اتفق محللون وخبراء سياسيون على أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن جنوب سوريا تعكس نوايا إستراتيجية تهدف إلى فرض واقع أمني جديد، في إطار محاولات إسرائيل لإعادة رسم الجغرافيا السياسية في المنطقة.
جاء ذلك خلال مشاركتهم في الوقفة التحليلية اليومية “مسار الأحداث” والتي أكدوا فيها أن هذه التحركات تندرج ضمن مساع إسرائيلية أوسع لتعزيز نفوذها الإقليمي بدعم أميركي، في ظل التغيرات التي شهدتها الساحة السورية بعد سقوط النظام السابق.
وجاءت تصريحات نتنياهو حول ضرورة جعل محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء منطقة منزوعة السلاح، متزامنة مع تقارير إعلامية إسرائيلية كشفت عن اجتماع سري عقده رئيس الوزراء مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس، لمناقشة تثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي في المنطقة العازلة وجبل الشيخ.
وتزامن ذلك مع تحركات داخلية في إسرائيل لاستقبال عمال سوريين في الجولان المحتل، ما أثار ردود فعل غاضبة في الداخل السوري، تجسدت في احتجاجات شعبية رافضة لهذه الخطط.
وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي عبد المنعم زين الدين إن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة تأتي في سياق استغلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، مشيرا إلى أن إسرائيل تسعى لتعزيز نفوذها على حساب حالة عدم الاستقرار في البلاد.
رفض شعبي
وأوضح أن الشعب السوري بمختلف مكوناته يقف موحدا ضد أي مخطط يهدف إلى تقسيم البلاد أو فرض مناطق نفوذ أجنبية.
وأضاف زين الدين أن المظاهرات التي شهدتها درعا والسويداء تعكس رفضا شعبيا واسعا للتحركات الإسرائيلية، مؤكدا أن القوى السياسية في البلاد متمسكة بوحدة الأراضي السورية ورفض أي محاولات لإقامة كانتونات أو مشاريع انفصالية.
وأشار إلى أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، يرفض هذه المخططات، وهذا يضع إسرائيل أمام معادلة صعبة في تحقيق أهدافها.
بدوره، أكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور محمود يزبك أن النهج الإسرائيلي الحالي يعكس فلسفة توسعية قائمة على فرض وقائع جديدة على الأرض.
وقال إن إسرائيل تتبع إستراتيجية “دونم بعد دونم”، حيث تسعى لتثبيت سيطرتها في المناطق التي تحتلها، ثم التوسع لاحقا، لافتا إلى أن إسرائيل لم تكتف بالوجود العسكري في المنطقة العازلة، بل بدأت في بناء قواعد عسكرية وحفر أنفاق، ما يشير إلى نوايا طويلة الأمد.
مخاوف أمنية
وأضاف يزبك أن الجيش الإسرائيلي يستغل المخاوف الأمنية للغرب تجاه الجماعات المسلحة في سوريا، لتبرير احتلاله للمناطق الحدودية، مشيرا إلى أن هذه التحركات تهدف إلى منع أي وجود عسكري سوري في الجنوب، وترسيخ سيطرة إسرائيلية تمتد إلى عمق الأراضي السورية.
أما الكاتب والمحلل السياسي محمود علوش، فقد رأى أن تصريحات نتنياهو تكشف عن مشروع إستراتيجي إسرائيلي لإعادة تشكيل التوازنات في المنطقة، مستغلة التحولات السياسية والميدانية بعد هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأوضح أن هذه السياسات تستند إلى 4 عناصر رئيسة، أولها استغلال حالة الفوضى في سوريا لفرض واقع أمني جديد، وثانيها الاستفادة من الدعم الأميركي اللامحدود، وثالثها توسيع النفوذ الإقليمي الإسرائيلي، ورابعها الترويج للمخاطر الأمنية لتبرير التوسع.
وأشار علوش إلى أن إسرائيل تسعى إلى تفكيك سوريا وإضعافها عبر تغذية النزعات الطائفية، مشيرا إلى أن تصريحات نتنياهو حول حماية الطائفة الدرزية ليست سوى محاولة لخلق انقسامات داخلية.
وأضاف أن السياسة الإسرائيلية تعمل وفق مبدأ “فرّق تسد”، وتسعى لاستخدام بعض المكونات السورية كأدوات لتعزيز سيطرتها، وحذر من أن التحركات الإسرائيلية الحالية قد تشكل تهديدا إقليميا أوسع، يمتد إلى الأردن وتركيا.
الموقف الأميركي
وفيما يتعلق بالموقف الأميركي، حذر علوش من أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد تذهب بعيدا في دعم الأجندة الإسرائيلية في سوريا، مشيرا إلى أن اعتراف واشنطن السابق بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل يعكس مدى التواطؤ الأميركي مع المشاريع التوسعية الإسرائيلية.
وفي ظل هذه المعطيات، شدد عبد المنعم زين الدين على ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية السورية لمواجهة المخططات الإسرائيلية، داعيا مختلف القوى السياسية والاجتماعية إلى الالتفاف حول الحكومة الجديدة في دمشق.
وأضاف أن مواجهة هذه التحديات تتطلب تحركا إقليميا ودوليا أكثر فاعلية، لمنع إسرائيل من فرض وقائع جديدة في المنطقة.
وفي سياق متصل، أشار محمود يزبك إلى أن الطائفة الدرزية في سوريا والجولان المحتل حافظت على هويتها الوطنية رغم الضغوط الإسرائيلية، مؤكدا أن المحاولات الإسرائيلية لاستمالة بعض الأفراد لن تنجح في تغيير الموقف العام.
وأضاف أن إسرائيل ستواصل استخدام أساليبها التقليدية في خلق عملاء محليين، لكنها ستواجه رفضا واسعا من قبل السوريين.