كل عام، تحلق ملايين الطيور المغردة في سماء الليل، متتبعة مسارات قديمة محفورة في غرائزها، لكن دراسة جديدة أجرتها جامعة إلينوي ونشرت يوم 15 يناير/كانون الثاني في مجلة “كارنت بيولوجي” تشير إلى أن رحلاتها قد لا تكون فردية كما كان يعتقد سابقا.
وكشفت الدراسة أن الطيور المغردة قد تتواصل مع أنواع أخرى في أثناء الهجرة، مما يؤدي إلى تكوين روابط اجتماعية وربما مشاركة معلومات حول رحلاتها.
وحلل الفريق البحثي أكثر من 18 ألفا و300 ساعة من التسجيلات الصوتية لطيور تهاجر ليلا عبر شرق أميركا الشمالية. تشير النتائج إلى أن الطيور قد تستخدم هذه الأصوات للإشارة إلى نوعها وعمرها وجنسها، وربما حتى مشاركة تفاصيل حول الملاحة أو مواقع التوقف.
البداية من مختبر كورنيل
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة “بنيامين فان دورين” الأستاذ المساعد في علم الحيوان بجامعة إلينوي: “لا يمكننا الجزم بما تهمس به الطيور، لكنها قد تبث أصواتا في أثناء الطيران للتواصل مع بعضها البعض. قد تساعد هذه الأصوات في الملاحة أو العثور على أماكن مناسبة للراحة”.
يشير “فان دورين” في تصريحات لـ”الجزيرة نت” إلى أن هذا البحث بدأ في مختبر كورنيل لعلم الطيور، وأوضح أنه بينما كان يعتقد أن الطيور تعتمد على الغرائز والذاكرة للهجرة، فإن التفاعلات الاجتماعية قد تلعب دورا أكبر مما كان يعتقد سابقا، مضيفا: “حان الوقت لإعادة التفكير في هجرة الطيور المغردة من منظور اجتماعي”.
تعتمد هذه الدراسة على أعمال سابقة أجراها باحثون في جامعة ماريلاند، التي أظهرت أن الطيور قد تشكل شراكات مؤقتة مع أنواع أخرى في مواقع التوقف. ومع ذلك، فإن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تقديم دليل على أن أنواعا مختلفة من الطيور المغردة قد تتواصل في أثناء الطيران، وفقا للباحث.
تهاجر معظم الطيور المغردة ليلا، عندما تكون الإشارات البصرية محدودة. دفع ذلك المؤلفين إلى استكشاف ما إذا كانت الطيور تستخدم الأصوات للبقاء على اتصال. باستخدام تسجيلات صوتية من 26 موقعا على مدى 3 سنوات، حلل الفريق أصوات طيران 27 نوعا، بما في ذلك 25 نوعا من الطيور المغردة. ساعد “تعلم الآلة” في معالجة هذه الكمية الهائلة من البيانات، مما سمح بتحديد أنماط كان من المستحيل اكتشافها يدويا.
شبيه الطير منجذب إليه
وجد الباحثون أن أصوات أنواع معينة غالبا ما تحدث في وقت متقارب، مما يشير إلى أنها قد تطير قرب بعضها. ومن المثير للاهتمام أن احتمالية هذه الارتباطات اعتمدت على عوامل مثل طول الأجنحة وتشابه الأصوات، إذ كانت الطيور ذات أطوال الأجنحة المتشابهة -وبالتالي سرعات الطيران المتشابهة- أكثر عرضة للطيران معا.
بالإضافة إلى ذلك، قد تنجذب الأنواع ذات الأصوات المتشابهة إلى بعضها، إما لأن أصواتها تطورت لتتطابق أو لأنها تنجذب بشكل طبيعي إلى الأصوات المألوفة. يوضح “فان دورين”: “إذا كان نوعان يطيران بسرعات متشابهة، فمن الأسهل لهما البقاء معا. وإذا كانت أصواتهما متشابهة، فقد يكونان أكثر عرضة للارتباط”.
كما كشفت الدراسة أن الطيور لا تحافظ بالضرورة على الشراكات نفسها في الجو كما تفعل على الأرض. فالأنواع التي تتآلف في مواقع التوقف لا تطير دائما معا، وليست بالضرورة مرتبطة ارتباطا وثيقا أو تشارك تفضيلات الموائل نفسها.
“هذه الدراسة تتحدى الفكرة القديمة القائلة إن الطيور المغردة تهاجر بمفردها، معتمدة فقط على الغرائز. قد تكون الروابط الاجتماعية أكثر أهمية مما كنا نعتقد” كما أوضح المؤلف الرئيسي للدراسة.