أظهر مؤشر الإرهاب العالمي الصادر في مارس/آذار الماضي عن معهد الاقتصاد والسلام في مدينة سيدني بأستراليا تنامي ما وصفه بالنشاط الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي خلال عام 2024، مشيرا إلى أنها أصبحت مركزا عالميا لعمليات الحركات المسلحة بسبب الهشاشة الاقتصادية والتنموية والأمنية وتفشي الفقر وتراجع نسب التعليم.
وضمن البلدان الـ10 الأكثر تأثرا بالإرهاب على الصعيد العالمي حضرت 6 دول أفريقية معظمها بالساحل الأفريقي، وسط انتشار جماعات مسلحة عابرة للحدود مثل تنظيم الدولة الإسلامية، أو جماعات محلية مثل جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التي ظهرت في مالي و”حركة الشباب” الصومالية.
وحول المؤشر ودلالاته وانتشار الحركات المسلحة في الساحل الأفريقي، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان “الساحل الأفريقي بؤرة للإرهاب العالمي: الأسباب والتداعيات والأطراف المستفيدة”، ناقش فيها الصحفي المختص في الشؤون الأفريقية محفوظ ولد السالك الأسباب وراء اختلاف الرؤى والتصورات لمواجهة ظاهرة الإرهاب المتفشية في الدول الأفريقية.
أفريقيا على مؤشر الإرهاب العالمي
صنف المؤشر العالمي للإرهاب 6 دول أفريقية ضمن قائمة البلدان العشرة الأكثر تضررا من الإرهاب خلال عام 2024، وهي بوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا والصومال والكاميرون وسجلت المنطقة نسبة 51% من إجمالي الوفيات عالميا بسبب عمليات إرهابية.
وجاءت بوركينا فاسو في المركز الأول عالميا كأكثر دولة تضررت من الإرهاب خلال عام 2024، حيث سجلت أكثر من 1500 حالة وفاة، وبلغ متوسط الوفيات فيها نحو 14 وفاة لكل هجوم، مقارنة بـ7 وفيات لكل هجوم في عام 2023، كما سجل المؤشر وقوع خُمس الوفيات المسجلة عالميا داخل حدودها.
وتقول السلطات العسكرية الانتقالية الحاكمة في واغادوغو، إن الجماعات المسلحة كانت تحتل نصف أراضي البلاد عام 2022، لكن جهودها مكنت من استرجاع نسبة 71% من تلك الأراضي.
وعرفت مالي خلال سنة 2024، انخفاضا في عدد الوفيات الناتجة عن الهجمات الإرهابية، جعلها تتراجع من المركز الثالث إلى الرابع عالميا، لكنها بقيت في المركز الثاني أفريقيا بعد بوركينا فاسو، حيث سجلت أكثر من 600 قتيل جراء نحو 200 هجوم.
لكن ما كان لافتا في النشاط الإرهابي في مالي هو وصول العمليات الإرهابية إلى العاصمة باماكو للمرة الأولى منذ العام 2016، فقد استهدف هجوم تبنته جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” مدرسة وقاعدة جوية وخلف وراءه نحو 100 قتيل في سبتمبر/أيلول 2024.
وجاءت النيجر في المركز الخامس عالميا والثالث أفريقيا من حيث التأثر بالإرهاب، حيث شهدت البلاد مقتل أكثر من 900 شخص في أكثر من 100 هجوم، مقابل نحو 500 قتيل في 60 هجوما خلال سنة 2023، مما يعني ارتفاع وتيرة الهجمات والوفيات معا.
ورصد المؤشر ارتفاع الوفيات في نيجيريا جراء الهجمات الإرهابية خلال 2024 بنسبة 6% مقارنة بالعام 2023، بينما سجلت البلاد انخفاضا في عدد الهجمات بنسبة 37%.
وصنف المؤشر دولة الصومال في الترتيب السابع عالميا والخامس أفريقيا من حيث التأثر بالهجمات الإرهابية خلال سنة 2024، مسجلة انخفاض عدد الهجمات فيها بنسبة 29% والوفيات بنسبة 19% مقارنة بسنة 2023، وهو ما يعكس نجاعة العمليات الموسعة التي قامت بها السلطات الصومالية للتصدي لهجمات حركة الشباب منذ وصول حسن شيخ محمود إلى سدة الحكم.
وجاءت الكاميرون في المركز العاشر عالميا والسادس أفريقيا، من حيث التأثر بالإرهاب خلال 2024، وقد تراجعت الهجمات في البلاد بنسبة 13% والوفيات بنحو الثلث مقارنة بسنة 2023.
ورغم أن الكاميرون تعد من أقل الدول المصنفة ضمن قائمة الأكثر تضررا من الإرهاب، فإنها تواجه تحديا أمنيا مزدوجا يشكل تهديدا حقيقيا لمستقبلها، يتمثل في خطر الجماعات المطالبة بانفصال الجنوب ليصبح دولة مستقلة، من جهة، ونشاط الجماعات التي توصف بـ”الإرهاب” ممثلة في بوكو حرام وتنظيم الدولة، من جهة أخرى.

أسباب انتشار الإرهاب في منطقة الساحل
تتعدد الأسباب وراء ظهور وتزايد انتشار الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولا: الفقر وهشاشة التنمية:
ورثت بلدان منطقة الساحل من الاستعمار أوضاعا هشة على مختلف الأصعدة، مما أسهم في انتشار الفقر وضعف الفرص التنموية وولّد حالة من اليأس والحقد في أوساط بعض الشباب ضد الأنظمة القائمة، وكان من ضمن نتائج ذلك حمل بعض هؤلاء السلاح ضد الدولة.
ثانيا: الانقسام القبلي والعرقي:
خلق غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية بشكل خاص، واستئثار بعض المكونات الاجتماعية بالسلطة في مختلف دول الساحل حالة من الانقسام العرقي والهوياتي داخل مختلف هذه البلدان، وهو ما قاد إلى نزاعات مسلحة خلقت عدم الاستقرار وشكلت عامل تغذية للجماعات المسلحة.
ثالثا: ضعف التعليم:
أسهم ضعف التعليم في دول المنطقة وغيابه في العديد من المناطق داخل البلد الواحد، في خلق تحالف بين الفقر والبطالة والجهل، وأذكى الحقد ضد الأنظمة الحاكمة باعتبارها المسؤولة عن هذا الوضع.
ولعل أبرز مؤشر على أهمية التعليم كسلاح ضد الإرهاب، هو تركيز الجماعات المسلحة على استهداف المدارس من خلال فرض إغلاقها، أو اختطاف مدرسيها وطلابها في بعض الأحيان.
رابعا: الانقلابات العسكرية:
كثيرا ما قادت مختلف العوامل السابقة بالإضافة إلى عوامل أخرى مختلفة، إلى استيلاء مؤسسة الجيش في الدول الأفريقية على السلطة، وكثيرا ما تستغل الجماعات المسلحة الانقلابات العسكرية التي تخلق فراغا في السلطة، وتجعل التركيز قائما على البعد السياسي، لتكثيف نشاطها وتوسيع نطاق انتشارها.
أبرز الجماعات المسلحة الناشطة في منطقة الساحل
ينتشر في منطقة الساحل الأفريقي على غرار مناطق أخرى مختلفة في القارة الأفريقية، عدد من الجماعات المسلحة، تختلف خلفياتها الأيديولوجية، ومناطق نفوذها -وتتحد أحيانا- كما تختلف من حيث الجذور بين المحلي المنتمي إلى الأرض والسكان، والوافد من خارج القارة الأفريقية.
ويعد تنظيم الدولة أحد أهم الجماعات المسلحة الناشطة في أفريقيا، وله الآن فرعان في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، ينشط أحدهما في مالي والنيجر وبوركينا فاسو تحت عنوان “تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى”، في حين ينشط الآخر بالأخص في مالي بعد مبايعة قائد جماعة “بوكو حرام” أبوبكر شيكاو لتنظيم الدولة.
ويعود تأسيس جماعة بوكو حرام إلى عام 2002 في أقصى شمال شرق نيجيريا، ويعني اسمها بلغة الهاوسا “التعليم الغربي حرام”، وقد عرفت هذه الحركة المسلحة بنشاطها العنيف، واختطافها للتلاميذ إما بهدف الحصول على فدى مالية، أو لإبرام صفقة مع النظام الحاكم من أجل إطلاق سراح معتقليها.
وقد انقسمت الجماعة ابتداء من عام 2015 إلى فصيلين على الأقل، أحدهما بايع تنظيم الدولة، والآخر بقي متمسكا باسم ونهج “بوكو حرام”.
وتنشط في الساحة حركة جماعة الإسلام والمسلمين التي تأسست في مارس/آذار2017 بانصهار نحو 4 جماعات، أنصار الدين، وكتائب ماسينا وكتيبة “المرابطون” وإمارة الصحراء الكبرى.
ولا يمكن إغفال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي تأسس عام 2007، ثم تركز نشاطه في منطقة الساحل الأفريقي وبالأخص في الشمال المالي.
المستفيدون من الإرهاب!
يسهم استمرار انتشار وتوسع الإرهاب بالمنطقة، في إذكاء حدة التنافس الدولي عبر البوابة العسكرية، ويتخذ ذلك أبعادا مختلفة، أبرزها بيع السلاح، ونشر القوات العسكرية، إضافة إلى إقامة المناورات العسكرية المشتركة، والتدريب والتكوين.
وقبل توتر علاقات عدد من دول الساحل مع فرنسا، كانت باريس شريكا إستراتيجيا لبلدان المنطقة من خلال المجال العسكري بالدرجة الأولى، وذلك عبر نشر قوات عسكرية في عدد من بلدان المنطقة، وأيضا تصدير السلاح لها.
ووقعت روسيا -التي برزت كحليف رئيسي لبلدان المنطقة- صفقات أسلحة مع عدد من دول القارة بقيمة تفوق 4.5 مليارات دولار، وشكلت أفريقيا وجهة رئيسية لأكثر من 30% من إمدادات شركة الأسلحة الروسية “روسوبورون إكسبورت”، كما نشرت موسكو قوات عسكرية في النيجر، وتعاقدت مالي مع شركة “فاغنر” الروسية ونشرت بموجب ذلك قوات على أراضيها.
ولم تغب الصين عن مضمار التنافس وتعزيز النفوذ في المنطقة، فرغم تراجع موقعها كمصدر أول للسلاح لدول أفريقيا جنوب الصحراء، فإنها لم تبتعد كثيرا حيث حلت في المركز الثاني، حسب تقرير صادر عن مركز ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، منتصف مارس/آذار 2023.
كما عززت تركيا حضورها كشريك للدول الأفريقية التي تعاني من خطر الجماعات الإرهابية، وشكلت طائرات “بيرقدار” المسيّرة عنوانا رئيسيا للحضور العسكري لأنقرة بهذه الدول.
كما شكل فشل الأنظمة المدنية في التصدي للإرهاب بدول الساحل، سببا رئيسيا سوّغ به العسكريون انقلاباتهم بعدد من البلدان، كمالي والنيجر وبوركينا فاسو.
فبالنسبة لحكام باماكو ونيامي وواغادوغو، فإن الرؤساء المدنيين الذين كانوا في السلطة، شكلوا جزءا من المشكل لا جزءا من حل أزمة الإرهاب، كما يتهمونهم كذلك بـ”التواطؤ” مع الإرهابيين، ومع فرنسا التي نشرت قوات وأقامت قواعد عسكرية، دون أن يجدي ذلك في وضع حد للخطر العابر للحدود.
[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة عبر هذا الرابط]