يمر اقتصاد الولايات المتحدة اليوم بواحدة من أشد موجات التضخم، الذي ارتفع من صفر في المئة عام 2020 إلى تسعة في المئة في النصف الثاني من 2022، قبل أن يعتدل عند نحو خمسة في المئة في مارس آذار 2023.

فخلال ذروة الوباء، أدى الإنفاق المالي المتمثل بالمساعدات النقدية التي خُصصت لكل أميركي إلى زيادة نسبة التضخم.

وتعتمد استراتيجية «الاحتياطي الفيدرالي» على التشديد النقدي لمكافحة ارتفاعات الأسعار، الأمر الذي يتطلب تعديل أسعار الفائدة.

ومع رفع «الاحتياطي الفيدرالي» أخيراً أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 25 نقطة أساس لتصل إلى 5.25 في المئة، بات من الضروري إلقاء نظرة على العديد من مؤشرات الاقتصاد الكلي لقياس تأثير أسعار الفائدة الإجمالي.

تعتبر المصارف رفع أسعار الفائدة شيئاً غير مستحب.

أولاً، يمكن أن تؤثر الزيادة في أسعار الفائدة سلباً على المقترضين من خلال رفع تكلفة رأس المال، ما يجعل الاقتراض، سواء لأغراض شخصية أو لأغراض الرهن العقاري، أقل جاذبية.

ثانياً، تعتبر المصارف رفع أسعار الفائدة شيئاً غير مستحب، وذلك لعدم قدرتها على الاستفادة من ارتفاع دخل الفائدة، فلمعظم البنوك في الولايات المتحدة استثمارات كبيرة في السندات الحكومية، وبالنظر إلى العلاقة العكسية بين سعر السندات وأسعار الفائدة، يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى انخفاض سعر السندات، وبالتالي فإن البنوك محاطة بالقلق المتمثل في تدوين الاستثمارات التي تؤثر على جودة ميزانياتها العمومية.

وقد جاء انهيار بنوك «سيليكون فالي» و«سيغنتشر» و«فيرست ريبابليك»، نتيجة مباشرة للسيناريو أعلاه، وبالتالي تصبح البنوك أكثر تحفظاً في الإقراض خشية ظهور القروض كأصول غير عاملة، ما يزيد من تآكل جودة الأصول التي في حوزة البنوك.

تأثير رفع الفائدة على القطاع العقاري

في هذه الحالة، تتأثر القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على التمويل المصرفي بشكل سلبي ولا يزال قطاع العقارات من أكثر القطاعات حساسية وارتباطاً بتقلبات أسعار الفائدة.

ومن المرجح أن يفقد القطاع العقاري بعضاً من قوته التي اكتسبها في أعقاب الوباء، فعندما تصبح القروض أكثر تكلفة سيفضل المشترون المحتملون تأجيل خططهم لشراء المساكن، ما سيتسبب في ضغوط على القطاع العقاري لتقديم أسعار تنافسية وبالتالي تصحيح الوضع في القطاع ككل.

الإمارات واحدة من الدول القليلة في العالم التي تعافت بسرعة من تداعيات جائحة كورونا.

وتشهد بعض الولايات الأميركية بالفعل تصحيحاً في القطاع العقاري باعتبارها تداعيات مباشرة لارتفاع أسعار الفائدة.

هل سيتكرر هذا الاتجاه في مناطق أخرى من العالم أيضاً؟ ليس بالضرورة.

فعادة ما يكون قطاع العقارات بالأسواق المتقدمة أكثر تأثراً بتقلبات أسعار الفائدة على خلاف الأسواق الناشئة.

القطاع العقاري في الإمارات

ففى دولة الإمارات، بقي التضخم تحت السيطرة، وعلى الرغم من الحاجة إلى مواكبة زيادات أسعار الفائدة محلياً نظراً لربط سعر العملة بالدولار الأميركي، فإن المعدلات الحقيقية لا تزال إيجابية.

وكانت الإمارات واحدة من الدول القليلة في العالم التي تعافت بسرعة من تداعيات جائحة كورونا، وساعد الاستثمار الرأسمالي الحصيف في الاستضافة الناجحة لمعرض «إكسبو 2020»، والإنفاق على البنية التحتية على وضع الإمارات ودبي على أرضية صلبة.

وأخيراً، تظل العقارات في دبي إلى حد كبير في وضع آمن بعيداً عن تقلبات الاقتصاد العالمي والأزمة المصرفية التي تؤثر على الاقتصادات في بلدان أخرى.

وعلى الرغم من الزيادة في أسعار الفائدة، فقد ساعد الطلب المتزايد على المشاريع العقارية المتزامن مع التدفق الهائل للسكان الوافدين في الحفاظ على مركز دبي التنافسي في سوق العقارات.

ولطالما ساعدت مكانتها كوجهة تجارية وترفيهية منذ فترة طويلة في دعم عوائد الإيجار، حيث تعد دبي واحدة من الوجهات القليلة في العالم التي تقدم أعلى العائدات الإيجارية التي تقترب من ستة في المئة بعد الضرائب.

ساعدت جميع العوامل المذكورة أعلاه في الحفاظ على ازدهار قطاع العقارات في دبي والإمارات عموماً، وسيستفيد المستثمرون الدوليون من الحفاظ على جزء من عقارات دبي ضمن محافظهم الاستثمارية للتنويع وتحقيق عوائد أعلى.

* أولاس راو أستاذ مساعد العلوم المالية بجامعة «هيريوت-وات دبي»

** الآراء الواردة بالمقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية»

شاركها.
Exit mobile version