الخرطوم- بعد أكثر من 6 سنوات على حل آخر برلمان بالسودان في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، بدأ مجلس السيادة السوداني، عبر لجنة سياسية، مشاورات مع قوى سياسية ومجتمعية لتشكيل مجلس تشريعي انتقالي.

ويعود تاريخ أول مؤسسة تشريعية في السودان إلى عام 1948، في حين جرت أول انتخابات برلمانية عام 1953، تلتها انتخابات عام 1958، ثم عام 1965 بعد سقوط حكم الفريق إبراهيم عبود، وصولا إلى الانتخابات الرابعة عام 1968.

أما الانتخابات البرلمانية الخامسة في العهد الديمقراطي فكانت عام 1986، التي قطعها انقلاب البشير في يونيو/حزيران 1989، إذ هيمن حزب المؤتمر الوطني على المجالس التشريعية المعينة والمنتخبة، حتى تم حل آخر مجلس بعد سقوط نظامه في أبريل/نيسان 2019 إثر ثورة شعبية.

ونصّت الوثيقة الدستورية التي أقرت لإدارة البلاد بعد الثورة على إنشاء مجلس تشريعي انتقالي يستمر حتى انعقاد الانتخابات، غير أن المجلس لم يشكل ولم تكتمل المرحلة الانتقالية التي أنهتها إجراءات رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021 بحل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حال الطوارئ.

وكانت تقوم بمهام التشريع في تلك الفترة سلطة تشريعية انتقالية تتألف من مجلسي السيادة والوزراء.

البرهان: لا مجال للتعايش مع المتمردين في مستقبل السودان

مهام البرلمان

ولسد الفراغ في مؤسسات الدولة الدستورية أقرّ المجلس التشريعي المؤقت في فبراير/شباط الماضي تعديلات على الوثيقة الدستورية، نصت على تشكيل “المجلس التشريعي الانتقالي”.

وبحسب الوثيقة المعدلة، يشكّل المجلس الجديد سلطة تشريعية مستقلة، تضمن تمثيل أطراف العملية السلمية والقوى الوطنية الأخرى، مع مشاركة فاعلة للنساء، على أن لا يزيد عدد أعضائه على 300 عضو.

وحددت الوثيقة مهام واختصاصات المجلس التشريعي في الأمور التالية:

  • إصدار القوانين والتشريعات.
  • مراقبة أداء مجلس الوزراء ومساءلته وسحب الثقة منه أو من أحد أعضائه.
  • المصادقة على الموازنة العامة للدولة، والاتفاقيات والمعاهدات الثنائية والإقليمية والدولية، وإصدار التشريعات التي تنظم أعمالها.
  • المصادقة على إعلان الحرب وحالة الطوارئ.
  • التوصية بإعفاء رئيس مجلس الوزراء.
    جلسة مجلس الوزراء السوداني لأول مرة بالخرطوم منذ أبريل/نيسان 2023 (الجزيرة)

تعافٍ ومصالحات

ويعتقد مراقبون أن قيادات الدولة باتت تبعث رسائل سياسية لتهيئة المناخ لحوار سوداني شامل ومرحلة سياسية جديدة، وغابت لغة التخوين والاتهامات للارتهان لقوى أجنبية.

وقال نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، إن الحرب ذاهبة إلى نهاياتها وستعقبها معركة التنمية والتعمير والمصالحات المجتمعية لإصلاح ما علق بالنفوس وإزالة الغبن وما حدث من تجاوزات بالمناطق التي تأثرت بالحرب.

وفي كلمة خلال زيارته وسط البلاد الثلاثاء، صرح أن الشعب السوداني قرر أنه “لا مكان ولا مجال لمشاركة المليشيا المتمردة في الحياة السياسية بالبلاد باعتبارهم مرتزقة”، مضيفا أن عليهم أن يبحثوا عن مكانة لهم في الدول التي أتوا منها.

وفي السياق ذاته، قال رئيس مجلس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إن مجلسه ركز في أول اجتماعاته منذ تكوينه الثلاثاء، على قضية الحوار “السوداني-السوداني الذي لا يستثني أحدا، وإعادة الاستشفاء الوطني، وتعزيز علاقات البلاد الخارجية عبر الدبلوماسية الرسمية والشعبية”.

من جانبه كشف المتحدث باسم حزب البعث السوداني، ورئيس تنسيقية تحالف العودة لمنصة التأسيس محمد وداعة، عن أن اللجنة السياسية في مجلس السيادة التي تضم أعضاء المجلس شمس الدين كباشي وياسر العطا وعبد الله يحيى، أجرت مشاورات مع قوى سياسية ومجتمعية بشأن تشكيل المجلس التشريعي.

ويشير وداعة، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن المشاورات تناولت معايير تمثيل القوى السياسية في البرلمان، وما إذا كان الاعتماد سيتم على الأحزاب المسجلة وفق قانون الأحزاب أم غيرها، إضافة إلى بحث مشاركة الكتل أو الأحزاب، وتحديد المقصود بمصطلح القوى الوطنية الوارد في الوثيقة الدستورية.

ويرى المتحدث باسم حزب البعث السوداني أن تعيين البرلمان لا ينتقص من دوره الرقابي والتشريعي، وأنه كان عضوا في البرلمان الذي نشأ عقب اتفاق السلام بين شطري السودان في العام 2005، ولعب ذلك المجلس دورا فاعلا في التشريع ومراقبة أداء الحكومة ومحاسبة وزرائها، وأنتج دستورا يعد الأفضل منذ استقلال البلاد.

تعيين وانتخاب

في سياق الحديث عن عودة الحياة البرلمانية إلى السودان، يرى وزير العدل السوداني السابق محمد أحمد سالم أن وجود برلمان -حتى وإن كان معينا- أفضل من غيابه، وأضاف مستدركا في حديثه للجزيرة نت أن الظروف الحالية كانت تستدعي تأجيل تشكيل المجلس التشريعي، مستشهدا بأن المرحلتين الانتقاليتين السابقتين عقب ثورتي 1964، و1985 لم تشهدا إنشاء برلمان.

ويؤكد سالم، الذي عمل مستشارا قانونيا للمجالس النيابية لأكثر من 25 عاما وعاصر 12 رئيس برلمان، أن الأوضاع السياسية لا تحتمل مزيدا من التجاذبات، في حين تتطلب الأزمة الاقتصادية تقليص عدد الأعضاء إلى ما لا يزيد على 100 نائب يعملون متطوعين مع صرف مبالغ رمزية لتغطية تنقلاتهم.

ويرى أن البرلمان، وإن كان من الطبيعي أن يُنتخب، فإن بعض البرلمانات المعينة في تاريخ السودان كانت أكثر تمثيلا من المنتخبة، التي غالبا ما جاءت وفق توازنات قبلية وطائفية.

كما يتوقع أن تواجه عملية التشكيل صعوبات في تمثيل القوى السياسية والفئات المهنية، إضافة إلى تحديات في الدور الرقابي ومحاسبة الوزراء، ما يستدعي أن يكون المجلس أشبه بمجالس الشورى التي تقتصر وظيفتها على تقديم النصح.

من جانبه، يعتبر المحلل السياسي فيصل عبد الكريم، أن المجلس المرتقب ينبغي أن يضم تمثيلا رمزيا لمختلف الفرقاء السياسيين، في ظل غياب انتخابات تحدد الأوزان الحقيقية للقوى.

ويؤكد في حديثه للجزيرة نت أن من الأفضل إرجاء تشكيل البرلمان إلى حين التوصل إلى توافق وطني أوسع، بحيث لا يكون انعكاسا فقط للتيارات والفصائل الموالية للجيش، بل تجسيدا لمخرجات الحوار السوداني الشامل وتحقيقا لشعار “التعافي والاستشفاء الوطني” الذي يرفعه رئيس الوزراء.

شاركها.
Exit mobile version