واشنطن- بعد يومين من توجه المبعوث الأميركي الجديد الخاص للسودان توم بيرييلو إلى أفريقيا والشرق الأوسط، في جولة تعكس الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية لمسألة إنهاء النزاع الدائر في السودان وتلبية احتياجات شعبه الإنسانية الملحة، حذرت وكالات الاستخبارات الأميركية من أن طول أمد الصراع يزيد من مخاطر امتداده إلى خارج حدود البلاد.
وجاء في التقرير السنوي للاستخبارات الأميركية أن “النزاع الذي طال أمده يزيد من مخاطر انتشار النزاع خارج حدود السودان، مع انضمام الجهات الفاعلة الخارجية إلى المعركة. ولا تزال القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تقاتل لأن قادتها يعتقدون أن بإمكانهم تحقيق أهدافهم في غياب وقف الأعمال العدائية عن طريق التفاوض”.
ويجتمع بيرييلو في كامبالا وأديس أبابا ونيروبي والقاهرة بمجموعة واسعة من المدنيين السودانيين، بما فيهم أفراد من المجتمع المدني ولجان سياسية محلية، وأعضاء في شبكات الاستجابة للطوارئ، وقيادات نسائية وشبابية، ومنظمات وأحزاب سودانية، للاستماع إلى وجهات نظرهم بشأن كيفية تعزيز جهود الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الطارئة والمطالبة بإنهاء “الحرب الأهلية”، والإعداد للانتقال الديمقراطي في السودان.
نفوذ حقيقي
وقال بيرييلو -أثناء جولته- على منصة إكس إنه اجتمع “مع مجموعات مدنية سودانية مؤيدة للديمقراطية أمس الثلاثاء. تدعم الولايات المتحدة الجهود الرامية إلى بناء تحالف شامل للمطالبة بإنهاء عاجل للحرب والتخطيط لانتقال ديمقراطي”.
وكان مجلس الأمن الدولي قد أيد، يوم الجمعة الماضية، قرارا بريطانيا يدعو الأطراف المتحاربة إلى “السعي إلى حل مستدام للصراع من خلال الحوار”، وأعرب عن “قلقه البالغ” إزاء تدهور الوضع الإنساني. ووافقت 14 دولة على القرار، في حين امتنعت روسيا عن التصويت، لكنها لم تعرقل صدور القرار.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار المسؤول السابق في إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وخبير الشؤون الأفريقية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) كاميرون هدسون إلى أنه لدى الولايات المتحدة نفوذ حقيقي في الشأن السوداني، لكنها تحتاج إلى استخدامه.
وأضاف أن بيرييلو أظهر أن لديه إمكانية التواصل المباشر مع وزير الخارجية وأعضاء بارزين في الكونغرس. وإذا كان بإمكانه استخدام علاقاته لدعم مواقفه وملفه، فهناك فرصة لأن تسهم واشنطن في تغيير الواقع داخل السودان.
ويغرق السودان في حالة من الفوضى منذ أبريل/نيسان الماضي بعد اندلاع القتال بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني إثر أسابيع من التوترات المرتبطة بخطط العودة إلى الحكم المدني.
علامة إيجابية
ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للصراع في أبريل/نيسان المقبل، تقدر الأمم المتحدة مقتل ما لا يقل عن 12 ألف شخص، في حين تُرجح جماعات محلية أن يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
وترى الاستخبارات الأميركية أنه “مع وجود السودان على مفترق طرق بين القرن الأفريقي والساحل وشمال أفريقيا، يمكن أن يصبح مرة أخرى بيئة مثالية للشبكات الإرهابية والإجرامية”.
واعتبر دانيال سوليفان، كبير مستشاري السياسات السابق في تحالف إنقاذ دارفور ومدير وحدة أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط في المنظمة الدولية للاجئين، أن سفر المبعوث الأميركي الخاص المعين حديثا إلى السودان علامة مرحب بها على أنه يدرك إلحاح الوضع وأهمية إشراك الجهات الفاعلة الرئيسية في المنطقة.
وقال “نأمل أن يكون ذلك مقدمة لسياسة أميركية أكثر قوة تجاه السودان، مما يشير إلى استجابة تتماشى مع خطورة الوضع على شفا المجاعة والإبادة الجماعية. وستكون القضية الرئيسية هي معرفة مدى دعم البيت الأبيض للمبعوث. ولكي ينجح في مهمته الصعبة، يجب على الرئيس الأميركي جو بايدن التحدث علنا عن أزمة السودان وإعطائها الأولوية في العلاقات الثنائية والإقليمية”.
وفي تصريح للجزيرة نت، أوضح سوليفان أن لدى واشنطن نفوذا محدودا، ولكنه أساسي للتأثير على الأحداث في السودان، لأنها لا تستطيع حل النزاع والكارثة الإنسانية بمفردها، لكنها في الوقت ذاته المزود الرئيسي للمساعدات الإنسانية ولديها علاقات وثيقة مع جهات عديدة إقليمية فاعلة التي لها تأثير على الأطراف المتحاربة في السودان.
ثمن دبلوماسي
وكان تقرير الاستخبارات الأميركية قد أشار إلى أنه ربما تتلقى الأطراف السودانية المتحاربة المزيد من الدعم العسكري الأجنبي، الأمر الذي من المرجح أن يعيق التقدم في أي محادثات سلام مستقبلية، وفي الوقت ذاته، تدفع مشاركة أي جهة فاعلة خارجية الآخرين إلى أن يحذوا حذوها بسرعة.
ويرى هدسون أن جولة بيرييلو إلى أفريقيا والشرق الأوسط ضرورية لإظهار أن الولايات المتحدة تستثمر في استخدام نفوذها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية للسودان.
من هنا تمثل اجتماعات المبعوث الخاص للسودان في عدد من العواصم الإقليمية المهمة، مثل جيبوتي والرياض والقاهرة وأبو ظبي، أهمية خاصة لتوحيد الجهود الرامية إلى إنهاء الصراع المدمر في السودان، ورسم مسار يفضي إلى حكومة مدنية وديمقراطية.
أما دانيال سوليفان، فقال إن الولايات المتحدة تحتاج -على وجه الخصوص- إلى إثبات أن هناك ثمنا دبلوماسيا للترحيب بشخص مثل قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” “المتورط في فظائع كثيرة مستمرة”.
وأضاف أنه ينبغي على واشنطن أن “تعالج الدور السلبي الذي تلعبه الإمارات في توريد الأسلحة وغيرها من أشكال الدعم لقوات الدعم السريع. حتى الآن، لم تُؤخذ واشنطن على محمل الجد من قبل شركائها في المنطقة. ونأمل أن يكون تعيين مبعوث خاص للسودان وقيامه بهذه الجولة في المنطقة علامة على اتجاه جديد”.