قام فريق بحثي دولي بدراسة مجموعة من النجوم الثنائية التي يكون فيها نجمان بعيدين للغاية لكنهما يدوران حول بعضهما، واستخدام حركتها كمجسات مباشرة لطبيعة الجاذبية، وقد أظهرت الأرصاد حالات شذوذ لا يمكن تفسيرها إلا بنظرية جديدة نسبيا للجاذبية تسمى “ديناميكا نيوتن المعدلة”.

وقد رصدت تلك الحالة من الشذوذ في الجاذبية في سياق تسارع ضعيف جدا لتلك النجوم المزدوجة (أضعف من حوالي 1 نانومتر في الثانية المربعة). ويشير فريق من العلماء إلى أن الانحراف عن توقعات نيوتن عند مثل هذا التسارع المنخفض يتطلب تعديل النسبية العامة لأينشتاين أو تمديدها على الرغم من كل نجاحاتها خارج نظام التسارع المنخفض.

ويشير “التسارع المنخفض للغاية” إلى المواقف التي تكون فيها قوة الجاذبية بين نجمين ضعيفة للغاية، كالحالة التي يكون فيها النجمان بعيدين عن بعضهما. ويؤدي هذا إلى سلوك غير عادي في حركتهما لا يتطابق تمامًا مع التوقعات التي تقترحها قوانين الجاذبية المعتادة (مثل قانون نيوتن للجاذبية).

رغم نجاحات نظرية نيوتن والنظرية النسبية إلا أنها لا تتمكن من تفسير عدد من الحالات الكونية (ناسا)

وفي دراستين جديدتين، نشرت الأولى بدورية “ذا أستروفيزيكال جورنال” والثانية بدورية “مونثلي نوتيس” الصادرة من الجمعية الفلكية الملكية، يقترح الفريق البحثي أن الخصائص المرصودة لتلك النجوم الثنائية والمستندة إلى أحدث قاعدة بيانات صادرة من مهمة “جايا” التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية تنحرف عن التوقعات نظرية نيوتن بما يتفق مع تنبؤات نظريات الجاذبية المعدلة.

وللتأكد من صحة تلك النتائج، درس الباحثون مجموعة كاملة من العينات للنجوم المزدوجة، وبشكل خاص تلك المنظومات التي يحتوي فيها النظام الثنائي على نظام ثنائي داخلي.

وأظهرت الدراسة أن الشذوذ الجذبي موجود بوضوح في البيانات، حيث تزداد الجاذبية بنحو 40% عندما يكون تسارع أزواج النجوم أضعف من حوالي 0.1 نانومتر في الثانية المربعة، لكن هذا الشذوذ لا يعد شذوذا إذا ما طبقنا ديناميكا نيوتن المعدلة على هذه العينات من النجوم الثنائية.

بديل لنيوتن وأينشتاين

“ديناميكا نيوتن المعدلة” هي نظرية مقترحة لتكون بديلا للجاذبية المعروفة في “فيزياء نيوتن” و”النظرية النسبية”، وتفترض هذه النظرية أن طبيعة الجاذبية تختلف في المسافات الشاسعة، فلا تتبع نفس القوانين المعتادة.

ولفهم الأمر، دعنا نتحدث عن نظريات الجاذبية مثلما نتحدث عن أجيال هواتف الآيفون. فمثلا، هناك الجاذبية العادية التي تحدّث عنها نيوتن قبل نحو 4 قرون، وهي ما تُبقي أقدامنا على الأرض وتتسبب في سقوط ثمرات التفاح.

تعمل نظرية نيوتن جيدا في معظم المواقف اليومية، لكن منذ نحو قرن من الزمان توصل ألبرت أينشتاين إلى تفسير أكثر تفصيلا للجاذبية يسمى “النسبية العامة”، وفي هذه النظرية يشير إلى أن الجاذبية ليست قوة تنشأ بين الأجسام كما كان يعتقد نيوتن، بل نتيجة لقدرة الأجسام على ثني نسيج المكان والزمان من حولها.

ميدان - أينشتاين
ألبرت أينشتاين (ويكيبيديا)

ورغم براعة نظرية أينشتاين في شرح كثير عن الكون بتلك النظرية، فإن قدرتها التفسيرية تراجعت في بعض النطاقات. فمثلا، عندما ينظر العلماء إلى كيفية دوران المجرات وحركتها في التجمعات المجرية، فإنهم يلاحظون أنها لا تتسق مع توقعات نسبية أينشتاين.

وهنا يأتي دور نظريات “الجاذبية المعدلة” التي يفترض المؤيدون لها أنها تحديث أو تصحيح لنظرية النسبية العامة، إذ يفترض منظروها أن الجاذبية قد تعمل بشكل مختلف على المقاييس الكبيرة جدا أو الصغيرة جدا، مقارنة بما اعتدناه، فتفترض نظرية الحرباء مثلا (أحد روافد الجاذبية المعدلة) أن قوانين الجاذبية ليست ثابتة في الكون كله، بل تتغير طبيعة الجاذبية في حالات خاصة بتغير البيئة المحيطة، ومن هنا جاء وصف الحرباء.

أما ديناميكا نيوتن المعدلة فتقترح حلا لمشكلة تواجه العلماء حاليا، وهي أن النجوم في أطراف المجرات تدور بسرعات أكبر من المتوقع لها، بشكل يجعلها من المفترض أن تفلت من المجرة، لكنها لا تفعل.

شاركها.
Exit mobile version