استعرض بنك قطر الوطني QNB التحديات الاقتصادية التي تواجه الحكومة الألمانية الجديدة، معتبرا أن تنفيذ إصلاحات أعمق بات أمرا ضروريا لتحقيق الإنعاش الاقتصادي في البلاد. ورأى التقرير الأسبوعي للبنك أنه رغم الحزمة المالية الضخمة التي أعلنت عنها الحكومة، والتي تشمل تحديث البنية التحتية وخططا لإصلاح النظام الضريبي وسوق العمل، فإن الاقتصاد الألماني يعاني من إرث ثقيل يتجسد في تراجع القدرة التنافسية والإنتاجية، بالإضافة إلى نقص في الاستثمار في القطاعات الحيوية.
واعتبر التقرير أن الإصلاحات المقترحة قد تساهم في تحفيز النمو على المدى المتوسط، ولكنها لن تكون كافية دون معالجة القضايا الهيكلية التي أعاقت نمو الاقتصاد الألماني على مدار العقدين الماضيين. كما تطرق التقرير إلى التحديات المستمرة التي يواجهها قطاع التصنيع. وذكر التقرير أن ألمانيا، التي برزت كقوة اقتصادية رئيسية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت في العقدين الماضيين تفاقما في التحديات الهيكلية التي أثرت على نموها الاقتصادي مثل الاتجاهات السلبية في التركيبة السكانية، وزيادة الأعباء التنظيمية والضريبية.
واعتبر البنك أنه نتيجة لهذه الضغوط، ظل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لألمانيا ثابتا على مدى السنوات الخمس الماضية، في وقت شهدت فيه الولايات المتحدة نموا بنسبة 12.2 بالمائة ومنطقة اليورو 5 بالمائة خلال نفس الفترة. وأشار التقرير إلى التباين الواضح بين النهج التقليدي لألمانيا في الالتزام بسياسة الانضباط المالي والتقشف، الذي ساعد في استقرار الاقتصاد على المدى الطويل، وبين التحول الجذري الذي اتخذته الحكومة الجديدة بإعلان حزمة توسعية ضخمة قد تصل قيمتها إلى تريليون يورو.وأوضح أن الحزمة تتضمن استثمارات كبيرة في البنية التحتية والدفاع، فضلا عن إصلاحات شاملة في النظام الضريبي وسوق العمل، معتبرا هذا التحول الاقتصادي خطوة بعيدة عن النهج المالي المحافظ الذي كان سائدا لعقود، والذي يتوقع أن يساهم في تحفيز النمو الاقتصادي على المدى المتوسط. ورأى البنك أنه رغم هذه السياسات الطموحة، فإن الإدارة الجديدة تواجه إرثا من التحديات الكبيرة التي تتطلب إصلاحات جريئة لتعزيز الاقتصاد الألماني الذي يعتبر في حالة ركود. وناقش التقرير ثلاثة عوامل رئيسية تشكل أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الألمانية الجديدة، والتي تؤثر مباشرة على آفاق النمو الاقتصادي أولها يتمثل في استمرار الضغوط الهيكلية التي تقوض القدرة التنافسية والإنتاجية للاقتصاد الألماني. وأشار التقرير إلى أن التحديات المرتبطة بتحديث البنية التحتية في ألمانيا لا تقتصر على نقص التمويل، بل تشمل أيضا تعقيدات إجرائية وبيروقراطية تؤخر تنفيذ المشاريع.
وأكد التقرير أن تجاوز هذه المعوقات وجعل تحديث البنية التحتية أولوية استراتيجية للحكومة الجديدة، يشكل شرطا أساسيا لاستعادة زخم النمو، مشيرا إلى أن خطة خفض ضرائب الشركات، والتي من المفترض أن تسهم في تحفيز الاستثمار، لن يبدأ تنفيذها الفعلي إلا تدريجيا اعتبارا من عام 2028.
من جهة أخرى، تطرق العامل الثالث الذي ركز عليه التقرير، إلى تراجع قطاع التصنيع، والذي يشكل أحد المحركات التقليدية للنمو في الاقتصاد الألماني. واعتبر بنك قطر الوطني أن هذا التراجع بات يشكل عائقا واضحا أمام النمو الإجمالي، مشيرا إلى أنه خلال الفترة الممتدة من عام 2000 وحتى ذروته في 2017، كان التصنيع يحقق نموا سنويا بمعدل 1.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. ولفت إلى أنه رغم أن هذا الزخم الذي شهده قطاع التصنيع فقد سجل تباطؤا حادا في السنوات اللاحقة، نتيجة التعرض لسلسلة من الصدمات المتتالية، بدءا من التوترات التجارية العالمية، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، وجائحة كوفيد-19، وصولا إلى أزمة الطاقة التي تفاقمت بفعل الحرب الروسية الأوكرانية.