بيروت- تُسجل اليوم في عهد الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، ولادة الحكومة اللبنانية الأولى برئاسة القاضي نواف سلام، وذلك قبل يوم واحد من مرور شهر على انتخابه رئيسا للجمهورية، بعد فراغ استمر لأكثر من سنتين وشهرين.
ويعتبر تشكيل الحكومة برئاسة القاضي سلام إنجازا، حيث لم تفصل بين تكليفه في 13 يناير/كانون الثاني وإعلان مراسيم تشكيل الحكومة سوى 26 يوما فقط، حيث تتميز هذه الحكومة بخروجها عن نطاق السياسيين التقليديين، فقد تم اختيار الوزراء من خارج الأطر الحزبية، ليكونوا من أصحاب الكفاءات والخبرات الرفيعة.
وأكد الرئيس سلام بعد إعلان تشكيل الحكومة أن حكومته ستكون حكومة إصلاح وإنقاذ، مشيرا إلى أن الإصلاح هو السبيل الوحيد لانتشال لبنان من أزماته مع تأكيد الالتزام بتطبيق القرار 1701.
ويعلق اللبنانيون آمالا كبيرة على الحكومة في معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعانون منها، ويطلقون عليها لقب “حكومة المهمة”، رغم أنها ستكون حكومة انتقالية لن يتجاوز عمرها عاما ونصف العام حتى إجراء الانتخابات النيابية في 2026.
تشكيلة فريدة
تتمتع الحكومة الـ78 منذ الاستقلال والـ21 بعد اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، بميزة جديدة تتمثل في كونها تضم 5 نساء للمرة الأولى في تاريخ الحكومات اللبنانية، حيث تم تعيين كل من تمارا الزين وزيرة للبيئة، وحنين السيد وزيرة للشؤون الاجتماعية، وريما كرامي وزيرة للتربية، ولورا الخازن لحود وزيرة للسياحة، ونورا بيرقدريان وزيرة للرياضة.
كما تم تمثيل عدد من الأحزاب عبر وزراء غير حزبيين من أصحاب الاختصاص، وتشمل هذه القوى الثنائي الشيعي المتمثل في حزب الله وحركة أمل، والقوات اللبنانية، والكتائب، والحزب التقدمي الاشتراكي، وحزب الطاشناق الأرمني، كما برزت قوة جديدة من خلال التحالف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وهو ما يعكس تحولات في التركيبة السياسية.
ومع ذلك، ثمة قوى سياسية رفضت المشاركة في الحكومة، كالتيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، الذي رفض أن يسند إليه أي وزير في الحكومة، كما امتنع تيار المردة برئاسة النائب السابق سليمان فرنجية عن المشاركة رافضا حقيبة الإعلام ومطالبا بحقيبة خدماتية، كذلك امتنعت كتلة الاعتدال الوطني التي تضم مجموعة من النواب السنة المستقلين عن المشاركة.
ورغم هذه العقبات، فإن الحكومة ستعقد أول اجتماعاتها في القصر الجمهوري تحت رئاسة الرئيس عون يوم الثلاثاء المقبل، بعد التقاط الصورة التذكارية الرسمية، حيث سيتم التعارف بين الأعضاء وتشكيل لجنة لصياغة البيان الوزاري، الذي سيحدد السياسة الحكومية وتطلعاتها، بما في ذلك موقفها من القضايا الكبرى، مثل التوازن في ما يتعلق بما ورد في خطاب القسم للرئيس عون، وحصرية السلاح في يد الدولة.
حكومة الكفاءات
اعتبر رئيس تحرير جريدة اللواء اللبنانية صلاح سلام، أن هذه الحكومة جاءت متماشية مع آمال وتطلعات اللبنانيين، إذ إنها لا تضم أي طرف من المنظومة السياسية الفاسدة التي أوصلت البلاد إلى حالة الإفلاس والانهيار.
كما أنها حكومة كفاءات وخبرات تضم اختصاصيين يتمتعون بسجل مهني غني، لا سيما أن العديد منهم عمل في مؤسسات دولية مرموقة، مما يمنحهم خبرات مهمة في القطاعات التي سيتولون مسؤولياتها.
وأشار سلام، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن هذه الحكومة تواجه تحديات معقدة ومهام جسيمة، إلا أنها قادرة على التصدي لها، بشرط أن تحافظ على انسجامها كفريق عمل متكامل ومتفاهم، كما يمكنها تحقيق إنجازات خلال فترة زمنية قياسية.
وأضاف أن من أبرز ميزات هذه الحكومة أنها تضم، للمرة الأولى في تاريخ حكومات لبنان، 5 وزيرات من أصل 24 وزيرًا، وهو ما يعد إنجازا إصلاحيا، فمنذ سنوات تطالب المرأة اللبنانية بحقوقها في المشاركة السياسية ونيل حصة عادلة في الحكومة، وها هي اليوم تحقق نسبة غير مسبوقة من التمثيل الوزاري.
كما أوضح سلام أن هذه الحكومة اعتمدت مبدأ إصلاحيا آخر، يتمثل في الفصل بين الوزارة والنيابة، حيث لا يوجد بين أعضائها أي نائب في البرلمان، وهي خطوة غير مسبوقة بهذا الوضوح.
وأشار أيضا إلى أن الوزراء الحاليين لن يترشحوا للانتخابات النيابية المقبلة، إذ كان هذا أحد الشروط الأساسية التي وضعها رئيس الحكومة المكلف نواف سلام لضمان عدم استغلال السلطة في العملية الانتخابية.
واعتبر سلام أن هذه العوامل مجتمعة تمنح الحكومة فرصة لاستعادة ثقة الداخل والخارج بالدولة اللبنانية، مما قد يساهم في دعم جهود إنقاذ لبنان من أزمته الراهنة.
مرحلة جديدة
يقول الكاتب السياسي أسعد بشارة، في حديثه للجزيرة نت، إن هذه الحكومة تمثل ثمرة تسوية كبرى تتيح خلال هذه الفترة تحقيق تقدم ملموس في ملف الإصلاح ورعاية اتفاق وقف إطلاق النار.
ويشير إلى أنه “حتى لو حاول أي طرف داخلي عرقلة عملها فإن التعطيل أصبح أكثر صعوبة”، كما يعتبر أن انطلاقة الحكومة مقبولة، لكن التحدي الأهم الآن هو استكمال اتفاق وقف إطلاق النار والشروع في ورشة الإصلاح التي ينتظرها اللبنانيون، ويؤكد أن ما يميز هذه الحكومة هو خلوّها من “الثلث المعطل”، ما يشكل نقطة فارقة ومهمة للغاية.
كما يشير المحلل السياسي توفيق شومان، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الحكومة الجديدة تضم شخصيات وزارية مشهودا لها بالكفاءة والخبرة، معتبرا أن هذا التقييم الأولي لأول حكومات العهد الرئاسي الجديد يصب في مصلحتها.
ويشير شومان إلى أن تشكيل هذه الحكومة لم يكن ممكنا دون توافق القوى السياسية، ورغم غياب الشخصيات الحزبية عن حكومة نواف سلام، فإن التفاهم مع الأطراف السياسية كان ضرورة لا يمكن تجاوزها نظرا لواقع التمثيل السياسي والشعبي الذي يفرض نفسه على أي حكومة تسعى لنيل ثقة المجلس النيابي.
ومن هذا المنطلق، يرى شومان أن حكومة نواف سلام تستند إلى قاعدة شعبية ممثلة بالأحزاب إلى جانب كونها حكومة كفاءات، ما يجعل من الممكن وصفها بـ”التكنو-سياسية”.
أما على صعيد الأداء، فيعتبر شومان أن نجاح الحكومة مرهون بقدرتها على تحقيق الانسجام بين أعضائها والعمل بروح التضامن الوزاري بعيدا عن الصراعات السياسية والخلافات الداخلية.
ويؤكد “إذا تمكنت من الحفاظ على مستوى عالٍ من التنسيق والتعاون فإنها ستكون قادرة على تحقيق إنجازات ملموسة، أما إذا طغت عليها التجاذبات السياسية والمناكفات فستواجه المصير ذاته الذي واجهته الحكومات السابقة، وهو الفشل في مختلف الملفات”.