أثار فريق من الباحثين دهشة المجتمع العلمي باكتشاف جديد يغيّر فهمنا التقليدي للضوء والظلال، حيث تمكنوا لأول مرة من إثبات قدرة شعاع الليزر، الذي يُفترض أنه غير مادي، على إلقاء ظلاله تمامًا كالأجسام المادية.

هذا البحث المنشور في دورية “أوبتيكا” بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قد يفتح آفاقًا جديدة في تطوير تقنيات تعتمد على التحكم بالضوء باستخدام الضوء نفسه، مثل أنظمة التبديل البصري وأجهزة التحكم الدقيقة في نقل الضوء.

ظلال ساطعة في الياقوت

بدأت القصة كمحادثة عابرة بين أعضاء فريق البحث أثناء تناول الغداء، عندما تساءلوا عن إمكانية رؤية الظل الذي يظهر أحيانًا في نماذج المحاكاة البصرية ثلاثية الأبعاد. أدى هذا النقاش إلى قرار جريء بتنفيذ تجربة معملية لإثبات صحة هذه الظاهرة في مختبرات جامعة أوتاوا الكندية.

استخدم الباحثون بلورة من الياقوت كوسط تمر عبره أشعة الليزر. ثم وُجه شعاع ليزر أخضر قوي عبر البلورة، بينما أُضيئت البلورة نفسها بواسطة شعاع ليزر أزرق من الجانب، فظهر ظل مرئي حيث منع الليزر الأخضر الضوء الأزرق من المرور.

الدراسة ركزت على أطوال موجية محددة من الليزر تخص اللونين الأخضر والأزرق (شترستوك)

يشرح رافائيل أبراهاو، الباحث ما بعد الدكتوراه في قسم الفيزياء في مختبر بروكهافن الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية، والمؤلف الأول للدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: “في تأثير ظل الليزر، عندما يدخل الليزر الأخضر إلى مكعب الياقوت، فإنه يغير استجابات المادة لضوء الليزر الآخر موضعيًا. في هذه الحالة، يزيد من امتصاص الليزر الأزرق، وبالتالي يُخلق ظل الليزر الأخضر”.

تلك الظاهرة ليست حصرية في الياقوت تحديدًا، إذ يضيف أبراهاو: “أشرنا في الدراسة إلى أنه يمكن استخدام مواد أخرى من حيث المبدأ، مثل ألكسندريت”.

تعتمد هذه الظاهرة على تفاعلات بصرية غير خطية، حيث يتغير امتصاص الضوء داخل البلورة اعتمادًا على شدة الضوء المسلط. بعبارة أخرى، يعمل شعاع الليزر الأخضر على زيادة امتصاص الضوء الأزرق داخل المنطقة المحددة، مما ينتج عنه منطقة أكثر ظلامًا.

ظل بلا شبيه

بخلاف الظلال التقليدية التي تتسم بظهور مناطق “شبه ظل” رمادية مشوشة ما بين الضوء والظل عند استخدام مصادر ضوئية كبيرة كالمصادر الكونية المعتادة في حياتنا، يشير أبراهاو إلى أن التجربة المختلفة: “تحصل على شبه ظل عندما تضيء بمصدر ضوء له حجم ما، مثل الشمس. ولكن نحن نضيء بمصدر نُقطي، أشبه بمصباح يدوي، لذلك لا يوجد شبه ظل”.

وعلى الرغم من أن الدراسة ركزت على أطوال موجية محددة من الليزر تخص اللونين الأخضر والأزرق، فإن أبراهاو يؤكد إمكانية توسيع نطاق هذه الظاهرة ويجيب: “اعتمد التأثير الموضح على مجموعة معينة من الأطوال الموجية. ومع ذلك، فمن المحتمل جدًا أن يمتد تأثير ظل الليزر إلى مجموعات أخرى من الأطوال الموجية ومواد أخرى بدلا من الياقوت.”

ومع أن التطبيقات العملية لا تزال بعيدة المنال، يوضح أبراهاو: “في هذه المرحلة، لا يزال السؤال مفتوحًا بشأن الأجهزة العملية اليومية التي يمكن أن تنتج عن هذا الاكتشاف. هذا هو أول عرض لمثل هذا التأثير، مما يفتح الأبواب لتطبيقات مستقبلية”.

يرى أبراهاو أن هذا العمل هو مثال على التقدم العلمي الأساسي. ويقول: “سيكون من المثير للاهتمام متابعة الأشياء التي يمكن أن تنشأ عن هذا التأثير.” ويختم: “أعتقد أن إحدى الرسائل التي يمكن استخلاصها من هذا هي أن بعض الأفكار غير البديهية للوهلة الأولى يمكن إثبات صحتها ومثيرة للاهتمام.” وبهذا الإنجاز، ينضم تأثير ظل الليزر إلى قائمة الظواهر العلمية التي تدهش وتثير التفكير، مما يجعل الضوء، مجددًا، محط أنظار العلماء والمهتمين بالابتكار.

شاركها.
Exit mobile version