوق اجتماعي، مجبولٌ على الحاجة إلى الآخرين في التعامل والتواصل، ويحتاج إلى الشعور بقيمة نفسه، وأن هناك من يحتاجه ويحبه ويقدره.

ومع ذلك، من الطبيعي ألا يحب أحدنا جميع الأشخاص الذين يقابلهم في حياته، فـ ” الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ” كما يقول الحديث الشريف.

ويمكن لمعظم الناس، على الأرجح، تسمية بعض الأشخاص الذين لا يحبونهم بشكل خاص. ومع ذلك، يصل البعض إلى مرحلة يشعرون فيها بالانزعاج أو الأذى أو الإحباط من الأشخاص ويشعرون فيها بأنهم يكرهون الجميع.

هذا الشعور قد يصعّب عليك ممارسة حياتك والتفاعل مع الآخرين يوميا، وقد يسبّب الكثير من الصراع في علاقتك مع العائلة والأصدقاء والزملاء وغيرهم في حياتك. فالكراهية هي عاطفة شديدة يمكن أن تؤثر سلبا على صحتك.

ما تعريف الكره لديك؟

ترى مدرّبة التنمية البشرية سوسن كيلاني أن “أهم شيء في الموضوع أن تعرف حقيقة شعورك ومتى تشعر به بالضبط، هل هو متعلق بمكان أو زمان معين أو أشخاص محدّدين؟ ما هو تعريف الكره لديك؟ هل هو شعور بالضيق أو البغض أو الحسد أو الحقد؟”.

وتتابع “حدّد بالضبط نوع الشعور، وهل هو عام أم خاص؟ هل تكره كل الآخرين، يعني كل شيء آخر غير نفسك؟ وهل هو شعور دائم أم مؤقت؟ ثم اجلس جلسة صفاء مع نفسك وابحث عن السبب، لأنه من الصعب إطلاق الأحكام على الآخرين جميعهم، إذ يعني هذا أن ليس هناك من تحب أبدا، وهذا الشعور -إن وُجد- مزعج جدا ومحبط”.

سوسن كيلاني: في حالة شعورك بأنك تكره الآخرين عليك أن تتساءل لماذا تكرههم؟ (الجزيرة)

كيف بدأت سلسلة الكره؟

تقول كيلاني “أنت لا تستطيع أن تأخذ الحب إن لم تعطه، ولن تأخذ الاحترام والتقدير أيضا إن لم تقدمه للآخرين. إنها سلسلة تدور، وما تعطيه يرد إليك بالطريقة ذاتها والأسلوب عينه.. ولو بعد حين. لذلك، في حالة شعورك بأنك تكره الآخرين، عليك أن تتساءل: لماذا تكرههم؟ هل كرهوك هم أولاً؟ ومن بدأ وكيف بدأت السلسلة؟”.

والأكثر أهمية، وفق مدرّبة التنمية البشرية، أن تكون صادقا مع نفسك، فتعترف بالحقيقة كاملة، بهدف تحديد الإجابة عن: أكره الآخرين لأنهم كاذبون، أم لأنهم متنمّرون، أم لأنهم أغنياء وأنا فقير، أم لأنهم سعداء وأنا حزين، أم لأن لديهم عمل وأنا عاطل؟ وغيرها من الأفكار التي تدور في عقلك.

وتنصح كيلاني بالبحث عن السعادة عن طريق تجاوز المشاعر السلبية المرافقة لبعض المواقف، بغية الوصول إلى مرحلة الهدوء النفسي والطمأنينة وراحة البال، فمن لا يقدّم المحبة للآخرين لا يجني إلا مزيداً من الكره والتعاسة، لافتة إلى أن “الحياة قصيرة، فلنستغلها بمزيد من المحبة والتعاون والتفاهم من أجل عالم أفضل للجميع”.

أسباب كره الآخرين

يعزو الطبيب النفسي الدكتور علاء اللحام كره بعض الناس للآخرين إلى العلاقة بين الأنا، والآخرين، والعالم. ويعدد الأسباب، وهي:

  • اضطراب في الشخصية.
  • ضيق الأفق الفكري.
  • عدم القدرة على تحصيل مكانة بين الناس.
  • عدم القدرة على التميز وتحصيل الإنجازات.
  • المقارنة مع الآخرين في المال والقدرات والممتلكات.
  • تجارب أليمة يتم تعميمها في العلاقات.
  • الاكتئاب والقلق.
  • العيش بعقلية الصراع والتأهّب المستمر.
  • انعدام المعنى في حياة الإنسان.
  • تضخيم المعارك الصغيرة والتفاصيل الدقيقة.
الدكتور علاء اللحام- (الجزيرة)
علاء اللحام: أسباب شعور الفرد بكره الآخرين تتوزع على أطراف العلاقة بين الأنا والآخرين والعالم (الجزيرة)

ماذا أفعل؟

يقول اللحام إنه حين تشعر بأنك تكره الآخرين، عليك اتباع الخطوات التالية:

  • استشارة متخصص بالمجال النفسي في حال المعاناة من اضطراب نفسي.
  • السعي الدائم إلى تطوير الذات.
  • المضي في تحصيل معنى ومشروع في الحياة.
  • الابتعاد عن مقارنة الذات بالآخرين.
  • بذل الجهد في تقديم المساعدة للآخرين.

عواقب كره الآخرين

ينقل موقع “فري ويل مايد” (verywellmind) عن كريستين فاريل تيرنر، عالمة النفس والمدرّبة في مركز “بريتيكين لونغيفيتي سنتر” (Pritikin Longevity Center) بالولايات المتحدة، حيث تقول إن كراهية الآخرين قد تؤثر سلبا على صحتك العقلية والجسدية، ويظهر ذلك من خلال العوارض التالية:

  • التأثير على الصحة العقلية: الكراهية شعور متطرّف للغاية، مقارنة بالمشاعر غير السارة الأخرى، كالغضب والإحباط، فهي لا تترك مجالا كبيرا للتواصل أو التعاطف. وقد تنطوي الكراهية على شعور بالاشمئزاز، وإذا كنت تشعر بالاشمئزاز من الجميع، فأنت تريد أن تفعل شيئا معهم، أو كرد فعل تجاههم. لذا عندما تستبعد الترابط والتعاطف، فإنك بالتأكيد تقلل من خيارات التأقلم المعرفية والعاطفية.
  • التأثير على الصحة البدنية: الكراهية شعور مؤلم يتطلب الكثير من الطاقة العاطفية، إذ غالبا ما تدفع المشاعر المؤلمة الأشخاص إلى البحث عن سلوكيات غير صحية لتهدئة النفس، مثل تناول الأطعمة غير الصحية أو تعاطي الخمور أو المواد الأخرى لتجنّب الضائقة التي يشعرون بها.
    الكراهية تؤثر سلبا على صحة الفرد العقلية والجسدية (شترستوك)

إستراتيجيات المواجهة

تقترح تيرنر بعض الإستراتيجيات التي يمكن أن تكون مفيدة إذا شعرت بأنك تكره الجميع، وهي:

  • تجنّب التفكير “الكل أو لا شيء”: إذا كانت كراهيتك للآخرين متجذّرة بسبب خلاف معهم حول قضية معينة، فحاول أن تتذكر أنه يمكنك الاختلاف معهم وحتى الغضب منهم، لكن من دون أن تكرههم. فعندما لا تتوافق مع معتقدات أو سلوك شخص آخر فهذا لا يعني أنه سيئ بالكامل. لذا، ذكّر نفسك بأن مشاعر الكراهية لديك تتعلق بالمشكلة، وليس بالشخص.
  • تجنب التعميم: إذا كانت كراهيتك للآخرين تركّز على مجموعة من الناس، مثل الأشخاص من عرق أو منظمة أو دين معين، فإن تفكيرك غير منطقي لأنك تعمّم، فأنت تقوم بتجميع مجموعة كاملة من الأشخاص في فئة “سيئة” واحدة وتضع افتراضات حولهم بناء على خاصية ديموغرافية.
  • ممارسة التعاطف: الفروق الدقيقة والتعاطف هما ترياق للأفكار غير المنطقية. ومن المهم أن نفهم أنه لا يوجد أحد جيد أو سيئ بالكامل. لذا، ضع نفسك مكان شخص آخر رغم أن الأمر ليس سهلاً دائما. وهذا يمكن أن يقطع شوطا طويلا نحو زيادة التعاطف وتقليل الكراهية، مثلما لديك أسباب لمعتقداتك وسلوكياتك، كذلك يفعل الآخرون.
  • إعطاء الأولوية للرعاية الذاتية: من المهم إعطاء الأولوية لحاجاتك والاعتناء بنفسك. على سبيل المثال، إذا كنت مضغوطا، فقد تحتاج إلى إجراء تغييرات في حياتك للتكيّف بشكل أفضل.
شاركها.
Exit mobile version