|

ظل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يبدي إعجابا واضحا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لما يقرب من 20 عامًا، في علاقة تعود لما قبل دخوله غمار الانتخابات عام 2016 وتخللتها فترات مد وجزر، وفق صحيفة لوموند الفرنسية.

ووصفت الصحيفة العلاقة الطويلة بين ترامب وبوتين بأنها غامضة وسامة وتستند إلى “دوافع غامضة”، في وقت يعرف عن ترامب ميله للقادة ذوي النزعات الاستبدادية، لكنها في حالة بوتين تفتقر للكيمياء الإنسانية  التي جمعت الرئيس الأميركي رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف في أواخر الثمانينيات.

وتوقفت الصحيفة عند عام 2013 عندما كان ترامب نجما تلفزيونيا ومليارديرا وسافر إلى موسكو لحضور مسابقة ملكة جمال الكون، التي كان يمتلك حقوق بثها مع شبكة “إن بي سي” وكان يحلم بلقاء بوتين وبمشاركته في فعاليات المسابقة.

وحسب الصحيفة، فإن ترامب كان يراوده حلم مشروع عقاري ضخم: بناء برج ترامب في العاصمة الروسية، وهو المشروع الذي كان حاضرا في ذهنه خلال زيارته الأولى للاتحاد السوفيتي عام 1987.
وقد عبر عن ذلك الحلم في عام 1986 عندما حضر مأدبة عشاء لنخبة المجتمع في نيويورك، حيث جلس إلى جانب السفير السوفياتي لدى الولايات المتحدة يوري دوبينين، وقال في كتابه “فن الصفقة” (1987) “تتابعت الأحداث، وها أنا أتحدث عن بناء فندق فخم كبير قبالة الكرملين بالشراكة مع الحكومة السوفياتية”.

ولم تتحدث لوموند عن مآل ذلك الحلم، لكنها تقول إن المؤكد هو أنه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم ضخّ أموال روسية خاصة ضخمة في مشاريع ترامب وممتلكاته، كما أقرّ بذلك أحد أبنائه دون جونيور عام 2008.

كما تجسدت العلاقة بين الطرفين من خلال “الانبهار غير المتوازن” الذي أبداه ترامب إزاء بوتين عندما قال عام 2007 إن الرئيس الروسي “يقوم بعمل رائع في إعادة بناء صورة روسيا”.

صديقي المقرب

وفي عام 2013 ومع اقتراب موعد مسابقة ملكة الجمال في موسكو، تساءل ترامب على “تويتر” (سابقا “إكس” حاليا) “هل تعتقدون أن بوتين سيحضر مسابقة ملكة جمال الكون في موسكو في نوفمبر/تشرين الثاني، وإذا كان الأمر كذلك، فهل سيصبح صديقي المقرب؟”.

وفي يوليو/تموز 2015، أي قبل 15 شهرًا من الانتخابات الرئاسية التي خاضها أمام المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، قال ترامب عندما سُئل عن العقوبات المفروضة على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم، إنه سيحظى باحترام بوتين، وأضاف “أعتقد أننا سنتفق تماما”.

وبعد ذلك بأشهر قليلة، قال ترامب إن بوتين يستحق درجة “امتياز” في القيادة، وهو ما رد عليه الرئيس الروسي لاحقا، في عز الحملة الانتخابية لرئاسيات 2016، بالقول إن المرشح ترامب “بارع جدا” و”موهوب”.

مقال لوموند يرجح أن موسكو سعيدة بوجود ترامب كشريك في واشنطن (رويترز)

وطوال حملته الانتخابية، ظل ترامب يتبجح بأنه يحظى بتقدير موسكو، وقال مرارا إنه واثق من قدرته على بناء علاقة مثمرة مع الزعيم الروسي، ونفى وجود أي مصالح مالية له في البلاد.

ومع اقتراب موعد الانتخابات، أجرت وزارة العدل الأميركية ومكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) تحقيقا في التدخل الروسي في الحملة الانتخابية، ولا يزال الجدل قائما حول التورط المحتمل لترامب والمقربين منه في ذلك التدخل، وفق الصحيفة، كما أن تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر، الذي نُشر عام 2019، لم يقدم إجابة قاطعة حول الموضوع.

وأمضى الرئيس ترامب ولايته الأولى (2017-2021) والشكوك تحوم حول التورط الروسي في تلك الانتخابات، في وقت قال فيه ترامب إنه “لا يوجد سبب للاعتقاد” بأن روسيا تدخلت في الانتخابات الأميركية.

والتقى الرئاسيان للمرة الأولى في هامبورغ (ألمانيا) على هامش قمة مجموعة العشرين في يوليو/تموز 2017 في أجواء اتسمت بالرصانة، وفق توصيف الصحيفة الفرنسية، مقارنة مع لقائهما الثاني في قمة هلسنكي بعد عام.

رواية بديلة

على صعيد آخر، كشف الصحفي الأميركي الشهير بوب وودود أنه في عام 2020 وخلال ذروة جائحة كوورنا، وافق الرئيس ترامب على نقل أجهزة فحص الفيروس، التي كانت شحيحة آنذاك، إلى نظيره الروسي.

وفي مساعيه للعودة إلى السلطة عام 2024، بنى ترامب خطابه على فكرة مؤامرةٍ دبرتها “الدولة العميقة” ضده وعزاها إلى ما ظل يسميه “روسيا روسيا روسيا”، أي شبهات التواطؤ مع موسكو، ونجح في “فرض رواية بديلة ليُنسي الناس الحقائق”، وأصبح يوجه اتهامات التواطؤ مع الروس إلى القادة الديمقراطيين، وهدد بعضهم بالملاحقة القضائية.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، أبدى الرئيس ترامب في الأشهر الأخيرة استياءه من الرئيس بوتين بسبب تعنّته في مفاوضات السلام بشأن الحرب في أوكرانيا في ظل الشكوك حول فعالية العقوبات الجديدة على موسكو.

في المقابل، تلاحظ الصحفية أن بوتين بارع في التضليل، ويراهن على واشنطن بشأن أوكرانيا، ويعتقد أن كييف تفتقر للاحتياطات اللازمة لمواصلة جهودها العسكرية.

ونقلت الصحيفة عن الخبير في مجلس العلاقات الخارجية تشارلز كوبتشان قوله إن “بوتين مُفتتن بترامب لأنه يرى فيه مخرجا من الجمود الدبلوماسي للجلوس إلى طاولة الأقوياء، ورفع العقوبات المفروضة على روسيا”. وخصلت إلى أن موسكو سعيدة بوجود ترامب كشريك في واشنطن.

شاركها.
Exit mobile version