تستعيد عملة اليوان الرنمينبي مكانتها العالمية مع طلب انضمام أعضاء جدد في مجموعة البريكس العالمية، في ضوء إعلان كل من تايلاند وتركيا انضمامهما للمجموعة وسط أحداث متسارعة شهدتها الأسابيع الماضية من بينها وقف البنوك الصينية في روسيا التعامل بالدولار واليورو، وقرار السعودية عدم تجديد اتفاقيتها الأمنية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة المنتهية صلاحيتها في 9 يونيو حزيران 2024. إذ تطرح هذه الأحداث تساؤلات حول ما إذا كانت العملة الصينية تستطيع السيطرة على سوق التبادلات العالمية.

واعتبر محمد علي ياسين المؤسس والرئيس التنفيذي في شركة أوراكل للاستشارات والاستثمارات المالية أن توقعات ارتفاع عمليات التسويات المالية المستمر بعملات بديلة، سواء كان بالرنمينبي أو الروبل أو حتى الروبية الهندية وحتى عملة جديدة تصدر من دول تكتل البريكس، إلا أن الدولار الأميركي سيبقى عملة الاحتياط العالمية الأكثر تعاملاً وحتى عدة سنوات قادمة، ولكن بدلاً من أن تمثل 100 في المئة من التعاملات العالمية، فقد تنخفض إلى 60-70 في المئة خلال الأعوام الـ5-10 القادمة.

ولم يستغرب ياسين نمو هذا التوجه لدى كثير من دول العالم التي تستاء من فرض عقوبات اقتصادية عليها وتجميد أرصدتها المالية في الدولار الموجودة في المصارف العالمية بناء على طلب أميركا المسيطرة على عملتها طبعاً.

تدويل اليوان

تعتمد الصين سياسة تدويل عملتها المحلية من خلال دعم مركز اليوان في المدفوعات العالمية عبر نظام السويفت أو استخدامه في التبادلات التجارية الثنائية حيث أبرمت الصين العام الماضي 22 اتفاقية تجارية وثنائية وإقليمية مع 29 دولة، وتسعى الصين ثالثاً في تكثيف الاستثمار الأجنبي بعملة اليوان وتمويل المشاريع والبنية التحتية في الدول المنتسبة إلى مبادرة الحزام والطريق.

وخلال أبريل من العام الحالي احتل اليوان الصيني المرتبة الرابعة على مستوى العالم في التعاملات الدولية وفق بيانات جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، سويفت، بعد الدولار الأميركي واليورو والين الياباني، وحافظ بالمقابل الدولار على ريادته مستحوذاً على ما نسبته 60 في المئة من عملات الدفع في العالم.

ورغم الجهود التي تبذلها الصين في تيسير التجارة بعملة اليوان فإن الدولار لا يزال عملة الاحتياط الدولية حيث يستأثر بنحو 41 في المئة من احتياطيات النقد الأجنبي على مستوى العالم وهو عملة الديون الأساسية بنصيب 60 في المئة من الديون الدولية، و52 في المئة من مدفوعات القروض الدولية.

ولفت ياسين إلى التطورات الأخيرة للدول الراغبة في الانضمام إلى منظومة البريكس الآخذة في التوسع مشيراً إلى رغبة المنظمة في التعامل بعملة أخرى في تبادلاتها التجارية غير الدولار الأميركي. ويشكل ذلك برأيه استمراراً لتوجه بدأ منذ سنوات لكن تتسارع وتيرته مؤخراً بعدما بدأت الولايات المتحدة الأميركية باستخدام عملتها سلاحاً اقتصادياً في العالم وخاصة بعد حرب أوكرانيا منذ أكثر من عامين.

وكانت دول كثيرة، من بينها الأرجنتين والبرازيل والسعودية والهند بدأت استخدام اليوان الصيني في تعاملاتها، بما فيها مع صندوق النقد الدولي، وذلك بدلاً من الدولار. ومع العلم أن تايلاند وتركيا طالبتا بالانضمام إلى مجموعة البريكس التي تشمل منذ مطلع العام 2024 كلاً من الصين وروسيا والهند والإمارات والسعودية ومصر وإيران وإثيوبيا بالإضافة إلى البرازيل وجنوب إفريقيا.

البريكس والعملات المعتمدة

وأثارت سياسة العقوبات التي فرضها الغرب على بعض الدول كروسيا وإيران تحفظات الدول وردود فعل سياسية واقتصادية دفعت الصين وغيرها إلى تقليل الاعتماد على الدولار وتنويع سلة احتياطاتها من عملات أخرى أو ذهب أو معادن طبيعية، ورغم ذلك تجدر الإشارة إلى أن الصين تعتمد على التصدير وتحتاج إلى الدولار للحفاظ على قيمة اليوان وضمان صادراتها من السوق العالمية.

ويقول ياسين “إن ما نراه حالياً من قيام الدول بتوقيع اتفاقيات تسويات مالية ثنائية فيما بينها لتغطية تعاملاتها التجارية المتبادلة هو نتاج طبيعي لرغبة الدول بالتحكم في قراراتها السياسية والاقتصادية كدول سيادية دون الخوف من (تسليط أميركا سلاح الدولار) عليها للضغط على قراراتها بما لا يتفق مع السياسة الأميركية حسب قوله.”

هذا الأمر قد لا يروق للعديد من الدول الغربية، ولكن الحماية المفرطة التي تفرضها أميركا وأوروبا مؤخراً على المنتجات الصينية هو السبب الأساسي في دفع دول البريكس لإيجاد بديل مناسب تستطيع التعامل به دون مخاوف من تجميد أصولها وتحديداً من الأطراف التي تستطيع التعامل معها حسب مصالحها السيادية.

هل يضعف انتهاء اتفاقية البترودولار هيمنة الدولار؟

أنهت السعودية، قبل أيام، اتفاقية البترودولار مع أميركا بعد خمسين سنة، وتحديداً في 9 يونيو حزيران، وأعلنت الرياض عدم تجديدها، وكانت الاتفاقية الثنائية عقدت عام 1974 وتنصُّ على بيع النفط السعودي بالدولار الأميركي حصراً مقابل التبادل العسكري والأمني والتطوير الاقتصادي.

وتسمح هذه الخطوة المحورية للسعودية ببيع النفط والسلع الأخرى بعملات مختلفة، حيث تشمل هذه العملات اليوان الصيني، واليورو، وليس الدولار الأميركي حصرياً وتثير هذه الخطوة تساؤلات عما إذا كان الدولار الأميركي سيتراجع عن مكانته كسيد العملات خلال عقود طويلة ماضية، خاصة مع وصول قيمة الدين العام الأميركي إلى نحو 35 تريليون دولار.

شاركها.
Exit mobile version