القدس المحتلة- مع دخول وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال حيز التنفيذ دخلت إسرائيل مرحلة جرد الحسابات التي طغت عليها سجالات بشأن الجدوى من العملية العسكرية “السهم الواقي” والنتائج التي حققتها باستثناء اغتيال 6 قيادات من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.

وتعالى السجال في الأوساط السياسية وقوى الائتلاف الحكومي برئاسة بنيامين نتنياهو وأحزاب المعارضة برئاسة يائير لبيد حيال نتائج المعركة، وما إذا عززت قوة الردع للجيش الإسرائيلي أو ساهمت في تقويض القدرة الصاروخية للمقاومة الفلسطينية.

ومقابل هذا التباين في المواقف السياسية أجمع المحللون والباحثون بالشؤون العسكرية في إسرائيل على أن تل أبيب لم تحقق أي هدف باستثناء اغتيالات قيادات عسكرية من الجهاد، واتفقوا في تقديراتهم على أن إسرائيل أخفقت في فرض شروطها لوقف إطلاق النار أو تحديد ملامح إستراتيجية لإنهاء القتال والتوصل إلى تهدئة.

وحيال الهواجس من اندلاع حرب على عدة جبهات والتباين في المواقف بشأن إذا ما حققت جولة التصعيد جميع أهدافها والتشكيك في جدوى استمرار العملية العسكرية أتت وبعد 48 ساعة من التصعيد توصية الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) بوقف إطلاق النار.

أهداف وجدوى

عكس التشكيك في جدوى العملية العسكرية “السهم الواقي” وإذا ما كانت المعركة حققت أهدافها الوصف الذي عبر عنه عاموس هرئيل المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، حيث قال إن “إسرائيل علقت آمالها بنهاية الأسبوع وبعد يومين من بدء التصعيد أن تنجح المخابرات المصرية في التوصل إلى وقف إطلاق نار يصمد لوقت طويل”.

وأشار المحلل العسكري إلى أن التعويل على الوساطة الإقليمية والدولية عكس نهج وسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عندما تشن عمليات عسكرية على جبهة غزة، حيث يكون من السهل عليها الشروع فيها، لكن التجارب جميعها تؤكد أن إسرائيل تجد صعوبة في إنهاء المعارك مع غزة.

وفي مؤشر على عدم تعزز الردع الإسرائيلي على جبهة غزة، أوضح هرئيل أنه على الرغم من اغتيال قيادات عسكرية من سرايا القدس فقد ظهر جليا أن القيادات السياسية للجهاد الإسلامي باتت واثقة وغير مترددة، بل بدا أنها كانت حريصة بشكل خاص على مواصلة القتال وليس على إنهائه كما ظهر في الجانب الإسرائيلي.

ورجح المتحدث أن استمرار العملية العسكرية على جبهة غزة كان ينطوي على خطر على صناع القرار لدى المستوى السياسي والحكومة الإسرائيلية، مشيرا إلى أن استمرار تعرض الجبهة الداخلية لرشقات صاروخية مكثفة كان من شأنه أن يؤدي إلى نفاد صبر الإسرائيليين وتراجع دعمهم لخطوات الحكومة خلال العملية العسكرية.

الضفة وغزة

وعلى الرغم مما شهدته جبهة غزة من جولات تصعيد على مدار السنوات الماضية فإن رون بن يشاي المحلل العسكري للموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” يرى أن مصدر الصداع والمشاكل بالنسبة لإسرائيل هو الضفة الغربية وليس ما يحدث في قطاع غزة.

وبرر بن يشاي طرحه -الذي يأتي في سياق التقليل من حدة الانتكاسة للمستويين السياسي والعسكري خلال جولة التصعيد التي لم تحقق أهدافا جوهرية- بأن الضفة تشهد حالة من الغليان وانتفاضة مسلحة منذ أشهر طويلة.

ورجح المحلل العسكري أن التهدئة أو وقف إطلاق النار مع غزة تحدده الضفة والأحداث والاشتباكات والعمليات المسلحة التي تشهدها وليس الاتفاق مع حماس أو الجهاد بواسطة مصرية وإقليمية “الأمر الذي يلزم الحكومة الإسرائيلية الحالية بصياغة إستراتيجية تعيد الهدوء للضفة”.

ويعتقد المحلل العسكري أن ذروة التصعيد في الضفة الغربية لم تأت بعد، قائلا إن “ذروة التصعيد ما زالت تنتظرنا، وستكون بأوجها عندما لا يكون أبو مازن في رئاسة السلطة الفلسطينية”.

تجارب وتحديات

وفي قراءة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ودور المقاومة في إطالة الصراع، استعرض الباحث في الشؤون الأمنية والشرق الأوسط في جامعة تل أبيب البروفيسور إيال زيسر تجارب الجيش الإسرائيلي مع قطاع غزة.

وأشار زيسر إلى أن العلميات العسكرية المتكررة لا تعالج بشكل جوهري جذور وواقع الجماعات الفلسطينية المسلحة وإن بدت للوهلة الأولى أنها “تعزز قوة الردع الإسرائيلية حتى جولة التصعيد المقبلة”.

ووفقا للباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية بالشرق الأوسط، فإنه بعد عقدين من العمليات العسكرية والجولات التصعيدية على جبهة غزة “يجب الاعتراف بأن إسرائيل لا تزال غير قادرة على الرد على التحديات المتمثلة في غزة”.

توغل وسيطرة

وقال زيسر في تقدير موقف بعنوان “من السهم الأسود إلى الدرع والسهم” والذي نشره في صحيفة “إسرائيل اليوم” إن “إسرائيل لربما تحتاج إلى التفكير خارج الصندوق كما فعل بن غوريون وديان في عملية السهم الأسود بغزة قبل 68 عاما”.

وأوضح أنه في فبراير/شباط 1955 أطلق الجيش الإسرائيلي عملية “السهم الأسود” في غزة، وهي أكبر عملية انتقامية نفذها منذ النكبة، وجاءت العملية ردا على الهجمات المسلحة التي نفذها فدائيون متسللون إلى قطاع غزة بدعم ورعاية من المصريين الذين حكموا قطاع غزة في ذلك الوقت.

وتساءل زيسر “عما إذا كانت إسرائيل اليوم -كما في خمسينيات القرن الماضي- ستضطر في النهاية إلى شن حملة شاملة وتوغل بري والسيطرة مرة أخرى على القطاع؟”.

وأشار إلى أن التجارب كشفت أن أولئك الذين تم القضاء عليهم من قادة المقاومة الفلسطينية لديهم ورثة يواصلون طريق الجهاد ضد إسرائيل، وبالتالي فإن “نهاية كل عملية عسكرية هي نقطة بداية العد التنازلي للعملية العسكرية المقبلة”.

شاركها.
Exit mobile version