باريس – قنا

تعتبر غرفة التجارة العربية الفرنسية إحدى المؤسسات البارزة في دعم وتنمية العلاقات التجارية بين فرنسا والدول العربية، حيث تلعب دورا رئيسيا في تنشيط وتسهيل المبادلات الاقتصادية وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

تأسست الغرفة عام 1970، بمبادرة من وزير الدولة الأسبق في حكومة الجنرال ديغول، وبالتعاون مع ممثل جامعة الدول العربية في باريس، بهدف توفير منصة تجمع بين الشركات الفرنسية وممثلي القطاع الخاص العربي. ويعكس التكوين الإداري للغرفة هذا التوجه، حيث يتألف مجلس إدارتها بالتساوي بين ممثلي الشركات الفرنسية وغرف التجارة الوطنية وأصحاب الأعمال العرب.

وتتمثل المهام الأساسية للغرفة في منح الشرعية لوثائق التصدير الموجهة إلى الدول العربية، وتوفير المعلومات حول الفرص الاستثمارية وتطورات الأسواق، إضافة إلى تقديم الاستشارات المتخصصة لمساعدة الشركات في عمليات التصدير والتوسع الدولي. كما تسعى الغرفة إلى تبسيط الإجراءات التجارية وتوفير حلول عملية للمؤسسات الراغبة في دخول الأسواق العربية والفرنسية على حد سواء.

وفي إطار جهودها لتعزيز التعاون الاقتصادي، نظمت الغرفة في ديسمبر الماضي القمة الاقتصادية الخامسة بين فرنسا والدول العربية، بمشاركة واسعة من ممثلي القطاعين العام والخاص، بهدف مناقشة الفرص والتحديات الاقتصادية المشتركة.

ومع حلول عام 2025، تستعد غرفة التجارة العربية الفرنسية للاحتفال بذكرى مرور 55 عاما على تأسيسها، في محطة تعكس عقودا من الجهود المبذولة لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين فرنسا والعالم العربي، وترسيخ دورها كجسر يربط بين ضفتي المتوسط.

وفي هذا السياق، أكد فانسان رينا، رئيس الغرفة التجارية العربية الفرنسية، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن أولوية غرفة التجارة هو ضمان أن تتمكن الشركات الفرنسية والشركات العربية من التفاهم والعمل معا بشكل أفضل، ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على الشركات الفرنسية أن تكون على دراية كاملة بالإمكانات الهائلة التي تتمتع بها الدول العربية في كافة المجالات الاقتصادية، كما يتعين عليها أن تتعامل معها برؤية الشراكة، ورؤية التكامل، ورؤية المساواة.

وقال: “ليس من قبيل الصدفة أن غرفة التجارة، قامت كجزء من النسخة الخامسة للقمة الاقتصادية الفرنسية العربية الأخيرة التي انتظمت في ديسمبر 2024 في باريس، بترتيب المائدة المستديرة الخاصة بدول الخليج حول موضوع طموحات الفضاء والطاقة والذكاء الاصطناعي، ولكن أيضا حول إزالة الكربون من الصناعة واقتصاد الخدمات، لأن هذه هي القضايا الرئيسية التي يجب معالجتها، حيث أن دول الخليج وقطر على سبيل المثال يريدون أن يكونوا في طليعة الابتكار، وفي طليعة التقنيات الحديثة، التي من الممكن العمل معا في مجالها، كالطاقة النووية على سبيل المثال”.

وأشار الى أن هذه القمة شهدت مشاركة استثنائية لافتة وجمعت ما يقرب من 400 مشارك، بما في ذلك العديد من الوفود من البلدان العربية، مشددا على أن في مواجهة هذا العالم المضطرب الذي نعرفه اليوم، وفي ظل التحديات الكثيرة التي يتعين على غرفة التجارة مواجهتها، سواء كانت بيئية أو تكنولوجية أو إنسانية أو اقتصادية، يتعين علينا أن نتجاوز “العلاقة التاريخية” التي تربطنا بالعالم العربي من أجل جعله أكثر تماسكا واستقرارا، من خلال بناء استراتيجية واضحة، خاصة مع استمرار تزايد المنافسة وارتفاع المخاطر، كما يجب وضع عملية إصلاح شاملة من أجل تلبية التوقعات التي تم التعبير عنها.

وأعلن أنه أطلق خمس مبادرات ستقوم غرفة التجارة بتنفيذها وهي: إنشاء لجان جغرافية ثنائية برئاسة عضو فرنسي وعضو عربي في الغرفة، حول أسواق شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وإنشاء مركز أبحاث حول التطورات الاستراتيجية والجيوستراتيجية في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، والعمل على مواضيع، مثل القضايا البيئية المتعلقة بندرة المياه، والإدارة المستدامة للموارد، والتكيف مع الوضع المناخي الجديد، مع الشركات الأعضاء التي لديها حلول بيئية قوية،وتعزيز نهج الغرفة في مجال الابتكار والشركات الناشئة، مع الشركات والشركاء الفرنسيين والعرب، وتهدف هذه المبادرات إلى بناء جسور من التعاون المستدام وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين فرنسا والعالم العربي في المجالات الحيوية.

 

وبخصوص مساهمة غرفة التجارة العربية الفرنسية في دفع الشراكة الاقتصادية القطرية الفرنسية وآفاق التعاون المستقبلي، أكد فانسان رينا، رئيس الغرفة التجارية العربية الفرنسية، في معرض تصريحاته لـ”قنا”، أن الحوار الاستراتيجي الذي تم إنشاؤه بين فرنسا وقطر، يشمل الجانب الاقتصادي بطبيعة الحال، مكملا للجوانب الدبلوماسية أو الأمنية أو التدريبية، وحدد بشكل خاص أهمية التوازي بين الرغبة في التنويع الاقتصادي التي تشير إليها رؤية قطر الوطنية 2030، والخطة الاقتصادية “فرنسا 2030”.

ولفت إلى أن غرفة التجارة العربية الفرنسية تساهم في دفع هذه الشراكة الاستراتيجية، حيث تعتبر قطر دولة رئيسية بالنسبة للغرفة في سياق إضفاء الشرعية على وثائق التصدير، وهي من بين أكبر خمس دول، والغرفة تسعى جاهدة للترويج لهذه الوجهة والشراكة الثنائية، من خلال المعلومات الاقتصادية المنتظمة أو الندوات عبر الإنترنت.

وأوضح أنه تم الدخول في مرحلة جديدة من تسهيل التجارة بين البلدين، بعد “النجاح الاستثنائي” الذي حققته بطولة كأس العالم لكرة القدم في الدوحة.. ولفت الى أن إذا كانت قطر هي المورد السابع والخمسين لفرنسا، فهي الشريك الرابع لفرنسا في الشرق الأدنى والأوسط، وهما موقعان قابلان للتحسين بوضوح.

وأضاف أن الأرقام الخاصة بشهر نوفمبر 2024، لا تبدو جيدة للغاية، مع تباطؤ ملحوظ في الواردات والصادرات، ورصيد إيجابي أكبر لفرنسا بلغ 394 مليون يورو، ولكن في عام 2023، فإن حجم التجارة في السلع بين فرنسا وقطر كان قد انخفض بالفعل 2.45 مليار يورو، 9.29 مليار ريال وفقا للمجلس الوطني للتخطيط، مقارنة بـ 4.33 مليار يورو، 16.46 مليار ريال قطري وفقا للمجلس الوطني للتخطيط.

وأرجع هذا التراجع إلى حد كبير، إلى انخفاض الصادرات القطرية إلى فرنسا، والتي تتكون في معظمها من الهيدروكربونات (النفط الخام والمكثفات وسوائل الغاز)، بينما شهدت الصادرات الفرنسية إلى قطر ارتفاعا مع استئناف تسليم الطائرات، العنصر الرئيسي للصادرات الفرنسية، وبذلك استعادت فرنسا فائضها التجاري في عام 2023، مقارنة بالعجز التاريخي الذي بلغ نحو 3 مليارات يورو في عام 2022.

وأكد أن غرفة تجارة وصناعة قطر تتمتع بحضور قوي ضمن هيئات غرفة التجارة العربية الفرنسية، وأن رئيس غرفة قطر سعادة الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني هو عضو في اللجنة التنفيذية لغرفة التجارة العربية الفرنسية، وأحد نواب رئيسه العرب.

ونوه بأن غرفة تجارة وصناعة قطر هي أيضا واحدة من ثلاث غرف عربية فقط، لديها عضو ثان في مجلس الإدارة، وهو الدكتور خالد بن كليفيخ الهاجري، وهذا يمثل توضيحا للرغبة في إقامة علاقة قوية بين الهياكل، حيث علينا أن نعتمد منظورا لتنشيط تبادلاتنا وعلاقاتنا، وأن نحدد بشكل مشترك ما يمكن تحقيقه.

وأشار الى أن آليات التعاون بين فرنسا وقطر غنية بالفعل، سواء على مستوى السلطات العامة، أو على مستوى القطاع الخاص، وما يحتاج إليه البلدان هو البحث في المقام الأول عن الكفاءة وعدم التكرار والتكامل، واقترح في هذا السياق تنظيم مشاورات سنوية أو نصف سنوية بين أصحاب المصلحة الفرنسيين والقطريين للعمل معا بشكل أفضل.

وعبر عن قناعته بأن الشراكة بين فرنسا وقطر هي إحدى شراكات المستقبل والحداثة.

وعن أفاق التعاون الاقتصادي العربي الفرنسي في ظل التكتلات والتغيرات الإقليمية والعالمية المتسارعة وتأثيراتها الكبيرة على الاقتصاد العالمي، أوضح رينا أن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة صعبة ومعقدة، لأن التغيرات العالمية وتأثيراتها على الاقتصاد الدولي من الصعب اليوم “التنبؤ بها” و”ليس من السهل رؤيتها بوضوح”.

وقال: “من المرجح أن عصر العولمة كما عرفناه قبل بضع سنوات قد انتهى الآن، ولكن العولمة في حد ذاتها لم تنته بعد، ومن الناحية الاقتصادية فإن ما هو على المحك ربما يتمثل في إعادة توجيه أو تعديل نهجها. إن تأثير تعميم الذكاء الاصطناعي تماما مثل عواقب تغير المناخ، سيكون له عواقب على حياتنا اليومية. هذا مؤكد، ولكن لا أستطيع أن أقول أي منها على وجه التحديد”.

ولفت الى أن حالة عدم اليقين الإقليمية والدولية كانت ولازالت حاضرة دائما، بطريقة أو بأخرى، وسوف تعمل إما على تسريع بعض الاتجاهات أو على إبطائها، لذلك فإن قوة الشركات تكمن في كثير من الأحيان في قدرتها على توقع هذه الاتجاهات بشكل أفضل، والأهم من ذلك قدرتها على التكيف معها بشكل أفضل، حتى لو كان هناك ثمن يجب دفعه.

وشدد على أن أوروبا يجب أن تتخذ قرارات صعبة للعودة إلى النمو القوي، كما يتعين عليها أن تعرف كيفية تنمية شراكاتها التاريخية وإثرائها وتطويرها، وفي نفس الوقت يجب عليها أيضا تطوير وبناء شراكات جديدة مع لاعبين جدد والسماح لهم بالازدهار بشكل كامل.

جدير بالذكر أن الغرفة التجارية العربية الفرنسية(CCFA)، هي جمعية غير ربحية ذات هدف اقتصادي، تأسست في الثامن من ديسمبر 1970، وتعتبر عنصرا هاما من مكونات العلاقات الاقتصادية والتجارية العربية الفرنسية. وقد تأسست الغرفة بإيعاز من جامعة الدول العربية ومن وزير سابق في حكومة الجنرال ديغول، وهي تطبق بشكل أساسي مبدأ المناصفة الذي يميزها ويعد مصدر قوتها من خلال شراكتها مع المنظمات الاقتصادية في البلاد العربية، وتشمل سوقا تعد 370 مليونا من السكان.

ويوجد على رأس الغرفة جهاز تنفيذي يتألف من رئيس فرنسي، وهو فانسان رينا، وأمين عام عربي، بانتظار التعيين.

وتتكون الغرفة من مكتب ومجلس إدارة، يتألف من أعضاء نصفهم يتم تعيينهم من قبل المؤسسات الفرنسية للغرفة، والنصف الثاني من قبل الغرف التجارية للاثني وعشرين عضوا في جامعة الدول العربية.

 

شاركها.
Exit mobile version