حينما يستخدم العلماء تلسكوباتهم في محاولة لفهم توزيع المجرات في الكون عبر مسح سماوي شامل، يجدون أنها لا تتوزع بانتظام، وإنما تتخذ شكل خيوط مترابطة معا وفراغات شبه خالية من المجرات فيما بينها.

ويشبه الأمر قطع الإسفنج، أو تلك القطعة اللذيذة من الجبن في أفلام “توم وجيري”، في نقط التقاء تلك الخيوط معا نجد التجمعات المجرية الكثيفة، التي تحتوي على آلاف المجرات. هذا هو ما يسمى الشبكة الكونية، أعظم أشكال الكون الذي نراه.

ومن هذا المنطلق، يمكن تقسيم بنية الكون كله إلى شيئين، الأول هو الفراغات: مناطق شاسعة، كروية إلى حد كبير، ذات عدد مجرات قليل للغاية، والثاني هو الجدران: المناطق التي تحتوي على المجرات والمادة بشكل عام.

تصور العلماء للشبكة الكونية (أليخاندرو بينيتيز)

سر الشبكة الكونية

ومن خلال مئات الساعات من الأرصاد الفلكية، حصل فريق دولي من الباحثين الآن على صورة عالية الدقة غير مسبوقة لخيوط كونية واضحة داخل هذه الشبكة، والتي تربط بين مجرتين نشطتين في طور التكوين، يعود تاريخها إلى فترة كان عمر الكون حوالي ملياري سنة.

ولكن كيف تكونت هذه الشبكة العجيبة؟ يعتقد العلماء أن السبب يتعلق بوجود المادة المظلمة، التي تشكل حوالي 85% من كل المادة في الكون. تحت تأثير الجاذبية، تشكل المادة المظلمة شبكة كونية معقدة تتكون من خيوط، تظهر عند تقاطعاتها ألمع المجرات.

هذه الشبكة الكونية تعمل كسقالة تُبنى عليها جميع الهياكل المرئية في الكون، فداخل الخيوط، يتدفق الغاز لتغذية تكوين النجوم في المجرات.

الصورة التي التقطها العلماء لامتداد خطوط الغاز بين مجرتين (جوزيف دي باسكال)
الصورة التي التقطها العلماء لامتداد خطوط الغاز بين مجرتين (جوزيف دي باسكال)

صورة غير مسبوقة

ومع ذلك، فإن دراسة الغاز داخل هذه الشبكة الكونية شكل تحديا كبيرا على مدى عقود، فقد تم رصد الغاز بين المجرات من قبل بشكل غير مباشر من خلال امتصاصه للضوء، ولكن تلك الأرصاد السابقة لم توضح توزيع هذا الغاز.

أما في هذه الدراسة الجديدة، التي نشرت في دورية “نيتشر أسترونومي” فقد حصل فريق دولي على صورة عالية الدقة غير مسبوقة لخيط كوني باستخدام أداة “ميوز”، وهو مطياف مبتكر مثبت على التلسكوب الكبير جدا في المرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي.

استخدمت الدراسة البيانات فائقة الحساسية من “ميوز” لإنتاج أكثر الصور وضوحا على الإطلاق لخيوط كونية تمتد على مسافة 3 ملايين سنة ضوئية وتربط بين مجرتين، كل منهما تستضيف ثقبا أسود هائلا نشطا.

يعد هذا الاكتشاف أمرا أساسيا لفهم البيئة الغازية الهشة المحيطة بالمجرات، الأمر الذي يفتح إمكانيات جديدة لتحديد مصدر الوقود للمجرات.

شاركها.
Exit mobile version