منتدى قطر الاقتصادي

الدوحة – قنا

تحتضن دولة قطر، النسخة الثالثة من منتدى قطر الاقتصادي، المنصة الإقليمية الأبرز لإثراء الحوار حول القضايا الاستراتيجية التي تتصدر أولويات الاقتصاد العالمي، وتعزيز الشراكات الاقتصادية الدولية، وتقوية جسور التواصل والحوار بين مختلف الشعوب، بما يشخص الواقع الدولي ويستشرف المستقبل.

وتناقش هذه الدورة من المنتدى، التي تنظم بدعم من /بلومبيرغ/، في محاور رئيسية، الترابط الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي والهند وجنوب شرقي آسيا، وأثر العلاقة بين هذه القوى الإقليمية في دفع النمو العالمي خلال العقد القادم، والفرص الاستثمارية التي يمكن أن تتمخض عنها للشركات العالمية.

وفي محور رئيسي آخر ضمن هذه النسخة التي تستمر ثلاثة أيام، يبحث المنتدى السبل المثلى لإدارة التضخم وتعزيز الإنتاجية طويلة الأجل والنمو الاقتصادي وسبل رفع رواتب ومخصصات العمال دون التسبب في ركود عميق وطويل الأمد. كما تتقصى أفضل استراتيجيات الاستثمار في الأسواق الناشئة، متلمسة الطريق نحو أكثر خيارات النمو جدوائية للاستثمار في الأسواق العالمية المتقلبة اليوم.

وفي محور ثالث يتعلق بمستقبل العولمة والتجارة العالمية، تنظر هذه النسخة في أثر تغير المصالح الجيوسياسية على التجارة عبر الحدود، وتناقش كيفية تطوير التجارة المباشرة بين دول الجنوب في عالم يتسم بالإدارة الاقتصادية الأكثر حزما وبالابتعاد عن العولمة. وفي شأن التحول الطاقي، تتناول هذه النسخة سبل توجيه التحول العالمي للطاقة الخضراء وجهود الأعمال المستدامة، الوجهة الصحيحة عبر تجنب أسوأ سيناريوهات التغير المناخي، إضافة إلى تسليطها في محور منفصل، الضوء على الطريقة التي سيتحد بها الذكاء الاصطناعي و/البلوك تشين/ و/ميتافيرس/ والتقنيات الأخرى لإحداث ثورة في طرق التداول والعمل وحتى في مجال الألعاب.

وعلى الصعيد الرياضي تبحث النسخة الثالثة من منتدى قطر الاقتصادي، سبل تعظيم الإمكانات التجارية للرياضات العالمية مع حماية روح الألعاب.

وتعليقا على أهمية الدورة الحالية للمنتدى، قال السيد مهند مكحل الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد قطر، في لقاء مع وكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن منتدى قطر الاقتصادي، هو واحد من أبرز الأحداث والفعاليات الدولية التي تستهدف الدولة من خلالها استقطاب رؤساء الحكومات وقادة الأعمال المؤثرين والأكاديميين لتسليط الضوء على الابتكارات الضرورية لدفع عجلة الاقتصاد العالمي إلى الأمام، بما يشكل حلقة وصل بين الشرق والغرب وإفريقيا.

وأشار السيد مكحل إلى أن الهدف من تنظيم نسخة ثالثة من منتدى قطر الاقتصادي هو رسم مسار المراحل المستقبلية للنمو الاقتصادي العالمي، وذلك في ظل ما يشهده النشاط الاقتصادي القطري من انتعاش مدفوعا بعوامل عدة، منها انتعاش الطلب المحلي ونمو ائتمان القطاع الخاص.

وأوضح أن منتدى هذا العام يسعى بشكل خاص إلى تعزيز ترابط المجتمع الدولي، حيث ستتمحور نسخة 2023 حول مواضيع تركز على النمو العالمي للتأسيس لخريطة طريق جديدة للنمو العالمي، في بيئة اقتصادية مليئة بالتحديات، وذلك في وقت يستعد فيه رؤساء الدول ورواد الأعمال العالميون لمناقشة عدد من التحديات العالمية والقضايا الملحة والحلول المقترحة لها على خلفية أهم الأحداث الجارية حاليا في المنطقة، انطلاقا مما يمثله المنتدى من منصة اقتصادية حوارية لمناقشة القضايا الاقتصادية والمالية العالمية وتبادل الأفكار والخبرات والتجارب بين المشاركين من مختلف الدول، وما يقدمه من منصة للتعاون بين الشركات والمؤسسات المالية في قطر وفي جميع أنحاء العالم لزيادة التبادل التجاري والاستثمار وتحسين الاقتصادات المحلية.

ولفت في هذا الصدد إلى أهمية المنتدى في تعزيز التفاعل والتكامل الاقتصادي بين الدول والاستقرار الاقتصادي العالمي، والمساعدة كذلك في تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون بين قطر ودول إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين هذه الدول.

وأكد السيد مكحل أن تلك الأهمية تنبع من مناقشاته المتعمقة لوضع الاقتصاد العالمي الذي يشهد حاليا تقلبات وتحديات كثيرة نتيجة للعوامل الجيوسياسية والمالية والتجارية وغيرها، فمن جهة، تشهد العديد من الدول نموا اقتصاديا قويا وزيادة في حجم التجارة الدولية والاستثمار، وهذا يمكن أن يساعد في دفع الاقتصاد العالمي للأمام، ولكن من جهة أخرى، تواجه بعض الدول تحديات اقتصادية كبيرة، مثل الديون المتراكمة وضعف النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.

ورأى أن هذه التقلبات يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الصناعة المصرفية، فعلى سبيل المثال، في حالة مواجهة الدول صعوبات اقتصادية، فإن البنوك قد تواجه تحديات في تقديم القروض وتحقيق الأرباح، وهذا يمكن أن يؤثر على نمو البنوك وكذلك على الاقتصاد بشكل عام. واستنادا إلى تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي لشهر أبريل الماضي، فإن آفاق النمو أصبحت محفوفة مجددا بعدم اليقين وسط اضطراب القطاع المالي وارتفاع التضخم والآثار المستمرة من الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة /كوفيد/ التي امتدت لثلاث سنوات، حيث تشير تنبؤات التقرير الأساسي إلى هبوط النمو الاقتصادي من 3.4 بالمئة في 2022 إلى 2.8 بالمئة في 2023، قبل أن يستقر عند 3 بالمئة في 2024.

ولفت إلى أن العوامل الجيوسياسية المتعلقة بالتجارة الدولية والمالية، مثل التوترات التجارية بين الدول والتغيرات في أسعار الصرف، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على القطاع المصرفي، وخاصة في الأسواق الناشئة التي تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية والتجارة الدولية. “ومع ذلك، يمكن أن يتحول هذا التحدي إلى فرصة للقطاع المصرفي لتحقيق النمو والتوسع من خلال مزيد من التركيز على الابتكار والتكنولوجيا والتحول الرقمي، وتطوير منتجات وخدمات مصرفية جديدة لتلبية احتياجات العملاء في ظل التحولات الاقتصادية العالمية”.

وفيما يتعلق بالتحول في النظام الاقتصادي العالمي الحالي، قال إن التوقع النهائي لتلك التحولات يعتمد على العديد من العوامل المتغيرة، التي تشمل على سبيل المثال تطورات السياسة الاقتصادية والتجارية في العالم، وتطورات الأحداث الجيوسياسية والاجتماعية في الصين تحديدا، والتغيرات في أسواق السلع والعملات العالمية.

ورأى أن من المهم النظر إلى الصين كجزء أساسي من النظام الاقتصادي العالمي، وتحديد التحديات والفرص التي يمكن أن تواجه الاقتصاد العالمي في المستقبل، مع الأخذ في الاعتبار الآثار التي نجمت عن جائحة كورونا وانخراط البلدان في حرب تجارة استمرت على مدى ثلاثة أعوام.

وتابع السيد مهند مكحل الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد قطر، “لا شك أن الصين تلعب دورا محوريا في الاقتصاد العالمي، وأنها واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، وأنها من خلال سياساتها الاقتصادية والتجارية المتجددة، تسعى باستمرار إلى تعزيز التجارة الدولية والاستثمار والنمو الاقتصادي وتعويض خسائرها خلال فترة الجائحة. وبالنسبة للضغوط التضخمية المتوقعة في الصين، فلا نرى مجالا لظهورها مرة أخرى، حيث إن الأوضاع المالية العالمية قد تحسنت هذا العام مع بدء تراجع الضغوط التضخمية، وساهم ذلك، إلى جانب ضعف الدولار الأمريكي، في إعطاء متنفس بسيط للبلدان الصاعدة والنامية. كما أن انفتاح الصين مجددا أمام العالم بشكل مفاجئ مهد الطريق لسرعة انتعاش النشاط الاقتصادي في جميع الأسواق المستوردة، حيث كانت القيود المفروضة وموجات تفشي فيروس /كوفيدــ19/ في الصين قد أدت إلى إضعاف النشاط الاقتصادي العام الماضي، لكن مع إعادة فتح الاقتصاد، نرى الآن انتعاش النمو وبلوغه 5,2 بالمئة هذا العام مع تعافي النشاط وحرية التنقل”.

وفيما يتعلق بتجاوز العالم أزمة سلاسل التوريد المستمرة، والتباين بين وظائف المستقبل والقدرات الحالية للقوى العاملة في ظل عالم ما بعد جائحة كورونا، قال إنه لا يمكن الجزم بأن العالم قد تجاوز تماما أزمة سلاسل التوريد المستمرة والتباين بين وظائف المستقبل والقدرات الحالية للقوى العاملة في ظل عالم ما بعد جائحة كورونا، “فالجائحة والقيود الناتجة عنها ما زالت تؤثر على سلاسل التوريد والإنتاج في بعض الدول، كما أنها تسببت في تغيرات كبيرة في الاقتصاد العالمي وفي سوق العمل. فالانقطاعات في سلاسل الإمداد وزيادة التوترات الجغرافية-السياسية جعلت المخاطر وكذلك المنافع والتكاليف المحتملة من التشتت الجغرافي-الاقتصادي في قلب الحوار بشأن السياسات التي يمكن أن تعيد تشكيل جغرافية الاستثمار الأجنبي والتي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد العالمي. وفي أعقاب الدعم الاستثنائي لمواجهة الجائحة ومحاولات تجاوز أزمة سلاسل التوريد، ينبغي أن تعمل الحكومات على خفض التضخم وتعزيز الاستقرار المالي مع حماية الفئات الأكثر ضعفا والحفاظ على الموارد العامة”.

وأوضح أن هناك تحركات كبيرة تجري في العالم لمواجهة هذه التحديات، حيث تسعى الآن العديد من الحكومات والشركات في جميع الدول إلى تحسين سلاسل التوريد وزيادة الاستدامة في الإنتاج، وهذا يمكن أن يساعد في تخفيف تأثير الأزمات في المستقبل. ولا شك أيضا أن هناك تحولات كبيرة في سوق العمل، حيث تسعى الشركات إلى تحديث وظائفها وإعادة هيكلة الموظفين الحاليين وجذب المواهب الجديدة التي تمتلك المهارات المطلوبة في سوق العمل المتغير، وهذا يمكن أن يساعد في تلبية احتياجات سوق العمل في المستقبل وتحسين فرص العمل والدخل. لذا فإنه يجب أن نواصل العمل على مواجهة التحديات الناجمة عن جائحة كورونا وتطوير حلول جديدة للأزمات المستقبلية، من خلال التعاون الدولي والتحول الرقمي والابتكار في الإنتاج والتجارة والعمل.

من جهته، رأى الدكتور حسن لطيف كاظم أستاذ التنمية الاقتصادية بجامعة الكوفة ومدير مركز الرافدين للحوار بالعراق، في لقاء خاص مع وكالة الأنباء القطرية /قنا/ بشأن الظرف الاقتصادي الدولي الحالي، أنه على الرغم من التفاؤل الذي بدأ به عام 2023 إلا أنه تبدد بعض الشيء مع زيادة حالة عدم اليقين لدى الحكومات والشركات والأفراد، فقد أدى الاضطراب المصرفي في مارس 2023 إلى تقويض التفاؤل بشأن الاقتصاد العالمي. وأصبحنا نسمع كثيرا من الآراء بشأن احتمالات حصول ركود عالمي. وهو أمر كان واضحا جدا في أحدث التقارير الصادرة عن /المنتدى الاقتصادي العالمي/ في مايو 2023، وإلى حد كبير في تقرير صندوق النقد الدولي /آفاق الاقتصاد العالمي/ الصادر في إبريل 2023.

وقال إن التوقعات تشير إلى احتمالات قوية بشأن أن يكون النشاط الاقتصادي أكثر ازدهارا في آسيا مقارنة مع باقي مناطق العالم، إذ يتوقع أن تؤدي إعادة فتح الصين إلى إعطاء دفعة قوية لهذا النشاط في الصين وجميع أنحاء القارة. ومع ذلك فمن المتوقع أن تكون معدلات التضخم معتدلة إلى حد كبير في آسيا، مع تعزيز فرص الانتعاش في اقتصادات القارة، لكن قد تختلف الأوضاع في أوروبا وأمريكا الشمالية، التي يمكن أن تتعزز فيها الضغوط التضخمية مع اهتزاز الثقة بالنظام المصرفي وتعقيد سياسات كبح التضخم في بلدان القارتين، وقد تواجه البنوك المركزية فيها صعوبات في إدارة التضخم وضمان الاستقرار السعري والمالي. وقد تنتج هذه الأوضاع نقصا في تدفقات الائتمان المتاح للشركات ولأسواق العقارات وربما يؤثر ذلك على فرص تعزيز النمو المستدام وتوليد فرص العمل.

ولفت أستاذ التنمية الاقتصادية بجامعة الكوفة، إلى أن التوقعات تشير كذلك إلى اتجاه الشركات إلى إعادة تشكيل سلاسل التوريد الخاصة بها استجابة لتراجع عولمة الأنشطة الاقتصادية عبر العالم من تفشي الجائحة، ولا سيما بعدما تبين ضعف مرونة هذه السلاسل في مواجهة الأزمات العالمية واسعة النطاق /كوفيد/ والتوترات الجيوسياسية /أزمة روسيا وأوكرانيا/، في وقت يتم فيه المزيد من تكثيف الصناعة وتركيزها في مناطق بعيدة نسبيا عن أسواق الاستهلاك في البلدان المتقدمة.

شاركها.
Exit mobile version