طريق التنمية

الدوحة – قنا

يسعى العراق من خلال خطة طموحة لتطوير بنيته التحتية للسكك الحديدية والطرق وبتنفيذ مشروع /طريق التنمية/ الذي يبدأ من البصرة في أقصى جنوب العراق، ويمر بعشر محافظات عراقية وصولا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ليصبح مركزا إقليميا للنقل يربط بين أوروبا والخليج العربي .

ويعاني العراق منذ عقود من إفرازات بنية تحتية متهالكة، ولم تفلح الإيرادات النفطية الكبيرة في السنوات الماضية في تحقيق الأهداف المرجوة الضرورية لنهضة تنموية شاملة، وسط اتهامات بالفساد. ولأجل ذلك سعت الحكومة العراقية لتلافي الفشل والعقبات التي وقعت بها الحكومات السابقة، عبر إنضاج برنامج إصلاحي كبير للاقتصاد العراقي، من خلال خطة طموحة تبدأ من قطاع النقل عنوانها /طريق التنمية/، على أمل بأن نتائجها ستنعكس على باقي القطاعات، ناهيك عن سعي بغداد لتمتين العلاقات في المحيط الإقليمي الذي يحاول الخروج من أتون الأزمات البينية.

ويهدف مشروع /طريق التنمية/ الذي أعلن عنه محمد شياع السوداني رئيس الوزراء العراقي خلال مؤتمر بعنوان /طريق التنمية/ عقد في بغداد مؤخرا، بحضور مسؤولي من وزارات النقل من عشر دول مجاورة، إلى تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية والطرق ليصبح العراق مركزا إقليميا للنقل، يربط ميناء الفاو الكبير جنوبا على الخليج العربي وصولا إلى معبر فيشخابور الحدودي مع تركيا ومنها إلى الدول الأوروبية.

وشهد المؤتمر مشاركة 10 دول إقليمية منها السعودية وقطر والكويت والأردن وتركيا وإيران، وكانت نواته قد بدأت قبل خمسة أشهر عندما أجرى العراق مباحثات مع دول الجوار، ثم أعقبه الانفتاح على الدول الأخرى التي رحبت بالمشاركة، ويتوقع أن تساهم كل منها باستثمارات متنوعة في المشروع الذي سيخدم المنطقة الإقليمية برمتها.

وقال محمد السوداني رئيس الوزراء العراقي إن المشروع البالغ طوله 1200 كيلومتر، والذي يمتد من الحدود مع تركيا في الشمال إلى الخليج العربي في الجنوب، سيكون حجر الزاوية لاقتصاد مستدام لا يعتمد على النفط، ويساهم في التكامل الإقليمي، إذ إن تطوير قطاع النقل المتهالك، سيحدث معه نهضة في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها من القطاعات التي عانت خلال الأربعين سنة الماضية.

وتنتهي المرحلة الاولى من المشروع بحلول عام 2028 بحسب الخطة الموضوعة، على أن تنتهي المرحلة الثانية بعدها بعشر سنوات، حيث تزداد معها الطاقة الاستيعابية للنقل إلى 400 ألف حاوية، وصولا إلى المرحلة النهائية المقررة عام 2050، على أن تدر المشاريع عوائد سنوية بين 4 – 5 مليارات دولار في المراحل الأولى من بداية العمل.

وكان رئيس الوزراء العراقي قد زار أنقرة في شهر مارس الماضي، واتفق مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على حزمة من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية، من أبرزها الربط بين موانئ البصرة على مياه الخليج العربي والأراضي التركية، بطريق بري مزدوج لتسهيل النقل التجاري.

وتتوقع العراق أن هذا المشروع سيوفر آلاف من فرص العمل لمواطنيها، سواء في مدينة الفاو الصناعية المزمع إنشاؤها والتي تنتظر افتتاح دول مستفيدة بعض المشاريع هناك، مثل الصين التي أبدت استعدادها مرارا لنقل جزء من مصانعها إلى مدينة الفاو، مستفيدة من قصر المسافة وتوافر المواد الأولية والأيدي العاملة، ناهيك عن الانتعاش التجاري الذي سيخدم المدن التي تقع على طول الطريق من البصرة جنوبا إلى شمال العراق.

وتعول الصين والهند على هذا المشروع في زيادة صادراتها إلى أوروبا عبر الموانئ في العراق وتركيا، كما تعول عليه تركيا أيضا التي تريد أن تزيد من ميزانها التجاري مع العراق.

وتأمل الخطة أن المشروع سيحول العراق إلى محطة كبيرة للتجارة والنقل، تتفرع عنها شبكة من المنافذ، مع تركيا نحو أوروبا، وآخر إلى البحر المتوسط، والثالث إلى البحر الأحمر عبر السعودية، والخامس يصل لميناء العقبة عبر الأردن، فضلا عن الطريق البحري من ميناء الفاو إلى الصين والهند الذي سيختصر المسافة من آسيا لأوروبا إلى 15 يوما، عوضا عن المواعيد الحالية ما بين 30 – 45 يوما.

ويقول القائمون على مشروع /طريق التنمية/، إن المرتكز الرئيسي لنجاح المشروع يعتمد على إنشاء قطارات عالية السرعة لنقل البضائع التي ستتدفق على ميناء الفاو بسرعة تبلغ 140 كيلومترا في الساعة، في حين تقدر السرعة القصوى لنقل الركاب بـ 300 كيلومتر في الساعة.

وعلاوة على القطاع التجاري والنقل، فإن مدينة الفاو ستكون موقعا لبناء محطة تحلية مياه البحر، خصوصا وأن العراق يعاني منذ سنين من أزمة بمياه الشرب، فقد انخفض مخزون المياه عام 2022 إلى النصف مقارنة بعام 2021.

ويمتد السقف الزمني للخطة لخمس سنوات، جنبا إلى جنب مع إكمال مشروع ميناء الفاو، الذي يتوقع الانتهاء منه في عام 2025، ويقدر الخبراء تكلفة مشروع طريق التنمية بـ17 مليار دولار، يتم تمويلها من الحكومة العراقية، بالإضافة إلى مشاريع استثمارية لشركات عالمية وإقليمية وتعاقدات تمويلية متوقعة.

لكن رغم النجاحات المتوقعة، فثمة محاذير قد ترافق هذا المشروع ومنها احتمال زيادة الهجرة غير النظامية، لاسيما وأن المهاجرين لطالما اعتبروا تركيا محطة انتقالية في محاولتهم الوصول إلى القارة الأوروبية.

وهناك من يتحدث عن أن تحول العراق إلى مركز عبور يختصر زمن السفر بين آسيا وأوروبا، قد يؤثر على قناة السويس في مصر، لكن الجهات العراقية تعتقد أن زيادة التجارة الدولية بشكل سنوي، في /طريق التنمية/ سيكون رديفا داعما للنشاط التجاري لقناة السويس التي لم تعد كافية لوحدها، أمام حركة التجارة العالمية المتصاعدة، كما أن /طريق التنمية/ الذي يركز على النقل من خلال السكك الحديدية، لا ينافس اختصاص قناة السويس في الحمولات الكبيرة جدا التي يفضل نقلها بحريا.

وقد شهد مؤتمر /طريق التنمية/ الذي عقد في بغداد نقاشا حول ضم سكة الحديد الخاصة بمشروع العراق، مع سكك الحديد الخليجية، وهو ما سيربط بين الخليج العربي وتركيا، ويساهم في تنشيط التجارة من موانئ عمان وصولا إلى أوروبا، كما بحث المسؤولون ربط خطوط وأنابيب نقل الطاقة التي سيجري التفاهم بشأنها.

على صعيد متصل، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، إدخال الربط الكهربائي مع الأردن الخدمة مطلع شهر يوليو المقبل، كمرحلة أولى بطاقة 50 ميغاواط تصل إلى قضاء /الرطبة/ بمحافظة الأنبار لتغذية الشبكة الوطنية.

وأوضحت الوزارة في بيان لها أن الربط مع الأردن كان يستلزم إنشاء خط يمر جزء منه عبر الأراضي العراقية والجزء الآخر عبر الأراضي الأردنية، حيث كان من المفترض أن يدخل للعمل في يونيو المقبل، ولكن نتيجة بعض الظروف الفنية تم تأجيله إلى مطلع يوليو، وأضافت أن الربط الكهربائي مع تركيا جاهز، ولكن في انتظار تسعير الخدمة ليدخل حيز التنفيذ كمرحلة الأولى.

شاركها.
Exit mobile version