غزة- تتجه التحليلات السياسية منذ اللحظات الأولى لعودة الغارات الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة المحاصر والمدمر نحو تفسير سلوك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والأهداف التي يريد تحقيقها من خلال إشعال المواجهة مرة أخرى ضاربا بعرض الحائط ضمانات جميع الوسطاء الراعين لاتفاق وقف إطلاق النار.
ويذهب محللون -تحدثت إليهم الجزيرة نت- إلى رسم سيناريوهين للمرحلة المقبلة في إطار قراءة المصالح الشخصية لنتنياهو الذي يحاول تسيير الوقائع الميدانية لخدمة أجندته الخاصة.
فشل وخداع
يقرأ الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة استئناف إسرائيل الحرب على غزة على قاعدة استغلال نتنياهو التهدئة للانقضاض على فصائل المقاومة بضربة فجائية، والانتقال من الضغط على حماس بإغلاق المعابر ومنع المساعدات، إلى التفاوض تحت ضغط النار.
ويرى عفيفة -في حديث للجزيرة نت- أن عودة إسرائيل للتصعيد يسجل إخفاقا للوسطاء الذين رسبوا في اختبار الضمانات بعدم العودة للحرب، وفشلا للإدارة الأميركية التي أعلنت أنها ذاهبة لإنهاء الحروب وتبريد المنطقة، وتعيد سياسة الرئيس السابق جو بايدن نفسها بمنح الضوء الأخضر لاستمرار معركة يعرف الجميع أنها تقوم على أبعاد سياسية وشخصية وحزبية داخل حكومة الاحتلال، وتتساوق معها.
وأوضح عفيفة أن مكتب نتنياهو مارس الخداع عندما أعلن عقب اجتماعه الأمني بأنه قرر استكمال المفاوضات للوصول إلى تفاهمات للمرحلة القادمة، لكنه في الوقت نفسه كان يجهز للتصعيد، وأثبت للجميع أن الهدنة كانت موقوتة في ذهن نتنياهو منذ البداية بالمرحلة الأولى فقط، ومع ذلك لم يستطع الوسطاء رفع صوتهم بشكل واضح بتحميل الاحتلال المسؤولية عن المماطلة والتهرب من تنفيذ بقية مراحل الاتفاق.
أسباب سياسية
ويرى مدير مركز الدراسات السياسية والتنموية في غزة رامي خريس أن العدوان على غزة عاد عقب أزمات نتنياهو الداخلية المتمثلة بمحاولة التهرب من المسؤولية عن إخفاقات السابع من أكتوبر، وتحميلها إلى بقية المستويات العسكرية.
وقد بدأ نتنياهو ذلك بإقالة وزير الجيش يوآف غالانت، ومن ثم دفع رئيس الأركان هرتسي هاليفي للاستقالة، وليس انتهاء باتخاذه قرار إقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار، والعمل على إبعاد المستشارة القضائية للحكومة.
وأشار خريس -في حديث للجزيرة نت- إلى أن نتنياهو اعتاد الهروب من أزماته الداخلية بتصديرها للخارج، وأضاف: يريد نتنياهو أن يضمن تماسك ائتلافه الحكومي أمام التهديدات التي تعصف به سيما فيما يتعلق بحاجته لتمرير قانون الموازنة خلال الأيام القادمة، ولذلك لجأ للتصعيد تلبية لرهن زعيم حزب “الصهيونية الدينية” إيتماربن غفير عودته لمقاعد الحكومة باستئناف القتال في غزة، وهو ما بدا واضحا في الساعات الأخيرة.
ومن جانبه يعتقد الباحث في الشأن السياسي أحمد الكومي أن عودة نتنياهو إلى العدوان وحرب الإبادة الجماعية ليست لها أي صلة بأزمة تفاوض أو انسداد في أفق المسار السياسي، كما يحاول مكتب نتنياهو تسويقه وتبرير جرائمه ومجازره بها.
ودلل الكومي على ذلك بفرض نتنياهو شروطًا تعجيزية بعد انتهاء المرحلة الأولى، ورفض مقترح المبعوث الأميركي آدم بولر لاستكمال الاتفاق، مؤكدا أن التصعيد الإسرائيلي يأتي في إطار هروب رئيس الحكومة الإسرائيلية من أزمة الحكم وتصاعد الخلافات الداخلية وضغط عائلات الأسرى.
وأضاف الباحث السياسي في حديثه للجزيرة نت: يعرف نتنياهو أن عودة الحرب وسياسة الضغط العسكري لن تعيد له الأسرى مما يؤكد أن أسبابًا سياسية وشخصية دفعته لإشعال النار مرة أخرى.
المرحلة المقبلة
وفي استشراف السيناريوهات المقبلة، يرجح الكاتب عفيفة أن الهدف من الهجوم الإسرائيلي هو الضغط على حركة حماس لإجبارها على التنازل عن شروط لها في المفاوضات، وعلى أمل أن تستجيب لما يريده نتنياهو.
وأكد عفيفة أنه كلما طال أمد موجة التصعيد الحالية فإن ذلك كفيل بإعادة الأزمات السابقة إلى المشهد خصوصا إذا ما تحولت لعملية موسعة وذهب الجيش الإسرائيلي للتوغل البري، بالتالي دخول المقاومة بمعركة دفاع عن النفس، قائلا: حينها يصعب التكهن بمآلات الحرب.
ونبه إلى أن حماس ستتعاطى بحذر وستتشدد بمطالبها خلال المرحلة المقبلة من المفاوضات، لأن عودة التصعيد أثبت لها أن الوسطاء لا يمكنهم منع الاحتلال من تنفيذ مخططاته، ولذلك ستبقى متمترسة بالاحتفاظ بورقة أسرى الاحتلال كعامل قوة بيدها.
وفي الوقت الذي يذهب فيه مدير مركز الدراسات السياسية إلى أن مصلحة نتنياهو تميل في اتجاه إطالة أمد الحرب، فإنه يرى أن السيناريو الأقرب يكمن في العودة لطاولة المفاوضات بعد أيام من التصعيد والضغط العسكري، وتحرك الوسطاء لوقف العدوان على غزة.
واستدرك خريس قائلا: حينها سيماطل نتنياهو بفترة التفاوض ويطيل أمدها حتى يضمن النجاة من المحاسبة الداخلية التي تنتظره بسبب تقصير حكومته يوم السابع من أكتوبر، سيما أن المستوى السياسي ليس بعيدا عن حالة الإخفاق.
وعلى خلاف سابقيه، يرى الباحث الكومي أن الميدان مرشح للتصعيد أكثر في ظل وجود نوايا إسرائيلية مبيتة للعودة إلى الحرب بدوافع سياسية معروفة، وفي ظل الغطاء والدعم الذي تتلقاه حكومة نتنياهو من إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب.
وأضاف أن الجانبين الإسرائيلي والأميركي يتفقان على مخططات خبيثة مثل التهجير ونزع سلاح المقاومة، لكن الشهور الماضية أثبتت استحالة تحقيق أهداف الحرب التي يتحدث عنها نتنياهو وهي تحرير الأسرى والقضاء على حماس.
واستبعد الكومي أن ينجح نتنياهو بانتزاع تنازلات مجانية من حماس في قضية الأسرى، وإخضاعها لشروطه عبر الضغط العسكري من أجل العودة إلى وقف إطلاق النار.