الخرطوم- تعمقت أحزان السودانيين التي أشعلتها الحرب المندلعة منذ 7 شهور، برحيل الموسيقار الكبير محمد الأمين “ود الأمين” (81 عاماً) الذي يعتبر رائد تجديد الموسيقى السودانية وأحد أبرز المطربين الذين عرفتهم الساحة الفنية في البلاد خلال العقود الستة الأخيرة وأطلق عليه مطرب “الحب والحرية” كما يلقب بـ “الباشكاتب”.

وساد حزن عريض في البلاد على آخر المطربين العمالقة الذي كان الأكثر حضوراً وإبداعا وتنوعا خلال العقود الستة الأخيرة وساهم في تشكيل الوجدان السوداني عبر العشرات من الأغنيات الخالدة الوطنية منها والعاطفية، وأسهم أيضاً في تجديد أغاني التراث وقدم ابتهالات دينية وجدت رواجاً واسعاً لخروجها من الطريقة التقليدية التي كانت تؤدى بها.

وتحسر كثير من المغردين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي على رحيل محمد الأمين في الولايات المتحدة -التي ذهب إليها مستشفياً ووري جثمانه الثرى هناك- بعيدًا عن الوطن، الذي غنى له لأهله وثوراتهم وتطلعاتهم للحرية والرفاهية.

النشأة والتطور

ولد محمد الأمين في فبراير/شباط 1942 في قرية ود النعيم قرب مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في وسط السودان، ويعد أحد أيقونات الغناء والموسيقى السودانية المعاصرة، ومن أكثرهم صيتاً، وله دورٌ كبيراً في تطوير الموسيقى السودانية ونشرها خارج بلاده.

ويرى الموسيقار الفاتح حسين أن نشأة محمد الأمين في ولاية الجزيرة -التي تعد سوداناً مصغراً- وتأثره بفنون تلك المنطقة التي جمعت الطيف الثقافي والاجتماعي ساهم في تشكيل ثقافاته الغنائية والصوفية المتنوعة.

كما يتميز المطرب الراحل بقدرات صوتية ولحنية متفردة، وكان يلحن غالبية أغانيه والقليل جداً منها لحنها له آخرون، وأي لحن يحمل بصماته الفنية التي لا تشبهها أي بصمات أخرى ولعل هذا هو السبب في قلة المقلدين الشباب له حسب الموسيقار حسين.

مطرب الثورات

وكان أول ظهور جماهيري لمحمد الأمين في نهاية ستينيات القرن الماضي عبر أغنية “أنا وحبيبي” التي ظلت لسنوات طويلة تتصدر الأغنيات الأكثر تفضيلا لدى عشاق الموسيقى السودانية.

محمد الأمين - أنا و حبيبي

وأكثر ما ميز محمد الأمين هو قدراته العالية في التلحين والتأليف الموسيقي التي انعكست في أكثر من 50 عملا فنيا.

وقد جذبه إلى عالم الموسيقى والغناء منذ نعومة أظافره، خاله بله يوسف الازيرق فأجاد آلة المزمار ثم آلة العود التي تمكن منها وهو لم يتعد 12 عاماً.

وانتقل ود الأمين من ود مدني إلى الخرطوم في 1962، ويعتبر أول من غنى لثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964، التي أطاحت بحكم الرئيس السابق إبراهيم عبود، وقدم للثورة عددا من الأغنيات حتى أطلق على أغانيه “أكتوبريات” وأبرزها “أكتوبر 21” للشاعر فضل الله محمد، ثم قدم الملحمة “قصة ثورة” للشاعر هاشم صديق كأقوى عمل وطني ملحمي وثق لثورة أكتوبر، وظلت تردد مع كل ثورة وانتفاضة ويرددها الشباب في كل مناسبة ودعوة للحرية والتحرر.

وقادته بعض أعماله إلى الحبس في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري حين غنى أغنية المبادئ فكان نصيبه السجن مع الفنان الراحل محمد وردي في العام 1971.

وظل ود الأمين مرتبطاً بقضايا الوطن رغم تقدمه في العمر فصعد على مسرح الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش بالخرطوم في العام 2019 الذي انتهى بإطاحة حكم الرئيس المعزول عمر البشير، كما تغنى محمد الأمين للشاعر محجوب شريف بأغنيتين رمزيتين للحرية هما “السودان الوطن الواحد” و”مساجينك تغرد في زنازينك”، كما تغنى بنشيد سياسي “المتاريس” من كلمات مبارك حسن خليفة.

 أغان للحب

كما أجاد ود الأمين الأغاني الوطنية فقد برع في العاطفية الكلاسيكية وغنى للحب والجمال، وأبرزها “قلنا ما ممكن تسافر” و”زاد الشجون” للشاعر فضل الله محمد، والأغنية الخفيفة التي أبرزت قدرته في عزف العود وهي “أسمر ياساحر المنظر” للشاعر الراحل خليفة الصادق، ثم “5 سنين” للشاعر عمر محمود خالد.

ويقول الشاعر إسحاق الحلنقي الملقب بـ”رئيس جمهورية الحب إن السودان فقد مطرباً عملاقاً وعبقرياً فنياً لن يتكرر قريباً كرس حياته للفن والموسيقى، وغني له منذ السبعينيات بعدد من النصوص، أبرزها “شال النور”، و”جيناكم يا حباينا” و”تتعلم من الأيام” التي اعتبرتها الإذاعة السودانية أفضل أغنية سودانية في منتصف السبعينيات.

ويعتقد الموسيقار وأبزر أعضاء فرقة ود الأمين الفنية العازف أسامة بيكلو أن لونية ألحان المطرب الراحل كلاسيكية في شكلها من وجود المقدمات الموسيقية والمقاطع المختلفة، وأنه متأثر جدا بالمدرسة اللحنية للموسيقار المصري الراحل محمد عبد الوهاب.

وغنى المطرب الراحل لأكثر من 20 شاعراً سودانياً وشاعراً عربياً واحداً هو نزار قباني أغنية “تقولين الهوى”.

ومع تفوقه في الأغاني الحديثة لم يغفل ود الأمين أغاني التراث والموروث الشعبي، وبرع في تلحين وأداء أغاني التراث التي جدد ألحانها مثل “عيال أب جويلي”، و”زورق الألحان” و”العديل والزين” وغيرها.

شاركها.
Exit mobile version